ليس غريبا ولا بدعا على أي عصابة أن تتصرف خارج القانون والاحترام الواجب للضوابط واللوائح المقررة والاتفاقات الملزمة، وأن تعصف بأدنى التزام، لأن من شيمها أصلا أن لا خلاق لها ولا آداب مرعية ولا هوية مدنية وحضارية، اللهم إلا ما كان من اندساس وخديعة وتدليس وتزوير وتشويش وفوضى وشغب وعربدة وبلطجة وقطع الطريق، هو كل ما تملكه للظهور بين الناس وفرض حضورها في المجتمع الإنساني والدولي، وينطبق ذلك على أصغر عصابة من مجموعات الأحياء والمنظمات الإجرامية، كما ينطبق على العصابات الكبرى التي تتحكم في دواليب الحكم ومفاصيل الدولة ومؤسساتها وقراراتها، مثل العصابة التي تحكم في دولة اسمها الجزائر، أسقطت دولتها وسياسة هذا البلد وديبلوماسيته ضحية فساد الحكم وسوء التدبير. فليست هذه المرة الأولى ولا الأخيرة التي تضبط فيها جزائر العصابة خارج القوانين الدولية المرعية، عابثة معربدة وساقطة أخلاقيا وديبلوماسيا، وعاجزة عن كبح نزعات الشر وغرائز التوحش التي تملي عليها تصرفاتها العدوانية في أي محفل دولي أو قاري أو إقليمي تحضره أو تشارك فيه باعتبار عضوية الدولة الجزائرية، وباعتبار بقايا الاحترام الدولي لجزائر الثورة وشهداء التحرير والاستقلال، التي تعصف بها العصابة العسكرية الحاكمة وتمرغ صورتها المشرقة في الوحل، وتعزل الجزائر عن محيطها الإقليمي، وتسقط وزنها وهيبتها وقيمتها في المجتمع الدولي، حتى باتت منبوذة من أقرب الدول والتكتلات إليها، ولنا في استبعادها من عضوية منظمة "البريكس" خير مثال، بسبب ما وصفه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، ب"لا هيبة ولا وزن ولا قيمة". ومن هذه الترديات والانحطاطات والتصرفات الصبيانية والبهلوانية المتواصلة، التي أوصلت إليها العصابة قرارات دولة مؤسسات مسؤولة في المجتمع الدولي بحجم الجزائر، نفهم الأسباب المباشرة التي جعلت العديد من الدول والتجمعات الدولية والقارية تحجم عن أي استثمار سياسي أو اقتصادي في العلاقة مع جزائر العصابة، باستثناء مواصلة الالتزام بتجديد عقود ضمان تدفق الإمداد بالغاز والبترول، لانعدام المصداقية والموثوقية في أي شراكة استراتيجية وتنموية أخرى لا أفق لها في ظل حكم العصابة. كانت الفضيحة الأخلاقية المدوية للعصابة في الأيام القليلة الماضية أثناء أشغال الاجتماع الوزاري التحضيري للقمة التاسعة الإفريقية اليابانية المعروفة اختصارا ب"تيكاد" في طوكيو، صورة بائسة عن الحضيض الذي نزلت إليه العصابة في تجمع محترم لمناقشة قضايا التنمية في إفريقيا، والدعم الياباني والدول والمنظمات المانحة للنهضة الإفريقية. فبدل أن تتوجه العصابة إلى هذا الملتقى الدولي الداعم لإفريقيا بأجندة تنموية وأفكار ومبادرات لصالح إفريقيا، أخرجت في هذا الاجتماع التحضيري أسوأ ما يمكن انتظاره من دولة يفترض أن يكون على رأسها قيادات ومؤسسات مسؤولة منضبطة لأهداف الاجتماع وغاياته الكبرى والنبيلة لصالح الشركاء المجتمعين، لمعالجة معضلات التنمية وسبل التدخل والدعم لفائدة الشعوب والدول، ومن أجل الربح المشترك لرهانات الاستثمار في الاستقرار والسلام والتعاون والتبادل للخبرات والتجارب والتكنولوجيات والتمويلات للمشاريع المربحة والمنتجة، إذا بالعصابة كعادتها تفجر هذا الاجتماع التحضيري بأجندتها العدوانية الوحيدة التي تطوف بها أرجاء المعمور؛ وهي إقحام الفيروس الانفصالي والطفيلي في قاعة الاجتماع، وخارج أي اتفاق أو توافق أو استدعاء أو حتى اعتراف بأحقية العصابة في فرض مكانة أو مكان لدميتها الانفصالية بين الحضور المدعويين، علما أن لا دولة اليابان الراعية لهذه القمة والمستضيفة لها تعترف بالكيان الانفصالي المسمى ب"بوليساريو" المدعوم من العصابة الحاكمة في الجزائر، ولا هذا الكيان ممثل في لائحة الدول المعترف بها من قبل الأممالمتحدة، وهي اللائحة المعيار التي تستند إليها اليابان في التعامل مع الدول الإفريقية المعترف بها، ولا هو مخول له الحضور في الملتقيات الدولية المشتركة بين الاتحاد الإفريقي والدول الشريكة، بموجب القرار التصحيحي الأخير في نهاية شهر يوليوز الفارط، والمتخذ في أشغال الدورة ال 45 للمجلس التنفيذي للاتحاد الإفريقي المنعقدة بالعاصمة الغانية أكرا، والقاضي باستبعاد الكيان غير المعترف به أمميا من حضور المحافل الدولية الكبرى التي تجمع الاتحاد الإفريقي بدول العالم في قمم مثل القمة الروسية والصينية والأوروبية واليابانية. ولأن الأبواب كلها قد سدت أمام الكيان الانفصالي لفرض حضوره في التجمعات الرسمية والمحافل الدولية، فإن العصابة الحاكمة في الجزائر، وعراب هذا الكيان، والتي لا شغل لها ولا مبادرة إلا معاكسة القرارات الدولية، والعصف بالقوانين، والاستثمار في الأزمات والصراعات، ولأن اليأس من استمرار التربح من أوضاع الفوضى والإرهاب والانفلات والعبث بالقوانين والمصالح قد بلغ مبلغه من الانحطاط الشديد في سياسة وتدبير العصابة، فإنها لم تجد من سبيل لدعم كيانها الانفصالي بالحضور الممنوع في الأشغال التحضيرية لاجتماع "تيكاد" بطوكيو، إلا تهريبه في حقيبتها الديبلوماسية، وتمكين أحد حاملي جواز سفرها من ممثلي الكيان الانفصالي من التسلل إلى قاعة الاجتماع، والاندساس بين الكراسي، وإخراج يافطة مهربة ومزورة باسم جمهورية وهمية بين الدول المشاركة، من أجل الاكتفاء فقط بالتقاط صورة إشهارية ودعائية ضد قرارات الاتحاد الإفريقي وقوانين الأممالمتحدة، وضد اليابان وضد الدول المعترف بها والمدعوة للاجتماع، قبل أن يكون هذا السلوك موجها ضد المغرب المستهدف المباشر بهذه العربدة التي تضرب في الصميم العلاقات الديبلوماسية اليابانية الإفريقية. فكيف تستسيغ دولة قانون ومؤسسات أن ترهن سياستها بل وصورتها الاعتبارية، بكيان وهمي لا تفتأ ولا تفتر عن التضحية بمصالح شعبها وقارتها وجوارها وعلاقاتها الدولية من أجل أن يلتقط صورة للترويج الإعلامي لانتصار مزعوم، وحضور وازن مغشوش ومزور بين الدول والشعوب؟ لا تستسيغ دولة محترمة تقدر مسؤولياتها حق التقدير أن ترسف في هذا الغي والتزوير، إلا إن كانت جزائر العصابة، نموذج الدولة العصابة المارقة في العصر، والتي لا تضاهيها دولة في العربدة في المجتمع الدولي، وتجاوز كل الممنوعات والخطوط الحمراء في الاستعداء والعدوان الذي لم يعد محصورا في العداء ضد المغرب، دولة وأرضا وشعبا، وإنما ضد المجتمع الدولي الذي بات اليوم وأمام مهازل العصابة التي تتناقلها شاشات العالم ووسائل إعلامه، يستشعر خطورة غض الطرف عن اللعبة الانفصالية التي تسمم بها العصابة الحاكمة في الجزائر أجواء التعاون الإفريقي الدولي. فبالأمس كان فرض الكيان الانفصالي علنا وبشكل مكشوف، بالإحراج والضغط وخلط الأوراق، واليوم بعد سد هذه الثغرة، صار الكيان محمولا سرا في حقائب تهريب ملغومة، وعبر الحصانة الديبلوماسية الجزائرية لينقل مع سائر المهربات والممنوعات، وليدس بين كراسي ومقاعد المؤتمرين والمجتمعين في المحافل، من غير علم ولا موافقة ولا حتى استدعاء من المضيفين والضيوف. ذلك ليعلم العالم هذا الجوار الظالم والعدواني الذي يواجهه المغرب بكثير من الحكمة والصبر والتحمل والتغاضي عن الإساءة، والتزام الشرعية والقانون، واستشراف مستقبل آخر ممكن وآمن لشعوبنا وجوارنا، خال من هذه الطفيليات التي بات انكشافها التام وانقراضها مسألة وقت فقط، للتقرير في مصيرها ومسيرها النهائي إلى حتفها.