تعتبر العلاقات الاقتصادية بين المغرب وفرنسا مثالا حيا على الشراكة الناجحة التي تتجاوز التحديات السياسية. على الرغم من الأزمات التي مر بها البلدين، حافظت فرنسا على مكانتها كأكبر مستثمر أجنبي في المغرب، مما يعكس عمق التعاون الثنائي، كما ساهمت زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وحرمة للمغرب في توطيد العلاقات وضخ دماء جديدة في مجالات التعاون، حيث ستعزز الاتفاقيات الإستراتيجية التي تم توقيعها مؤخرا التنمية الإقتصادية وجذب الإستثمارات الأجنبية للمغرب. أكد رشيد ساري الخبير الاقتصادي، في تصريح ل"رسالة24″، أن العلاقات الإقتصادية بين المغرب وفرنسا لا تزال قوية ومستقرة، على الرغم من الأزمات السياسية التي مر منها البلدين خلال الثلاث السنوات الماضية. إذ تبوأت فرنسا الصدارة كأكبر مستثمر أجنبي في المغرب، حيث تمثل استثماراتها أكثر من 30 بالمئة من إجمالي الاستثمارات الأجنبية. علاوة على ذلك، تصدرت فرنسا قائمة المبادلات التجارية، حيث بلغت قيمتها حوالي 14.2 مليار يورو، مما أدى إلى تحقيق فائض تجاري للمغرب يقدر ب 687 مليون يورو، مما يعكس نهجا تعاونيا قائما على مبدأ "رابح – رابح". وفي سياق المشاريع الاقتصادية، قال الخبير الاقتصادي، أن العلاقات الاقتصادية بين البلدين تمتد لتشمل مجالات متعددة، من بينها "الصناعات الغذائية، والطاقات المتجددة، وصناعة السيارات والطائرات". وفي سياق تطوير هذه العلاقات، وقعت 22 إتفاقية إستراتيجية بقيمة تصل إلى 10 مليارات يورو، تغطي مجالات إقتصادية وثقافية، بالإضافة إلى الجوانب اللوجستيكية والأمنية. كما تتضمن هذه الإتفاقيات مشاريع هامة في البنية التحتية، مثل السكك الحديدية والقطار فائق السرعة، إلى جانب التعاون في إدارة الموارد المائية، وقد خصص المغرب ميزانية تصل إلى 141 مليار درهم خلال الفترة من 2020 إلى 2027 لتطوير القطاع المائي، بما في ذلك إنشاء أكاديمية متخصصة قدره 100 مليون يورو، بهدف مواجهة التحديات المائية التي تواجه البلاد، كما تعزز الإتفاقيات الجديدة التعاون في مجالات الهيدروجين الأخضر والطاقات المتجددة، وقد حظيت الصناعات الثقافية باهتمام خاص، حيث تم توقيع اتفاقيات تتعلق بصناعة الألعاب الإلكترونية. ورأى ساري، أن هذه الاتفاقيات تحمل أبعادا إستراتيجية تعزز العلاقات الثنائية، خصوصا في ظل حاجة فرنسا اليوم إلى المغرب، ليس كنوع من "الكرم" ولكن لأن فرنسا فقدت بعض الأسواق الإفريقية،في حين نجح المغرب في بناء شراكات وثيقة داخل القارة، مما يتيح لفرنسا إعادة تواجدها في إفريقيا عبر التعاون مع المغرب. ويعكس هذا التأثير ما حققه المغرب من إنجازات وبنى تحتية في العمق الإفريقي. وأشار ساري، إلى أن فرنسا تدرك تطور الصناعات المغربية، خاصة في قطاع السيارات، ولاحظ أن الاتفاقيات وقعت بشروط مغربية مما يعكس قوة المغرب في المفاوضات وعدم وجود أي إملاءات فرنسية. كما أكد ساري أن المغرب بحاجة إلى هذه الاتفاقيات لتعزيز تطوير بنيته التحتية ودعم المشاريع المائية، مع توفير تسهيلات تفضيلية للمقاولات الفرنسية بما يعود بالنفع على تنفيذ مشاريعه. ويرى الخبير الاقتصادي، أنه ومن المتوقع أن تسهم هذه الاتفاقيات في تعزيز مكانة فرنسا كشريك تجاري واقتصادي رئيسي للمغرب، وفتح آفاق جديدة لفرص العمل، حيث توظف نحو 1300 شركة فرنسية في المغرب أكثر من 80 ألف شخص ومع هذه الاتفاقيات، من المتوقع أن يزداد هذا العدد بشكل ملحوظ، مما سيسهم في تعزيز التنمية الاقتصادية وجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية إلى المغرب.