من المرتقب أن تنطلق أشغال قمة جامعة الدول العربية الثانية والثلاثين بعد غد الجمعة بالمملكة العربية السعودية، بدون كل الضجيج والمناورات والاستفزازات التي صاحبت سابقتها في الجزائر، وكادت تعصف حتى بانعقاد القمة في حد ذاتها وسحب تنظيمها من العصابة الحاكمة في الجزائر، إذ أجلت مرتين، وروجعت مرات عديدة ما كانت العصابة تود إقحامه على القمة من أجندات عدوانية وأطروحات انفصالية، وقفت المجموعة العربية في وجهها وأرغمت العصابة على الانضباط للنظام الأساسي للجامعة، والالتزام بالإجماع العربي والاحترام الواجب للدول… ومع ذلك لم تفوت العصابة فرصة انعقاد القمة لنفث سمومها وأحقادها، واستفزاز المغرب عن طريق العربدة المعهودة منهم، والتي كان قادة الدول العربية يتصدون لها بحكمة وبكل ما يلزم من تأديب وترويض لهذا الوحش الذي ابتليت به الأمة. خرجت القمة العربية السابقة التي أسندت رئاستها لهذه الدولة أسيرة توحش العصابة الحاكمة لها، بأقل الخسائر الممكنة التي كانت العصابة تنوي إلحاقها بالجامعة العربية، وعلى رأسها زيادة منسوب الكراهية بين دول وشعوب الأمة، وتمزيق الصف العربي، وإقحام مرتزقة وأجندات دول معادية، وتعطيل العمل العربي المشترك ليلتحق هذا التجمع العربي بنظيره المغاربي، الذي أقبرته العصابة. والعجيب في كل هذه العربدة الجزائرية أنها كانت تتم تحت شعارات "لَمّ الشمل العربي" و"عودة العلاقات العربية البينية إلى طبيعتها"، و"نصرة القضية الفلسطينية"، فيما كان عمل العصابة جاريا في الكواليس، وعلى قدم وساق لقلاق في خدمة الأجندة التجزيئية والتقسيمية للصف العربي، والذي لم تجن منه القضية الفلسطينية إلا حماية الرصيد المتآكل للمتاجرين بها من الشرعية والشعبية. واليوم وبعد الطي غير المأسوف عليه لكارثة قمة العصابة، التي مررتها الدول العربية شكليا حينها إنقاذا لماء وجه الجزائر، وكان التوجه آنذاك بعد استنفاذ الآجال والمهل التي أهدرتها العصابة يسير حثيثا في اتجاه إلغاء القمة، خصوصا وأن موعد انعقاد تاليتها المقررة بالمملكة العربية السعودية كان قد اقترب، تأخذ الرياض بزمام مسؤولياتها في الوفاء بالتزام عقد القمة الجديدة، وبضمان إنجاحها الحقيقي وانتشال شعار "لَمِّ الشمل العربي" من الأوحال التي أردته فيها مناورات العصابة. كانت المملكة العربية السعودية في موعدها مع هذا الاستحقاق، وهي تتحمل مسؤولية استضافة قمة قادة الدول العربية على بعد ستة أشهر من انعقاد سابقتها الفاشلة والبئيسة والكئيبة، ليس فحسب لضعف مشاركة القادة العرب، بل للعجز الفظيع الذي بدا به رئيس دورة الجامعة المنتهية رئاسته عن إدراك حجم التحديات التي تواجهها الأمة، وأن إصراره على عقد القمة المؤجلة والمتعثرة ببلده ورئاسته لها، لم يكن إلا رغبة في الزعامة الفارغة وإضفاء شرعية داخلية على نظامه الأرعن والخبيث، ولو لمدة ستة أشهر تعتبر من أقصر الرئاسات في الجامعة العربية. في غضون مشاورات المملكة العربية السعودية لإنجاح هذا الاستحقاق العربي الهام، قفزت العصابة إلى المشهد العربي لتمارس كعادتها وصايتها وعربدتها وتشويشها على القمة، ولأن الدول العربية تعلم مسبقا النوايا الخبيثة لهذه العصابة، فإنها آثرت أن تعمل في هدوء وباستبعاد قوي وحازم لكل عناصر التشويش القادمة من الاتجاه المعاكس، إلى أن استوى جدول أعمال القمة على أسسه الصحيحة والتوافقية، وكذا ملف مشاركة سوريا، وملفات العمل العربي المشترك، مما لم يترك للعصابة فرصة لالتقاط أنفاسها الكريهة وحشر ما كانت تود حشره من أنوف في فترة رئاستها وإلى غاية تسليم هذه الرئاسة للمملكة العربية السعودية. لقد كشفت الاجتماعات التحضيرية لقمة الجامعة العربية على مستوى القادة، عن ضرب عزلة تامة، أو شبه عزلة على نظام العصابة لتحييد شروره وآثاره التخريبية المدمرة على المبادرات الوحدوية العربية الصادقة والموثوقة، وكشفت أيضا عن مبلغ التذمر العربي من سلوكات هذا النظام المدسوس الذي يحمل شعارات لَمِّ الشمل في يد، ومعول الهدم والتدمير في يد أخرى، وعن مبلغ فقدان الثقة والمصداقية في أي رأي يدلي به أو مشورة تطلب منه أو عمل يقوم به، لتكرار حالات الخديعة والمناورة والتآمر واستغفال الأمة منه، بغية طعنها من الخلف وخيانة قضاياها العادلة… وما الحالة المغربية إلا خير مثال مصغر عن مصير الأمة جمعاء في علاقتها بالعصابة الحاكمة في الجزائر، فهذا البلد الغربي الجار والشقيق الذي قدم خدمات وتضحيات جلى للثورة الجزائرية بلا مَن ولا رجاء شكر، وآوى ونصر قادة ومجاهدي الجزائر بالأموال والأنفس، وقدم السلاح والمؤونة والعتاد، وتعرض لظلم الاستعمار وانتقامه واقتطاع أراضيه، كان جزاؤه أن نصَّبته العصابة عدُوا ومرمى لسهامها لعقود من الزمن، انتهت بعد فشلها في كل مخططاتها العدوانية، بقطعها العلاقات الديبلوماسية معه، وإغلاق البر والجو والبحر في وجهه، وتحريض شعبها على أشقائه بما يندى له الجبين من العار والشنار وسوء المعاملة والخلق والضيافة. وهي إذ تحاول اليوم أن تلعب دور الزعامة والريادة في جمع الصف العربي وتجاوز الخلافات، مع زيادة منسوب العداء للمغرب وتكريس القطيعة بما أسماه تبونها ب"اللاعودة"، إنما تقدم الدليل للمجتمع العربي قبل غيره، على أنها تلعن المستقبل وتتهكم على الأمة، وأنها غير مؤتمنة في أي ملتقى أو تجمع عربي على مبادئ الإخاء وحسن الجوار والعمل العربي المشترك، ولا يمكننا بأي وجه كان، أن نجعل من الجزائر شريكا في هذه الوحدة وفي هذا العمل المشترك، ما لم تتكاثف جهود الدول العربية التي لا يزال لديها الأمل في عودة العصابة عن غيها، على ترويض نزعات التوحش والشر المستطير الذي يحرك غرائزها العدوانية، وما لم يًرَدّ أقزام العصابة إلى حجمهم الحقيقي الحقير، الذي لا يتجاوز تسول شرعية مفقودة بأي ثمن. وحسنا قرأت مجلة Atalayar الإسبانية في عددها الأخير، عزل المجموعة العربية لنظام العصابة وتحييده في سياق مشاورات عقد قمة السعودية، إذ لخص عنوان كبير لها هذا الوضع في عبارة جامعة: "تبون غير مرحب به في قمة الرياض" "in la cumbre arabe de riadTebboune, mal recibido"، فالعصابة تحت مراقبة الرئاسة الجديدة لمؤتمر القمة، ولا ترغب هذه الرئاسة على وجه الإطلاق أن تصدر عن العصابة ورئيسها المعين أي تصرفات مسيئة أو مشوشة على القمة كعادتها، تحت طائلة ما كانت قد تفادت المجموعة العربية إنزاله بالعصابة من عقوبات ومقاطعات في وقت سابق. نقول هذا ونحن نشهد، على أبواب عقد القمة العربية بكل ما كنا نأمله من تهدئة وعودة إلى الرشد والصواب، تجدد تطاول العصابة على عدد من الدول العربية وعلى مكانتها الاعتبارية، وتصعيدها مرة أخرى للهجتها العدوانية والاستفزازية ضد المغرب بدون سبب موجب، اللهم إلا ما كان ولا يزال من تكرار بئيس ومنحط لسيناريوهات إقحام مرتزقتها في كل حديث أو لقاء واتصال أو تجمع إقليمي ودولي وقاري، إلى حد الكذب والتزوير والتدليس، وإلهاء الشعب الجزائري ببطولات وهمية وحماقات مرتدة على أصحابها، ولن تزيد المغرب ملكا وشعبا إلا تمسكا بالدفاع عن شرعية قضيته الوطنية الأولى وعن وحدته الترابية وعن حدوده الحقة، واحتضانا لهموم الأمة وقضاياها العادلة. إن الأمل معقود على قمة المملكة العربية السعودية لمحو كآبة قمة العصابة وتصحيح مساراتها الخاطئة، وإعادة الاعتبار لمصداقية العمل العربي المشترك ولمبادئ الجامعة العربية وقيمها المثلى والعليا التي ينبغي ترويض العصابة الحاكمة في الجزائر على الانسجام معها، وتأديبها بآدابها.