ماذا سيفهم العالم العربي والإسلامي والرأي العام الدولي من الممارسة الاستعرائية للعصابة الحاكمة في الجزائر في الأروقة الأممية في مواجهتها الشرسة للبيانين الإسلامي والعربي التضامنيين مع الشعب الفلسطيني والمنددين بانتهاكات الاحتلال الإسرائيلي لحرمة بيت المقدس والأقصى الشريف، إلا أن ثمة شيئا ما من الجنون والحمق والانحطاط الأخلاقي والفجور في المخاصمة بدأ يبلغ حده الخطير المودي بصاحبه إلى المهالك. فبدون حياء ولا حشمة، هرول الممثل الدائم للعصابة الحاكمة في الجزائر لدى الأممالمتحدة يوم السبت الأخير في اتجاه الاعتراض على بيان مجموعة سفراء منظمة التعاون الإسلامي في نيويورك، الداعم لصمود المقدسيين وللجنة القدس التي يرأسها جلالة الملك محمد السادس، والمنبثقة عن هذه المنظمة الإسلامية الدولية، وذلك في سياق تصاعد الهجمات العدوانية الإسرائيلية على القدس الشريف، وعلى المصلين العزل داخل المسجد الأقصى. وإذا كان سفراء دول منظمة التعاون الإسلامي قد أحبطوا بإجماعهم، مؤامرة دولة العصابة وممثلها لمنع صدور بيان التضامن والإدانة، الذي تم تبنيه وإصداره بكامل فقراته رغم تعري وعربدة ممثل العصابة الجزائرية، وهي الفقرات التي جددت الاعتراف والاعتزاز بالدور المغربي وبريادة ملك المغرب رئيس لجنة القدس في الحفاظ على المقدسات الإسلامية في مدينة القدس وعلى طابعها الإسلامي من خلال أعمال ملموسة في الصيانة للمآثر العمرانية والحفاظ على البنية السكانية الفلسطينيةبالمدينة، وتمكين أبنائها من تحسين ظروف عيشهم وتعليمهم وصمودهم في مدينتهم ومواجهة سياسة التهويد والتهجير والتجهيل والخنق والتضييق، فإن هذا الممثل الجزائري واصل استعراض عوراته وفضائحه المدوية، بالهرولة مرة أخرى في اتجاه المجموعة العربية التي أعدت مشروعا موازيا لبيان التضامن مع المقدسيين وإدانة العدوان الهمجي الإسرائيلي، وإيصال الرسالة الموحدة والموقف التضامني الموحد للدول العربية إلى الأروقة الأممية، مفادهما أن ثمة جريمة ممنهجة، غير مقبولة بكل المقاييس الإنسانية والدينية، ضد الحق في الحياة والحق في الأرض والحق في أداء الصلوات والعبادات والحق في حماية الأماكن المقدسة من الانتهاكات والتدنيسات. ممثل العصابة لا يهمه من البيان أن يصل أو لا يصل، أو يدين أو يتضامن، أو ينتزع اعترافا أو حقا أو ينصر قضية يدعي باطلا وكذبا وزورا وبهتانا أنها فوق أي اعتبار سياسي أو إقليمي أو شخصي، لأنه لم يقرأ في البيان شيئا يهمه شخصيا وهو الإشارة إلى الجزائر وشعارها الخالد: نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة، ومن ثمة أرغد وأزبد، ونجح في هذا التجمع العربي في ما فشل فيه في المجموعة الإسلامية، وذلك بعرقلة اعتماد البيان وصدوره، والانتصار لا للقضية الفلسطينية، بل الانتصار المزعوم على المغرب الذي ذكره بيان المجموعة العربية بخير من خلال الإشادة المستحقة بلجنة القدس ورئيسها ملك المغرب في ما يهم دعم صمود المقدسيين وصمود المدينة المقدسة، وحيث لا مكان ولا مجال للإشادة بعمل آخر لصالح القضية الفلسطينية مما لا يناسب سياق العدوان الإسرائيلي على القدس الشريف. فأغلب الدول العربية الممثلة بسفرائها في هذه المجموعة لها أياد بيضاء وأعمال خير في سبيل القضية الفلسطينية، ومع ذلك اختارت وباقتراح من الوفد الفلسطيني الذي أعد مشروع البيان التضامني والتنديدي، التركيز على الاعتزاز بالعمل الملموس والميداني والنبيل للجنة القدس التي هي لجنة كل العرب والمسلمين. ممثل العصابة أراد أن يمحو عمل لجنة القدس على مدى عقود من الزمن والمرفق بأرقام وإحصاءات للنفقات المالية والمساعدات العينية الكبيرة على مستويات الاستشفاء والصحة والتعليم والعمران… ويضع مكان ذلك الإشادة بعمل لا أثر له، ولم تقم به العصابة الجزائرية ولا رئيسها الموتور والمكروه، مع أن الجميع يعلم أن آخر من يمكنه أن يتحدث عن دعم مشهود وملموس للقضية الفلسطينية هم قادة العصابة الجزائرية وتجار قضايا الشعوب. لقد أثبتت العصابة الجزائرية مرة أخرى بسلوكها المقيت هذا، أنه يستحيل على هذه الدولة/ العصابة أن يضمها عمل عربي مشترك، بله أن تقود هذا العمل العربي، وأن تسعى إلى احتضان قمة عربية ناجحة، تظهر نتيجتها من هذه المقدمات البائسة والحاقدة. إذ أسقط ممثل العصابة الجزائرية في الأممالمتحدة وفي وقفة صدق مع النفس الأمارة بالسوء، كل المبررات التي تؤهل الجزائر لاستضافة القمة العربية المؤجلة ورئاستها، حيث قدم صورة مصغرة عن كيف ستدبر العصابة وتسير مؤتمر القمة، وذلك بالعربدة واختلاق مبررات تشتيت الصف العربي وتقسيم المقسم وتشويه الحقائق. فهل ثمة مغفل يمكنه أن يصدق شرعية ومشروعية ومعقولية إسناد تمثيل الأمة أو تنظيم تظاهرة وحدوية أو حتى استضافة قمة عربية لكيان مهزوز مرعود يحسب كل صيحة عليه، ويضحي بمبادئ الأخوة والدم المشترك والقضايا القومية المشتركة والشراكة والتعاون والتكتل… لصالح نزوات مرضية مزمنة موضوعها الأول والأخير هو المغرب، وقضيتها الأولى والأخيرة هي الصحراء، تركب لها القضية الفلسطينية وكل القضايا التحررية النبيلة للشعوب، أو ما أسماه السيد عمر هلال الممثل الدائم للمغرب لدى الأم المتحدة ب "التسييس الدنيئ للقضية الفلسطينية من طرف الجزائر، من خلال إدراجها في حملتها البغيضة على المغرب، وإخضاعها لمزايدات سياسية في تهجماتها المقيتة المتكررة على مؤسسات المملكة". نذكر أن القضية الفلسطينية في الأجندة السياسية الجزائرية لم تكن إطلاقا قضية مبدأ ولا هم يحزنون، وإنما هي ورقة تستعمل وتستغل لأغراض ثلاثة واضحة: الغرض الأول ضد الشعب الجزائري ورفاهه وتقدمه، وذلك باعتمادها كقاعدة لإضفاء نوع من الشرعية النضالية القومية على العصابة الحاكمة، وتشكيل لحمة داخلية مزعومة ووهمية ومصطنعة للاصطفاف الشعبي وراءها وكأنها جيش لتحرير فلسطين، وهو الجيش الوهمي الذي لم يطلق رصاصة واحدة مع المقاومة والكفاح الفلسطينيين. والغرض الثاني استدامة المأساة الفلسطينية لما تشكله هذه الاستدامة من مجال لإنتاج الشعارات والبكائيات والمظالم التي تجعل كل أحلام السلام والاستقرار مؤجلة إلى حين التمكين للعصابة من الهيمنة التامة على العقول وعلى الثروات والقدرات، باسم مواجهة العدو ومقاومة المتربصين، والحال أن العصابة الحاكمة في الجزائر هي العامل الهدام الأساس للاستقرار في المنطقة، والمتربص والمتحرش بأمن الشعوب وحرياتها ووحدتها الترابية. الغرض الثالث الذي تستغل له العصابة القضية الفلسطينية هي ممارسة تجارة رخيصة بالقضية على الصعيدين العربي والإسلامي، لاستفزاز الدول والشعوب في مشاعرها القومية والدينية، والتأثير في وحدة صفها، وربطها بالتالي بمشروع للهيمنة والزعامة وتصفية الحسابات ودعم نزعات التقسيم والانفصال، ومن ثمة لا تجد القضية الفلسطينية في الأجندة الجزائرية إلا وهي مقرونة عند العصابة بالكراهيات وبحركات انفصالية وإرهابية وبأعمال تخريب، وبشعار متناقض ومسيئ للقضية الفلسطينية ولكل المرافعات الحكيمة والقوية لصالحا على الصعيد الدولي، ألا وهو شعار: نصرة القضية الفلسطينية ظالمة أو مظلومة، فنحن نفهم بالمنطق الحقوقي وبالفطرة الإنسانية السليمة، معنى مبدأ مناصرتها في مظلوميتها وفي الدفاع عن شرعيتها، فكيف نفهم مناصرتها وهي ظالمة وغير شرعية؟ أليس في هذه العبارة المحرفة للحديث النبوي الشريف إساءة للشعب الفلسطيني واستهتار بالسنة النبوية الواردة في أبواب المظالم: انصر أخاك ظالما أو مظلوما… قيل فكيف ننصره ظالما؟ فأجاب النبي الكريم: تكفه عن الظلم فذاك نصرك إياه. فهل يعني الاستعمال المحرف للحديث وفي غير سياقه، أنه يجب كف اليد الفلسطينية عن الظلم؟ وهل ثمة ظلم اقترفه الشعب الفلسطيني؟ إن التحريف والتضليل والاستغلال والكذب والخداع ولي أعناق الحقائق والأخبار، كلها اختصاصات محفوظة للعصابة الحاكمة في الجزائر، ويوم ستتاح لهذه العصابة أن تنظم أو ترأس اجتماعا قياديا للأمة فانتظر الساعة، والدليل هذه المقدمات العدوانية والاستعرائية والجاهلية التي تطرق بها العصابة الحاكمة في الجزائر أبواب استضافتها ورئاستها المحتملة لمؤتمر القمة العربية المقبل. واسألوا المغرب الخبير بهذه العصابة التي يراوغ عربدتها وطيشها منذ عقود، ويعالج مؤامراتها بصبر وصمت وترفع، ويفكك دسائسها اليومية التي تكاد لا تنتهي، منذ ما يقرب من نصف قرن من الزمان. لقد أثبتت العصابة الحاكمة في الجزائر بالدليل الملموس في خرجاتها المجانية والمقززة التي استاء منها ممثلو الدول العربية في الأممالمتحدة وسفراؤها، بعد أن منعت بيانهم التضامني عن إيصال صوته القوي والموحد إلى المجتمع الدولي، أنها تسبح في جهل كبير بالقضية الفلسطينية، وأنه لا علاقة لها بقضية القدس ولا بدعم صمود المقدسيين، لملاحظة ثلاثة أمور في هذا التدخل الطائش: الأمر الأول أنها جاهلة بالنظام الأساسي للجنة القدس، وبالاختصاصات المسندة إليها، ولا تتابع شيئا مما خط أو تحقق في قائمة الأعمال الجليلة والكبرى التي أنجزتها عمليا وميدانيا في تثبيت الهوية العربية والإسلامية لمدينة القدس، ودعم ساكنتها في أشغال الترميم والبناء والتعليم والصحة والحفاظ على الثقافة والبيئة… التي استحدثت لها آليات منها وكالة بيت مال القدس، وصرفت في سبيلها اعتمادات مالية، تمثل حصة المغرب فيها أزيد من 80 في المائة، وخطت لها برامج عملية، تقدم لجنة القدس عن نتائج أشغالها تقارير في كل دوراتها المنتظمة، والتي حظيت بتثمين المقدسيين والدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي. وتعتبر الجزائر البلد العربي الذي لم يصرف لصندوق وكالة بيت المقدس درهما ولا دينارا يدعم به حجرا مائلا في عمارة مقدسية، أو طالب علم يكاد يغادر مقعد الدراسة، أو أسرة مقدسية تكاد تجمع حقائبها وتهجر بيتها. وكان الأولى بالعصابة الجزائرية المعترضة على لجنة القدس وعلى رئاستها، أن تستحيي من نفسها وتحترم العاملين وتنسحب إلى الوراء كما تفعل عند الحاجة إليها، وتدع التنطع والمزايدة وهي تعلم أنها خارج الخدمة والتغطية، وأن شعاراتها لم تطعم جائعا من ساكنة القدس، ولا رممت حائطا متساقطا، ولا ساعدت على إبقاء جذوة أمل في غد أفضل للقضية المقدسية بالأساس. الأمر الثاني أن بيان الإدانة والتضامن الذي أجمعت عليه المجموعة العربية من خلال ممثليها الدائمين بمنظمة الأممالمتحدة، حرره الوفد الفلسطيني وتمسك بتمريره، وما إقدام العصابة الجزائرية على عرقلته ورفضه، والتدخل فيما لا يعنيها منه، إلا تجسيد فعلي وعملي لاختطافها للقضية الفلسطينية من أيدي أصحابها الفلسطينيين، حتى لكأن العصابة الجزائرية وصية على الشعب الفلسطيني، وتعرف مصالحه أكثر منه، وتقرر بدله في الصيغ الأنسب للتعبير عن مشاعره في الغضب وفي الفرح. الأمر الثالث أن العصابة لا تعترف بشيء اسمه العمل العربي المؤسستي المشترك، ما لم يكن باسمها وتحت قيادتها وشعاراتها وبتدخلاتها وتحكماتها فيه، وأنها لا يمكنها بتاتا أن تسهم بدينار أو درهم في هذا العمل المشترك، وتفضل بديلا عنه ديبلوماسية الواجهة الإعلامية وشيكات مغشوشة لا يعلم لها مصير ولا يرى لها أثر ولا تخضع لرقابة أو تتبع لمصارفها. فهل بعد هذا يسأل الممثل الدائم للعصابة عن لجنة القدس وعن مالية لجنة القدس، فلا هو ولا عصابته انخرطا يوما في هذه اللجنة ولا قدما شيئا في سبيل دعمها وتوسيع تدخلاتها في المدينة المقدسة، والحال أن العصابة الحاكمة في الجزائر لا تعرف حتى حاجيات المقدسيين ولا ما تمت تلبيته منها، ولم تكن تتابع الملفات الموضوعة على طاولة لجنة القدس، ولا التقارير الصادرة بشأنها، ولا المنجزات التي رأت النور بفضلها… وكل ما كان ممثل العصابة مهموما به هو إقحام رئيسه التبون في بيان مخصص لأحداث القدس، وتوظيف مأساة المقدسيين لابتزاز المجموعة العربية واستفزاز المغرب. لقد بلغ إلى علم قادة وممثلي الدول العربية هذا المشهد الاستعرائي الجزائري الفاضح في الأروقة الأممية، والمتجرد من لباس الحياء والتقوى في هذا الشهر المبارك، وفي سياق التدبير المشترك للعمل العربي، والذي يمثل حلقة من بين حلقات الاعتداءات المتواصلة والمتلاحقة على الجوار المغربي. فهل بعد كل هذا السلوك المنحرف والمرضي والغادر يمكن الثقة في أهلية هؤلاء الحمقى وتجار القضية الفلسطينية لتنظيم أو استضافة أو رئاسة مؤتمر القمة العربية المعلق والمرهون لأول مرة في تاريخه ضحية نزوات وطيش عجَزَة وجهلة قادهم الحظ العاثر والدسائس لرئاسة دولة عربية وشعب ناهض، عاثوا في مصالحهما فسادا وفي جوارهما عدوانا وتصعيدا مستمرا للحرب والكراهية؟ نعتقد جازمين ومعنا حكماء الأمة أن تسليم زمام أمور العقلاء المصانة عن العبث لحمقى وأغبياء، ينذر بسقوط أخلاقي وسياسي كبير يأتي على ما تبقى للمجموعة العربية من مصداقية في مخاطباتها البينية والغيرية، وفي مرافعتها لصالح العمل العربي المشترك، ولصالح الوحدة والتضامن في السراء والضراء، إذ لا يستقيم أبدا عمل البناء مع مساعي الهدم، ولا المصالحة والمقاربة والتسديد مع المساعي الحثيثة لنشر البغضاء والكراهية وتعميق الخلافات وتوسيع الفتق في الثوب العربي ونسف الالتزامات وتسفيه الأعمال، أي باختصار لمن يتابع الأحداث وخلفياتها: تطبيق الأجندة الإيرانية في المنطقة العربية وخدمة المشروع الاختراقي الإيراني والإرهابي والانفصالي بحصان طروادة الجزائري وطابورها الخامس.