ورد في الحديث الصحيح أن من آيات المنافقين أن تكون فيهم خصال أربع: "أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق، حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر، وإذا عاهد غدر". لم تدع العصابة الحاكمة في الجزائر خصلة من هذه الخصال الخبيثة إلا وجعلتها آية وعلامة عليها، وعنوانا لسلوكاتها وتصرفاتها مع الشعب الجزائري قبل غيره من الشعوب الشقيقة والصديقة، ولا تستحيي العصابة أن تُشهِد العالم بأسره على عوراتها ثم تنكرها، وترفع بدلها شعارات البراءة والطهر وحسن السيرة والسلوك، وصارت لا تبطن فحسب عكس ما تظهره، بل تتبجح بالخطيئة وتجهر بالسوء من القول، وتفجر في الخصومة وتأخذها العزة بالإثم والظلم، وتكذب على قدر أنفاسها. واحدة من الخصال الأربع كافية لتكون علامة وآية دالة على النفاق، فكيف إذا اجتمعت كلها في العصابة وأزلامها، وجعلت تركيبتها النفسية والسلوكية خالصة في النفاق المحض والشقاق البحت والصرف. وتلخص استضافة العصابة قمة جامعة الدول العربية صورة المواقف والسلوكات النفاقية الخالصة لهذه العصابة المجرمة الخبيثة، فهي حدثت العالم عن قمة جمع الشمل ورفعت شعار المصالحة، وخطبت في الجمع العربي بحرصها على الوحدة الترابية للأمة، ثم كشرت عن أنيابها الإعلامية وسلت سيوفها الديبلوماسية والعسكرية وتواطؤاتها مع أعداء الأمة، لتشتيت الشمل العربي وتفريق الصف العربي وتمزيق الأرض العربية، والبداية الدائمة من الجيران الأقارب، الذين دست كل السموم وألقت بكل الخناجر في الجسد المشترك بين شعبي الجزائر والمغرب من التاريخ إلى الجغرافيا، إلى القيم والرحم والدماء المشتركة بين الشعبين، في الواقع، وفي معارك التحرير والكفاح والمقاومة والتصدي للعدو. تتحدث العصابة عن انعدام أي صلة لها بنزاع الصحراء وأنها ليست طرفا فيه، ثم تكذب على مرآى العالم بانكشافها في كل تفاصيل وخيوط النزاع متلبسة باختلاقه وإشعاله، والتعرض لكل مبادرة حل أو تسوية لا ترضي أطماعها في تمزيق وتشتيت الأرض المغربية والمساس بالوحدة الترابية للمغرب، وجذب المخططات الاستعمارية العدوانية إلى المنطقة، حتى باتت دولة المجوس وآيات الله تجوب الحدود لاصطياد بؤر التوتر في رمال الصحاري المغاربية، لتضيفها إلى قائمة البؤر والبثور التي فجرتها في المشرق العربي، ودمرت بها بلدانا عربية كانت تحسب إلى غاية بضع سنوات من قلاع الأمة ورباطاتها في العراق واليمن والشام. حديث العصابة عن لمِّ الشمل في سياق جهودها الحثيثة لخدمة المشروع المجوسي التقسيمي والتدميري للأمة، ما هو إلا تنويم واحتيال بالشعارات الحماسية والعاطفية، من أجل توفير غطاء عاطفي مخدر يصرف الأنظار عن ما يجري في الجزائر من تثبيت لأقدام هذا المشروع بأرض الجزائر، وتهديد المنطقة بالحرب القاصفة والقاصمة والعاصفة، وإلحاق الجناح الغربي للأمة بجناحها الشرقي في الاستهداف الذي يتوجه بنواياه البعيدة إلى تطويق مكةالمكرمة والمدينة المنورة قلب العالم العربي والإسلامي، ومن ثمة حصارهما وتجسيد نبوءة وأحلام مجوس الأمة وآيات الشياطين في الثأر التاريخي من أبي بكر وعمر ومن والاهما، كما في كتبهم وفتاواهم، واستعادة أمجاد كسرى وعبدة النار، لقد صرح أحد أزلام النظام المجوسي المدعو أمير موسوي الذي كان مقيما في الجزائر من أجل إرساء أقدام ولاية الفقيه في الجناح الغربي للأمة، وكان له ذلك بما أنشأه من أحلاف وولاءات في الجزائر، صرح مهددا المغرب من قناة تلفزية بأن حزبه وحرسه وحلف مجوس إيران وعصابة الجزائر وميليشيا المرتزقة في تيندوف بإمكانهم مسح المغرب من الخريطة خلال ساعات، وجعل أبنائه يركعون ويستسلمون للآيات الشيطانية. فعلى من تكذب العصابة الحاكمة في الجزائر في إنكارها ونفيها وقائع اختراق هؤلاء المجوس لأرضهم ونظامهم وتدبيرهم، ومن ثم تهديدهم لبلادنا. وعلى من تكذب وهي تمانع مكشوفة في قمتها الاستعراضية والتذكارية إدانة التدخلات المجوسية في الشأن العربي، مشكلة بذلك الاستثناء العربي الوحيد في الدفاع عن هذه التدخلات والتهديدات المستنكرة من كل الدول والشعوب العربية، خصوصا منها تلك الدول المتضررة من العدوان المجوسي أو تلك الشعوب التي تئن من جراحاتها ومآسيها بعد أن سقطت دولها في أيدي المجوس وأحضانهم. وها هي وسائل الإعلام الرسمية الجزائرية ومنها جريدة "الجمهورية" تنشر آراء إعلاميين ومسؤولين عرب على هامش القمة العربية، تفاجأوا بحجم الكذب عليهم وتزوير أقوالهم، وعلى رأس ما زور بالحذف والشطب: ما وثقه هؤلاء المتضررون المفترى عليهم: حذف كل ما له علاقة بدولة الأحواز العربية التي تحتلها إيران، حذف كل الآراء المنددة بالتدخل الإيراني في الدول العربية، حذف كل ما له علاقة بمعاناة الشعب السوري مع نظامه ونظام الملالي الإيراني، مما يؤكد إرادة راسخة لدى العصابة الحاكمة في الجزائر للتستر والتغطية على جرائم المجوس، ودعم مساعيهم الخبيثة لتدمير الأمة العربية وتشتيت شملها. وعلى من تكذب العصابة بشعار لمِّ الشمل في مواجهة التحديات، وهي تقدم نفسها في الواقع خادمة للمشروع المجوسي على كل الأراضي العربية، وحصان طروادة لتخريب مدينتنا ومدنيتنا. لن نتكلم عن كذب العصابة بشأن "حسن" استقبالها للوفد المغربي، وعن عدم منعها وطردها للوفد الصحفي والإعلامي المرافق له، وعن عدم قيامها بكل ما من شأنه استفزاز المغرب أو إهانته، وعن إنكارها تعقيد مهمة استضافة جلالة الملك، وعن ترحيبها بالبلد الجار والشقيق، وعن أسفها على تفويت المغرب هذه الفرصة لتذويب الخلافات والجليد، فهذه وغيرها مجرد تفاصيل صغرى في الكذب البواح والصراح، أمام الكذبة الكبيرة للمِّ الشمل بلقلقة اللسان ودغدغة العواطف، مع العمل بتفان منقطع النظير على تسريع وتيرة قطع العلائق والأرحام، والإعداد المتواصل على قدم وساق في ثنايا الإعداد لقمة "لمِّ الشمل" لحرب عسكرية عدوانية على المغرب، موازاة مع الحرب الإعلامية والتصعيد الديبلوماسي، وكل بوادر مسح وغسل ما ستدبجه بيانات القمة وقراراتها. لقد وضعت الحرب على المغرب من قبل العصابة المنظمة لمؤتمر القمة هذه العصابة أمام سقوط أخلاقي كبير، فإعلامها روج أولا لحضور المغرب من أجل التشويش والتقاط الصور وصناعة "البوز"، وروج في الآن نفسه لغياب المغرب لأنه يسعى إلى إفشال القمة وزيادة أعداد مقاطعيها، فلم يسلم المغرب منهم حضر أو غاب، فهو في كلتي الحالتين مدان في المشاركة أو في عدمها، لأنه مستهدف من قبلها، بالقمة أو بدون قمة. لقد وعدت العصابة باستضافة وفود الدول العربية على قدم المساواة وبما تقضي به الأعراف والبروتوكولات، ثم أخلفت الوعد، وكان من نصيب الوفد الرسمي المغربي منها ووفده الإعلامي ما رآه الجميع من تحقير وإهانة وتنكيل وتطاول وتمييز على الهوية المغربية ليس إلا. وخاصمت العصابة المغرب، ففجرت في الخصومة إلى حد قطع جميع الصلات والعلاقات والاتفاقات والمعاهدات، وسبت وشتمت، واتهمت بلادنا بكل ما يخطر على البال من تهم باطلة وفاجرة تشيب لها الولدان، ولم تقدم بشأنها ربع دليل ولا عُشره، وكم مرة طولبت بذلك من قبل وسطاء وفاعلي خير، فأخذتها العزة بالإثم إلى التطاول حتى على هؤلاء الوسطاء والأشقاء، وزادت على لائحة التهم من خزيها وعارها ورغبتها الشديدة في تحريش الشعب الجزائري ضد أشقائه المغاربة لتصريف أزمة شرعية هذه العصابة ومطالب الحراك بتنحيتها وبناء الدولة المدنية الجزائرية الحديثة لا الدولة العسكرية الشائخة المزورة. عاهدت العصابة قادة الدول العربية أعضاء الجامعة على أن تكون خير أمين على قيم الجامعة ومبادئها ومقرراتها للمضي بالقمة إلى دعم العمل العربي المشترك، ثم غدرت وانفردت بالقرارات والتدخلات والخرجات المجانية التي اقتضت في كل مرة خروج القادة العرب لتصحيح الوضع وتنبيه العصابة وإصلاح ما أفسدته، حتى أعياهم الأخذ والرد، فاعتذر عدد منهم على المشاركة في مهزلة غير مسبوقة في تاريخ الجامعة العربية، وفي الاجتماع التمهيدي لوزراء الخارجية قبل يومين من قمة القادة، فجرت العصابة قنبلة التصرف في خريطة جامعة الدول العربية ببتر إقليم مغربي عربي من خريطة المغرب وإلحاقه بالمجهول، فما كان، وبإلحاح الوفد الديبلوماسي المغربي، إلا أن تنبه الجامعة إلى هذا الصنيع الشنيع، وترغم العصابة على تصحيحه، وإعادة الأقاليم الجنوبية المغربية إلى خارطتها العربية الموحدة، لتخرج العصابة ساخرة معتبرة ما حدث هو "لا حدث" وأمر تقني يريد المغرب أن يسرق به الأضواء، ويلفت إليه الأنظار، والحال أن هذا الصنيع هو أكبر حدث ودليل وآية وعلامة على النفاق والخداع والغدر والاحتيال من عصابة غير مؤتمنة على أي وثيقة أو خبر أو عهد، فبالأحرى أن تؤتمن على خرائط الدول ومقدسات الشعوب ورموزها وهم في ضيافتها وبين ظهرانيها. إن ما فعلته العصابة بالقمة العربية لم يفعله العدو بعدوه، وما أساءت به إلى المغرب أرضا وشعبا وتاريخا ومعاملة، وهو مدعو من قبلها وفي ضيافتها، ليس صنيع دولة مسؤولة ومحترمة وموثوقة وذات مصداقية، فضلا أن يكون صنيع دولة عربية تعرف معنى الشهامة وكرم الضيافة وحسن الاستقبال والتحية، وإنما عمل حمقى وأغبياء خارج التاريخ وعلى هامشه، متجردين من كل الضوابط والأخلاق والأعراف والقوانين والقيم التي تحكم البشر ويحتكمون إليها، فكيف نطلب منهم بعد كل هذا التوغل في الانحطاط الأخلاقي والحضيض السلوكي، توسيع خيالهم السياسي لبحث إمكانات أرحب في التلاقي والتآخي والتعاون على الخير والعمل المشترك وحسن الجوار والحوار.