أكد حسن عبيابة أن تدبير الحكومة للشأن العام عمق الأزمة الاقتصادية للبلد، مُبرزا أن المؤشرات التي تعتمد في التقارير الاقتصادية المحلية والدولية هي كلها سلبية مثل ارتفاع الأسعار المتزايد على مدار ثلاث سنوات من عمر الحكومة وارتفاع العجز التجاري المتزايد الذي يهدد الميزانية المقبلة، وتراجع المداخيل بالنسبة إلى ميزانية 2014، وارتفاع المديونية الداخلية التي تمثل 65 في المائة من الناتج الداخلي الخام. وعرج عبيابة على الوضع التنظيمي للاتحاد الدستوري، مؤكدا أنه وضع سليم. واعتبر الاتحاد الدستوري مؤسسة حزبية تحترم القانون والمؤسسات، وأنه منكب حاليا على التحضير لعقد مؤتمره الوطني العادي في أجواء سليمة، لأن الذي يهم الحزب هو نجاح المؤتمر وليس عقده في حد ذاته. وفي ما يلي نص الحوار. ***أثار أداء الحكومة الكثير من النقاش، خاصة بشأن ما تصفه المعارضة بالبطء، والذي يحد من تسريع وتيرة إنجاز المشاريع والبرامج وتنزيل مضامين دستور 2011، ما هي قراءتكم لما تقوم به حكومة بنكيران الثانية ؟ ** حكومة بنكيران، في نسختها الثانية، جاءت نتيجة أزمة سياسية حادة سببها انسحاب حزب الاستقلال من الأغلبية الحكومية الأولى، بمعنى أن التغيير الحكومي لم يكن طبيعيا وإنما كان نتيجة عدم انسجام الحكومة في تدبير الشأن العام، بالإضافة إلى أن مضامين البرنامج الحكومي لم تتحقق على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، وبالتالي، فإن الحكومات التي تتمخض عن أزمات تنتهي بالأزمات وبدون رؤية واضحة. والدليل أن الأغلبية الحالية لم تقدم برنامج تعديل وإنما تتحدث عن أولويات البرنامج الحالي الذي لم يطبق منه إلا30 في المائة بعد مرور ثلاث سنوات من عمل الحكومة. *** يلاحظ أن الحكومة في نسختها الثانية تضم كفاءات جديدة وفي قطاعات هامة وبالتالي يمكن أن تدبر ما تبقى من الولاية الحكومية بطريقة جيدة، ما رأيكم؟ ** في الدول المتقدمة، تُبنى هيكلة الحكومة على تحديد وتوحيد القطاعات الهامة ثم بعد ذلك يتم البحث عن الأشخاص المناسبين لشغل هذه المناصب، لكن ما يحصل عندنا في المغرب، هو أن الأسبقية تُوجه إلى تحديد المستوزرين أولا ثم يجري البحث لهم عن القطاعات الوزارية حسب عدد الأشخاص وليس حسب حاجيات الدولة لعدد القطاعات الوزارية. فمثلا يمكن تفهم تعيين ثلاث وزارات في قطاع التعليم بالنظر إلى حجم الفئة المستفيدة وحجم الميزانيات المخصصة لهذا القطاع التي تفوق 50 مليار درهم. لكن لا يمكن فهم تعيين ثلاثة وزراء في قطاع الطاقة الذي لا تزيد ميزانية تسييره عن حوالي مليارين. فتخصيص وزارة للماء ووزارة للبيأة قد تعني ضرورة إحداث منصب وزير الدقيق ووزير الزيت ووزير "البوطاغاز"، إذا كان الأمر يتعلق بحجم الاستهلاك،علما أنه في الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي يمر منها المغرب كان من الأولى والأفيد والأنجع ألا يتجاوز عدد القطاعات الوزارية في الحكومة الثانية 25 وزارة لتعطي مؤشرا على النزوع نحو ترشيد النفقات ومثالا للتضامن. أما الكفاءات الجديدة التي تتحدث عنها فهي قليلة جدا لا تتعدى أربعة أشخاص، والباقي بعضهم يُعتبر نكرة في مجال تدبير الشأن العام. وأعتقد أن الذي يفشل في تدبير أسرته الصغيرة ويغادرها منهزما لا يمكنه أن يُدبر أمر أمة أو شعب. ***كيف تقيمون الوضع الاقتصادي في المغرب ؟ ** إذا قمنا بتحليل الأرقام والمعطيات المتوفرة إلى حد الآن، نجد أن المؤشرات التي تعتمد في التقارير الاقتصادية المحلية والدولية هي مؤشرات سلبية مثل ارتفاع الأسعار المتزايد على مدار ثلاث سنوات من عمر الحكومة، وارتفاع العجز التجاري المتزايد الذي يهدد الميزانية المقبلة، وتراجع المداخيل بالنسبة إلى ميزانية 2014، وارتفاع المديونية الداخلية التي تمثل 65 في المائة من الناتج الداخلي الخام. هناك، كذلك، انكماش الاستثمار المحلي بسبب توقف عدة قطاعات هامة وكذلك الخارجي الذي تراجع ب 60 في المائة هذه السنة، وضعف السيولة البنكية نتيجة سحب المواطنين أموالهم من البنوك، مما جعل بنك المغرب يضخ 800 مليار سنتم لإنقاذ الموقف، إضافة إلى تزايد الاقتراض من الخارج الذي وصل إلى نحو ملياري دولار. كل هذه المعطيات تجعل المغرب يُصنف دوليا من الناحية المالية ضمن الدول المهددة بأزمة مالية خانقة في المستقبل.وقد حذرت بعض المنظمات المغرب من سياسة القروض الخارجية الموجهة إلى الاستهلاك. *** لكن الحكومة متفائلة وتتحدث عن تحسن ملموس في المؤشرات، خاصة في ما يتعلق بقدرتها على ضبط التوازنات الماكرو اقتصادية، ما رأيكم؟ ** في خطاب محمد بوسعيد، وزير الاقتصاد والمالية، أمام مجلسي البرلمان لمناسبة تقديم مشروع قانون المالية لسنة 2014 في 23 أكتوبر 2013 ، أكد الوزير أن ( الوضع الذي يعيشه الاقتصاد الوطني لايزال عرضة لمخاطر جلية تتمثل أساسا في تفاقم عجز الميزانية، وبالتالي ارتفاع حجم المديونية، الذي رغم أنه يساهم في الاستقرار النسبي لاحتياطي بلادنا من العملة الصعبة،فإنه يؤثر،من جهة،على ثقة المؤسسات والأسواق المالية الدولية في بلادنا، ومن جهة أخرى، على تمويل الاقتصاد، ويساهم بالتالي في الحد من الاستثمار وخلق فرص الشغل). هذا كلام وزير المالية أمام البرلمان، وهو تشخيص حقيقي للوضعية وفي الوقت نفسه نفي لما كان يقال. وكل ما قاله ما يزال قائما إلى حد الآن ولم يقع أي تغيير باستثناء تزايد القروض من المؤسسات الدولية ورهن الأجيال المقبلة بالديون. *** ماهى في نظركم، الأسباب التي أدت إلى هذه الوضعية التي تتحدث عنها؟ ** هناك أسباب متعددة، منها أن الحكومة تعمل في مجموعات منفصلة وبتوجهات ومرجعيات مختلفة كجزر متناثرة لا رابطة بينها إلا الانتماء للحكومة. كما أن سلوك الحكومة ضد "الباطرونا" وضد الفاعلين الاقتصاديين جعل الاستثمار الداخلي ينكمش بسبب عدم تحديد مفهوم محاربة الفساد ضد من ومع من؟ مما جعل أصحاب رؤوس الأموال يسحبون أموالهم من البنوك ويتوقفون عن المزيد من الاستثمار في قطاعات متعددة. كما أن عدم الثقة في الحكومة بخصوص تدبير الاقتصاد الوطني أثار بعض التخوفات لدى المستثمرين المحليين. *** ننتقل إلى موضوع الشأن الحزبي، ما رأيكم في ما نُسب إلى عبد الله الفردوس العضو القيادي السابق للاتحاد الدستوري حول مسألة تجميد عضويته من المكتب السياسي؟ ** تم تجميد عضوية عبد الله الفردوس من قبل المكتب السياسي بحضوره شخصيا، إذ جرى التصويت على عملية تجميد عضويته بأغلبية المكتب السياسي ووفق الشروط والضوابط التي ينص عليها القانون، وذلك يوم الثلاثاء 17 ماي 2012، وهي الطريقة التي تم بها تجميد عضوية أعضاء سابقين في المكتب السياسي بحضوره ومشاركته ودعمه. وقد نشر خبر التجميد يوم 19 ماي من السنة نفسها في كل من "المساء" و "الأحداث المغربية" و "أخبار اليوم" وهي جرائد وطنية واسعة الانتشار. بالإضافة إلى بعض التصريحات لأعضاء المكتب السياسي الذين أكدوا خبر تجميد عضوية عبد الله الفردوس. *** لكن عبد الله الفردوس يطعن في شرعية المكتب السياسي وفي شرعية الهياكل الحزبية، ويقول إن الحزب لا يحترم الضوابط القانونية، ما ردكم على ذلك؟ ** الاتحاد الدستوري مؤسسة حزبية محترمة وتحترم القانون والمؤسسات. كما أن الأحزاب يحكمها القانون التنظيمي الصادر في 22 أكتوبر2011 والذي نشر بتاريخ 24 أكتوبر2011 في الجريدة الرسمية، والذي نص في مادته 72 على أن آخر أجل لملاءمة قوانين الأحزاب الأساسية مع قانون الأحزاب هو يوم 24 أكتوبر2013 .وللإشارة، فإن الاتحاد الدستوري عقد مؤتمره الوطني للملاءمة يوم 5 أكتوبر2013 داخل الأجل القانوني. وكان مؤتمرا ناجحا شاركت فيه جميع المؤسسات الحزبية. وبالتالي، فإن وضعية هياكل الحزب قانونية وفق القوانين الجاري بها العمل. *** لكن ما السبب في تأجيل موعد المؤتمر الوطني العادي؟ ** لقد كان الحزب يفكر في عقد مؤتمره الوطني العادي قبل سنتين، لكن الانتخابات السابقة لأوانها التي أتت بعد الربيع العربي جعلت الحزب يؤخر موعد المؤتمر .كما أن قانون الأحزاب الجديد جاء بمقتضيات جديدة، بحيث كان لابد من إعادة هيكلة التنظيمات من جديد على المستوى الوطني وفق قانون الأحزاب. كما أن الأقاليم والجهات لم تتمكن من عقد مؤتمراتها. لهذا عجلنا عقد المؤتمر الاستثنائي الذي قمنا فيه بتعديل القانون الأساسي لملاءمته مع قانون الأحزاب، وكذا ملاءمة القانون الأساسي مع مقتضيات الدستور الجديد وطبيعة المرحلة الجديدة. أما على المستوى العملي، فنحن نعمل بصفة مستمرة وشكلنا لجنة للتنظيمات الحزبية التي يترأسها الأخ العلوي المحمدي وتضم أعضاء من المكتب السياسي ورؤساء الفرق البرلمانية، ونعقد اجتماعات أسبوعية مكثفة في كل الجهات والأقاليم، بهدف تجديد الهياكل الحزبية في العمالات والأقاليم والجهات. والآن تُعقد المؤتمرات الإقليمية باستمرار، لأن قانون الأحزاب الجديد يفرض مستجدات تنظيمية جديدة لا يمكن أن يتم عقد المؤتمر إلا بها. وبالتالي، فإن الحزب يعمل بكل جدية وفق خطة مدروسة استعدادا للاستحقاقات القادمة والمؤتمر ما هو إلا جزء من عملنا اليومي.لأن الذي يهمنا هو نجاحه وليس عقده في حد ذاته. القانون الأساسي للحزب سليم *** يقول عبد الله الفردوس إن الحزب لا يحترم القوانين وأن القانون الأساسي للحزب خضع للتغيير في المؤتمر، ما رأيكم ؟ **الذي يتحدث عن تطبيق القانون يجب أن يطبقه هو كذلك. فالسيد عبد الله الفردوس ظل على رأس الشبيبة الدستورية مدة 25 سنة، أي منذ 1987، ولم يعقد إلا مؤتمرا واحدا وبقى الفردوس على رأس الشبيبة الدستورية لمدة 18سنة بدون مؤتمرات ولا اجتماعات، مارس خلالها العنف والتهديد وأترك للقارئ التعليق. أما بخصوص ما وقع بعد المؤتمر الاستثنائي فما هي إلا إشاعة كان وراءها أشخاص لهم مآرب شخصية ويسيرون من خارج هياكل الحزب . وقد أُثيرت هذه العملية حول الصيغة النهائية لبعض بنود القانون الأساسي الجديد في أول اجتماع للجنة الإدارية بعد المؤتمر الاستثنائي وتشكلت، فورا، لجنة تضم رؤساء اللجن الذين شاركوا في المؤتمر الاستثنائي وأعضاء من اللجنة الإدارية الذين أثاروا الموضوع والتأموا على هامش اجتماع اللجنة الإدارية وتصفحوا القانون الأساسي فصلا فصلا وبندا بندا وتأكدوا أنه لم تكن هناك أي تغيرات بل كان الحرص على ملاءمة القانون الأساسي للحزب لأحكام قانون الأحزاب الجديد وتمت قراءة تقرير حول هذه العملية أمام اللجنة الإدارية في الاجتماع نفسه الذي أثير فيه الموضوع. واعتبرت اللجنة الإدارية المنعقدة أن القانون الأساسي للحزب سليم ولم يقع فيه أي تغيير يمس بالمضامين المنصوص عليها. القضاء وحده الكفيل بالحسم في الاتهامات ***وجه الفردوس اتهاما إلى أعضاء في الحزب بالسطو على رسالة الأمة هل يمكن تقديم توضيح في الموضوع؟ **رسالة الأمة من إبداع الحزب والرئيس المؤسس المرحوم المعطي بوعبيد، ويمولها ويشرف عليها الحزب الذي يعين مديريها كذلك انسجاما مع قوانين الاتحاد الدستوري. وإذا كان هناك سطو فهو حاصل من لدن أطراف أخرى. أما الاتحاد الدستوري فهو حزب مسؤول ويعرف كيف يدير أمره ونعالج الأمور وفق المساطر المتبعة والقانون الجاري به العمل.وبالتالي، فإن الحزب قام بافتحاص مالية رسالة الأمة عن طريق خبير في الحسابات المالية ووجد بعض الاختلالات وتقدم إلى القضاء المختص للحسم فيها وهذه طريقة حضارية لمعالجة الأمور. وإذا كان المعني بالأمر متضررا من أي إجراء فله كذلك الحق في التوجه إلى القضاء بدل نشر الروائح الكريهة في الجرائد لأن هذا لا يُفيد في الأمر شيئا ولا يضر الحزب، لأنه مؤسسة قائمة الذات. ويمكن للمعني بالأمر أن يفعل مثل ما فعلت بعض الأحزاب حينما اختلفت حول حقوق معينة، فتوجهت إلى القضاء المخول وحده للحسم في مثل هذه القضايا . الفردوس باعتباره كان قياديا في حزب مسؤول ومحترم لا يليق به أن يتهكم على مؤسسة حزبية بكاملها ويُسيء الى مناضليها بطريقة تؤكد غياب الوعي السياسي وغياب المسؤولية، وينعتها بما ليس فيها. وبالأمس القريب كان يكتب عن طريق حبر متسخ كل أسبوع مقالا تحت عنوان (حديث الأربعاء) في رسالة الأمة يتحدث فيه عن قوة الحزب السياسية والتنظيمية ويفتخر بها ويجعل نفسه بطلا افتراضيا ليسوق نفسه رخيصا. بل ما كان يقوله في تصريحاته المنشورة مناقضا تماما لما يصرح به الآن، مما يجعلنا نطرح السؤال حول ما إذا كانت هذه المقالات والتصريحات تمثل قناعات سياسية ومذهبية أم كانت تضليلا للرأي العام فقط؟. وأطلب من الحزب أن ينشر هذه المقالات حتى يعلم الجميع أن حديث الأربعاء أصبح حديث الثلاثاء وهو اليوم الذي جمدت فيه عضويته. الأغلبية تعيش مشكل انسجام سياسي *** كيف تقيمون انطلاق الدورة التشريعية الربيعية المقبلة؟ **ما يزال الاضطراب سيد الموقف، فالأغلبية تعيش مشكل انسجام سياسي وتبحث عن انسجام رقمي مؤقت للحسم في منصب رئيس مجلس النواب. والمعارضة تُنسق في الموافق وتختلف في الأهداف وأعتقد أن انتخاب رئيس مجلس جديد وفق أغلبية جديدة مطلوب سياسيا في هذه المرحلة المقبلة كما أن السيد رشيد الطالبي علمي مؤهل لهذه المرحلة بحكم تكوينه وقوته في حزبه. إلا إن الدخول البرلماني سيحافظ على وتيرته الطبيعية وسيحسم في الكثير من القوانين وخصوصا القوانين المرتبطة بالانتخابات المقبلة.كما أن البرلمان سيعرف تجاذبات بين الأغلبية والمعارضة حول بعض القوانين التي قد تكون أغلبية ومعارضة من نوع آخر على مستوى التصويت. وقد يفتر عمل البرلمان بعد المصادقة على القوانين الانتخابية بسبب التحضير للإنتخابات المقبلة.وبالتالي، فإن هاجس الانتخابات سيطغى على أشغال البرلمان. الخطاب الحكومي يستنفذ قوته ***كيف تنظرون إلى المرحلة المقبلة؟ ** من الناحية العملية، فإن الحكومة باقية إلى نهاية 2016، وهذا سقف زمني قصير لكن تدبيره سيكون صعبا بسبب تراكم المشاكل الاجتماعية والاقتصادية واستنفاذ الخطاب الحكومي لقوته بسبب ضعفه وهشاشته. وأتخوف من ما تبقى من الزمن الحكومي إذا لم يتحول الخطاب الحكومي إلى عمل، فإنه قد يؤدي إلى فقدان الثقة في الحكومة وفي مؤسساتها. وليس من مصلحة المغرب أن يفقد الشعب الثقة في مؤسساته لأن هذا سيهدد الانتخابات المقبلة.