بعد الأحداث الدامية والمواجهات العنيفة التي شهدتها جهة سوس ماسة، إثر احتكاك بين بعض السكان المحليين والرعاة الرحل، اتهم عبد الوافي لفتيت، وزير الداخلية بعض الفئات بالعمل على تغليف ملف الرحل ب” صبغة سياسية ونزعة عرقية أحيانا”. لفتيت الذي كان يتحدث أمام لجنة الداخلية والجماعات الترابية والسكنى وسياسة المدينة بمجلس النواب، أمس الثلاثاء، والتي خصصت اجتماع ل”دراسة تداعيات الاعتداءات المتكررة للرعاة الرحل على ممتلكات ساكنة بعض الأقاليم الجنوبية، وكذا التدابير المتخذة لمعالجة وإيجاد حل لهذه الظاهرة”، أكد أن فئات استغلت بشكل “مقيت المطالب المشروعة للساكنة وتحريضها على الاحتجاج بخطاب سياسي بعيد كل البعد عن طبيعة الإشكالية الاجتماعية المطروحة”. وبنبرة حادة وشديدة اللهجة، عبر وزير الداخلية عن رفضه المطلق ل”لاستغلال السياسي” لهذا الموضوع، مشددا على “التشبث التام للحكومة بممارسة دورها وواجبها في حل جميع الإشكالات ذات الطبيعة الاجتماعية والاقتصادية بمنطق تغليب المصلحة العامة للسكان المتضررين أولا وإيجاد حلول بديلة للرعاة ثانيا.” وأوضح لفتيت أن “الوقفات الاحتجاجية التي نظمت على صعيد جهة سوس ماسة تميزت بتسجيل عزوف الساكنة عن المشاركة فيها وهي المعنية الأولى بالموضوع، إذ لم تتجاوز 300 مشارك، عكس تلك التي نظمت بمدن الدارالبيضاء والرباط بتأطير ممن يهمهم الأمر”، وفق تعبيره. وقدم الوزير إحصائيات حول عدد الاصطدامات التي حدثت بين الرعاة الرحل والساكنة المحلية والتي سجلت سنة 2018، والتي بلغ عددها 15، مؤكدا أنه لم تنجم عن هذه المواجهات “أية خسائر في الأرواح”، ثم زاد موضحا أن “السلطات العمومية، وعكس ما تعمل بعض الأطراف على ترويجه، كانت دائما حاضرة بالميدان لحماية الساكنة وممتلكاتها، وكذا لردع أي تصرف مخل بالقانون أو مهدد للنظام العام من أي جهة كانت”. وتابع المسؤول الحكومي أن “السلطات المحلية تعمل على التدخل بشكل فوري لحل كل نزاع يطرأ بين الرعاة الرحل والسكان، وإيجاد حلول ودية تضمن للساكنة المحلية سلامة أملاكها وللرحل توفير أماكن للرعي بعيدا عن الممتلكات الخاصة”، مشيرا إلى معاناة جهة سوس ماسة من هذه الظاهرة، هو “نتيجة لنزوح مجموعات من الرحل، على طول السنة وخصوصا أثناء فترات الجفاف أو البرد كما أن وتيرة هذه الظاهرة مرتبطة أساسا بحجم التساقطات المطرية وبطبيعة الموسم الفلاحي وأنها محصورة في مجال جغرافي محدد”. وأبرز المتحدث ذاته، أن هذا النزوح نجم عنه مجموعة من المشاكل، والتي تجلت أساسا في “الاستغلال المفرط للغطاء النباتي والغابوي، وتسجيل حالات للرعي الجائر” إلى جانب “الاستيلاء على الملك الغابوي والاستغلال العشوائي لنقط الماء وعدم احترام المحميات المسيجة والضيعات الفلاحية للخواص”، مما نتج عنه “في بعض الأحيان تسجيل اصطدامات ومناوشات بين الساكنة المحلية والرعاة الرحل، خاصة بأقاليم تيزنيت، تارودانت وأكادير اداوتنان”، يقول الوزير. ولم يفت لفتيت التأكيد على “وعي الدولة التام بمختلف جوانب هذا الموضوع، وإيلائها إياه أهمية قصوى بما يحفظ حقوق الساكنة المحلية ويعزز شعورهم بالأمن والطمأنينة، وبما يمكن كذلك الرعاة الرحل من فضاءات مجالية تضمن لهم موارد طبيعية لممارسة الرعي، مذكرا بالتحولات المسجلة على مستوى كيفية مزاولة الأنشطة الرعوية والترحال الرعوي التقليدي”، والتي أفضت، بحسبه، إلى بروز :مجموعة من الإشكالات خلال السنوات الأخيرة، لاسيما تلك المتعلقة ب”الاستغلال العشوائي والمفرط للغطاء النباتي الرعوي ونشوب نزاعات ناجمة عن ممارسة الترحال.” ومن جهته شدد الفريق النيابي للتجمع الدستوري على أهمية تطبيق الترسانة القانونية من أجل حل مشاكل الرعي الجائر، حيث ذكر على لسان البرلماني عبد الله غازي، بالقانون الذي تمت صياغته بعد مقاربة تشاركية وحوار دائم ومتصل مع الساكنة المعنية، والذي يأخذ بعين الاعتبار مصالحهم والخصوصية المتفردة لطبيعة المنطقة التي تضم زراعات شجر الأركان. ودعا غازي البرلمانيين إلى مساندة هذا القانون، وعدم تبخيسه عبر قوله “لابد أن نمنح السند للقانون دون تبخيسه أو تفكيكه، وهو الذي أعد بمقاربة تشاركية ومقاربة تنموية، ولا يمكن أن نحكم على نجاعته أو فشله ما دام لم يطبق، ولا يمكن أن نجد حلا لما تعيشه بعد مناطقنا اليوم إلا بتنزيل مضامين القانون كاملةً”. تجدر الإشارة إلى أن أحداثا دامية ومواجهات عنيفة شهدتها عدد من المناطق بجهة سوس ماسة، إثر احتكاك بين بعض السكان المحليين والرعاة الرحل، على خلفية رفضهم الراعي الجائر، التي تمارس قبائل من الرحل، مما دفع الساكنة المحلية المتضررة إلى خوض وقفات ومسيرات احتجاجية للتنديد بهذا الرعي، بينها مسيرة الدارالبيضاء في نونبر 2018، والرباط في فبراير الماضي.