استقبل الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند مساء يوم الاثنين 9 فبراير بقصر الإليزيه، جلالة الملك محمد السادس في خطوة تعكس رغبة البلدين في تكريس المصالحة وطي صفحة الخلاف الدبلوماسي بينهما. ويقوم جلالة الملك محمد السادس منذ حوالي 10 أيام بزيارة خاصة إلى فرنسا اعتبرها الملاحظون مؤشرا قويا يؤكد تحسن العلاقات بين البلدين. وأورد بيان صادر عن رئاسة الجمهورية الفرنسية أن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند والعاهل المغربي الملك محمد السادس قد عبرا خلال هذا اللقاء عن رغبتهما في "دينامية تعاون جديدة واثقة وطموحة بين فرنسا والمغرب" وذلك بعد خلاف دبلوماسي استمر سنة بين البلدين..وأكد الرئيس هولاند وجلالة الملك محمد السادس قوة الشراكة الاستثنائية التي تربط بين المغرب وفرنسا وأعلنا برنامجا مكثفا لزيارات وزارية بين البلدين" للتحضير "لاجتماع قريب رفيع المستوى بين الحكومتين بحسب بيان الإيليزي، كما أكد جلالة الملك والرئيس الفرنسي في ختام لقائهما الذي استمر زهاء ساعة تصميمهما على مكافحة الإرهاب معا والتعاون الكامل في المجال الأمني، وأشاد الرئيس هولاند وجلالة الملك محمد السادس باستئناف تعاون قضائي أكثر فاعلية بين البلدين على إثر الاتفاق الثنائي الذي وقع في31 يناير المنصرم بين وزير العدل المغربي ونظيرته الفرنسية. وقد اعتبرت وسائل الإعلام المغربية والفرنسية لقاء الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند و جلالة الملك محمد السادس مؤشرا يؤكد عودة العلاقات الثنائية بين الرباط وباريس إلى مجراها المتميز كما اعتبرتها بمثابة دعوة إلى تطوير وبلورة هذه العلاقات وخاصة بعد البرودة الدبلوماسية التي طال أمدها على غير المعتاد بين البلدين منذ قرابة سنة. وهكذا جاء هذا اللقاء على أعلى مستوى ليعيد الدفء إلى الدبلوماسية الرابطة بين هذين البلدين الحليفين التقليديين اللذين ما فتئت تجمعهما علاقات تاريخية وسياسية واقتصادية متشابكة ومتميزة، وذلك بالنظر إلى المشاريع الكبرى المشتركة بين البلدين، وإلى وعي المسؤولين الفرنسيين بالمكانة السياسية للمغرب من خلال مواقفه الثابتة في العلاقات الدولية والمبادرات الشجاعة التي أخذها في جميع ميادين الحياة العامة خصوصا في الحياة الديمقراطية داخل البلاد؛ وفي فترة أساسية من الاضطرابات التي تعيشها منطقة البحر الأبيض المتوسط،، ويتضح ذلك من خلال تنويه عدد من المسؤولين الفرنسيين بالعمل الذي يقوم به المغرب في تعزيز خطاب يقوم على التوازن والتسامح والسلام كما ينوهون بالعلاقات الإنسانية التاريخية التي تربط فرنسا بالمغرب والتي تتجسد في آلاف المغاربة الذين ساهموا في تحرير فرنسا، وفي مليوني مغربي الذين يقيمون حاليا فوق التراب الفرنسي وفي 80 ألف فرنسي المقيمين بالمغرب إضافة إلى مليوني سائح فرنسي الذين يكتشفون كل سنة حقيقة المغرب عبر السياحة. إذا كان اللقاء الأخير بين الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند وجلالة الملك محمد السادس يعتبر تأكيدا لعودة العلاقات المغربية الفرنسية إلى عهدها المتميز، فإن عوامل التاريخ والجغرافيا وضرورات تدبير الشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعيش المشترك في هذا العالم المتقلب الأحوال، كلها عوامل تجعل المواطنين المغاربة والفرنسيين مجبرين على الاهتمام اليوم كما اهتم أجدادهم وآبأؤهم من قبل بقضاياهم المصيرية المشتركة التي تهم البلدين والشعبين معا على السواء. فإبان مرور فرنسا بالحقبة التاريخية التي ذاقت خلالها مرارة الاحتلال والهيمنة النازية، هبت طوابير العسكر المغربي لتدافع باستماتة عن حق الشعب الفرنسي في استرجاع حريته واستقلاله، ولتساهم في النصر الذي جنته فرنسا وحلفاؤها. وبعدما وضعت الحرب أوزارها، جعل المغرب وفرنسا معا حدا لحقبة الاستعمار الفرنسي للمغرب، وذلك بعدما تم التفاوض حول الاستقلال بين حركة الوطنيين المغاربة بقيادة المغفور له الملك محمد الخامس من جهة والسلطات الفرنسية من جهة مقابلة، وقرر الطرفان منذ ذلك الحين أن يكون استقلال المغرب استقلالا مؤطرا باعتماد متبادل (Une indépendance dans l'interdépendance)، بحيث بدا واضحا حينئذ لجيل السياسيين المغاربة والفرنسيين الرواد المؤسسين لمستقبل العلاقات المغربية الفرنسية لفترة ما بعد الاستقلال أن يكون لهذا الاعتماد المتبادل وجود فعلي وواقعي وفعال ومتواصل، وقرروا أن يتم ترسيخ الثقة المتبادلة بين الدولتين على مر العصور، بمعنى أن يأخذ أهل القرار في كلا الدولتين - حكاما ومسؤولين سياسيين قبل غيرهم من جموع المواطنين العاديين - بعين الاعتبار ترسيخ الثقة المتبادلة في شأن هذا الاعتماد المتبادل القائم، بحيث وجب عليهم الحرص على ألا يزعزعه تقلب الأحداث السياسية عبر التاريخ بشكل يزيغه عن الخط المرسوم. وإذا كانت إعادة التعاون القضائي المغربي الفرنسي إلى مساره الطبيعي قد أعادت الدفء إلى العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين التي شهدت في الشهور الأخيرة نوعا من البرودة طال أمده على غير المعتاد، فإن اللقاء الذي جرى مؤخرا بين جلالة الملك محمد السادس والرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند من شأنه إعادة العلاقات المغربية الفرنسية - التي تعتبر اليوم ضرورية أكثر من أي وقت مضى - إلى مستواها العالي والمتميز في إطار اعتماد متبادل يصون المصالح العليا المشتركة بين الدولتين بما يساهم في تحقيق الأمن والازدهار للبلدين ورعاية حقوق ومصالح الشعبين المغربي والفرنسي في الحاضر والمستقبل.