يوما عن يوم ، ومع اقتراب مواعيد المحطات الانتخابية ، تزداد حدة بعض الأسئلة التي يطرحها المتتبعون بشأن المستقبل المنظور للمؤسسات التمثيلية ، ولعل أكبر وأبرز تلك الأسئلة هو، هل بالإمكان أن يكون المسلسل الانتخابي المقبل في مستوى فلسفة ومضامين دستور 2011 . كما تثار أسئلة ( فرعية ) أخرى تتعلق بما ستحمله القوانين الجديدة أو المعدلة، وما يمكن أن يكون لها من تأثير على مستوى تحسين الأداء، وإصلاح الاختلالات وصيانة الجماعات الترابية من كل أشكال الفساد ،وكذا سؤال شروط تنظيم وإنجاز هذا الاستحقاق ، بما في ذلك قدرة الحكومة واستعدادها للالتزام بالأجندة الزمنية المعلن عنها . فمن الناحية الزمنية، وبعد مصادقة مجلس النواب على قانون مراجعة اللوائح الانتخابية ،هناك العديد من التواريخ التي تقترحها وزارة الداخلية ، لكن ليس هناك ما يرجح إمكانية التزام الحكومة بتلك التواريخ وبتهييء وتقديم مشاريع القوانين التي تأخرت ، وما زالت متأخرة ،عن موعدها المفترض. علما بأن الشروع في مراجعة اللوائح الانتخابية ،الذي انطلق قبل يومين ، قد تأخر،هو كذلك عن موعده الأصلي المبرمج في فاتح شتنبر. من جهة ثانية ، وبعد كل النقاشات السياسية التي تناولت النصوص المنظمة للجماعات، ما تزال الأنظار مركزة على ما ستكون عليه الصياغة النهائية للقوانين التنظيمية للجماعات الترابية ، والعمالات والأقاليم والقانون التنظيمي للجهة. وهي القوانين التي سبق للأحزاب السياسية أن تقدمت في موضوعها بعدة مقترحات همت بالخصوص ،جوانب الحكامة ،الاختصاصات، المراقبة الإدارية،الموارد المالية والبشرية ،حالات التنافي ، توزيع الصلاحيات بين الجماعات والجهات ، الخ .. كما أن هناك إشكالات أو إمكانية إعادة النظر في عدد الجماعات ببعض المناطق، وفي نظام المقاطعات بالمدن الكبرى ووضع هيكلة إدارية جديدة للجماعات،إلى غير ذلك من القضايا التي أفرزتها التجربة والممارسة التي لم تكن دائما سليمة في التدبير والتسيير. ومن الملاحظات التي تفرض نفسها هي أن أجواء التحضير للاستحقاقات القادمة ، تكاد تكون مقرونة أو متلازمة ، الآن وفي الشهور الأخيرة ،مع بروز مجموعة من حالات الفساد والاختلالات والتلاعب بالمال العام. فبعد الإعلان عن إحالة بعض الملفات الصادرة عن المجلس الأعلى للحسابات على المحاكم، هاهي مصادر وزارة الداخلية تفيد بأن عدد المتابعات القضائية في حق أعضاء المجالس المحلية قد وصلت إلى 104 متابعات بسبب ارتكابهم أعمال مخالفة للقانون. وبأن مصالح المديرية العامة للجماعات المحلية بالوزارة قد توصلت بما مجموعه 1393 محضرا يهم اجتماعات المجالس الجماعية ومجالس المقاطعات والعمالات والجهات. وأن المفتشية العامة للوزارة توصلت، إلى حدود شهر شتنبر الماضي ،بحوالي 363 مراسلة من الإدارات المركزية والترابية والمجتمع المدني والمنتخبين ،من أجل القيام بمهمات التفتيش بالمجالس الجماعية . ومهما كان حجمها الذي يعود الحسم فيه إلى القضاء ومصالح البحث والتفتيش، فإن الظاهرة، ظاهرة الاختلالات والتجاوزات موجودة ولا ينبغي الاستهانة بها أو تجاهل وقعها على مصالح وحقوق المواطنين وعلى أداء المصالح الجماعية وسمعة الديمقراطية المحلية . بل إن هذه الظاهرة تعتبر من المشاكل التي ينبغي أن تجد المعالجة اللازمة لها في ما ينتظر أن تأتي به مراجعات التجربة الجماعية وما تستوجبه من إصلاحات وإعادة قراءة للنصوص المؤطرة لها بما يضمن شروط الشفافية والنزاهة وربط المسؤولية بالمحاسبة . فبالرغم من كل الشوائب والسلبيات والنقائص ،فإن المغرب قد كدس تجربة واسعة وغنية في مجال التدبير الجماعي والاحتكاك بالواقع وبدروس الممارسة، كما أن التراكمات المتوفرة على هذا المستوى ، وعلى مستوى القوانين والتشريعات ، وبالنظر إلى مستوى التحول الديمقراطي للمجتمع ، كلها عناصر يمكن معها القول بأننا اليوم نوجد أمام جيل جديد من الناخبين ، جيل مفروض أن ( ينتج ) جيلا جديدا من المنتخبين . وهذا ما يعني أن الجميع مطالب بأن يكون الرهان الأساس من الاستحقاقات القادمة هو جعل مؤسساتنا المحلية والجهوية في مستوى دستور مغرب الخيار الديمقراطي. والمسؤولية الأولى في توفير الشروط تقع على من يتولى اليوم تدبير الشأن العام الذي عليه أن يبدي ما يلزم من استعداد للقبول بالتعامل الإيجابي مع كل الفرقاء والتقيد بأخلاق النزاهة الفكرية والسياسية وتقبل الآخر واحترام حقوق وصلاحيات كل المؤسسات. فلا شك أن هذه المحطات تشكل حلقة جديدة في مسلسل الإصلاحات والتحولات التي أسس لها الدستور وأن هذا الموعد الجديد يحتم أيضا توفير متطلبات المناخ السياسي الذي يمكن من استكمال البناء الديمقراطي وتعزيزه ، وتصحيح كل الاختلالات ونبذ سلوكات الفساد وتبخيس العمل الجماعي وبذل كل الجهود من أجل جودة القوانين وملاءمتها للواقع وللانتظارات، وصولا إلى سيادة شروط المنافسة الشريفة وأجواء الشفافية والمصداقية.