لعل الواضح في قراءة "عمل" الحكومة الحالية، أن الأمور قد اختلطت عليها اليوم في ظل عدم التوفر على إمكانية إنتاج سياسات عمومية واضحة خاصة في المجالين الاجتماعي و المالي، بعد أن استنفذ الخطاب الذي أسست له بعض القيادات في الحزب المعروفة بتعويمها للحقيقة في جوانبها النفسية بالخصوص. لقد تأكد يقينا لكل المتتبعين بعد التعديل الحكومي الذي يوشك أن ينتج تعديلا آخر لا هم للحكومة سوى إنتاج وإعادة ‘نتاج المزيد من الاجتهادات الماسة بالحقوق الفردية والجماعية للمواطنين من خلال الرفع من الأسعار وخاصة أسعار المحروقات مهما كلفها هذا القرار من نتائج سلبية تسميها متاعب وهي بالمعنى الأدق تراجعا في الساحة السياسية. وبالنظر إلى الإصلاحات التي تروم الحكومة إنجازها خلال ما تبقى لها من زمن في التدبير، فإن مفهوم هذه الاصلاحات في الواقع لا يوجد إلا في قاموس الحزب السياسي لا الاقتصادي لكونه يبتعد عن الإطار الإستراتيجي والمتبع للمنهج التخطيطي؛ ويمكن الاستدلال في ذلك فقط من خلال نموذجين، الأول يرتبط بموضوع إصلاح أنظمة التقاعد والذي تتيه الحكومة اليوم حتى في مسك بداية خيطه، بطرح أفكار أقل ما يقال عنها إنها تسبح خارج واقع المغرب والمغاربة، وكذا إصلاح صندوق المقاصة والذي وصل حد الارتجال في تناوله بمقاربات لا تمت للاقتصاد بصلة، لقد تراجعت نسبة نمو الاقتصاد الوطني خلال النصف الثاني من سنة 2014، ب 2.3% مقارنة مع نفس الفترة من السنة الفارطة التي تم فيها تسجيل نسبة 5%، بحسب آخر مذكرة للمندوبية السامية للتخطيط، حول وضعية الاقتصاد المغربي. بل إن هذا التراجع الواضح وضوح الشمس، يرجع إلى انخفاض انشطة القطاع الفلاحي بنسبة 2.6 عوض 20.6 في المائة خلال سنة 2013، إضافة إلى ارتفاع أنشطة الصيد البحري بنسبة 7.1 في المائة مقارنة مع سنة 2013 حيث تم تسجيل نسبة 15%. زد على ذلك أن هذا التراجع مس أيضا "وتيرة الارتفاع المعتدلة للأنشطة غير الفلاحية"، بل إن القيمة المضافة للقطاع الأولي بالحجم، مصححة من التغيرات الموسمية، سجلت تراجعا بنسبة 2% في الفصل الثاني من السنة الحالية، بعد نمو مهم قدر ب 19.8% سابقا. إن الذي يثير الاستغراب أكثر اليوم في مقاربة الحكومة للإجراءات التدبيرية التي تتعامل بها مع الظرفية الاقتصادية الراهنة، أنها قد تجاوزت سقف ما قامت به الحكومات السابقة لفترة التناوب التوافي والتي دبرت مراحل ومحطات عديدة كان أكبرها تطبيق حزب الاتحاد الدستوري لسياسة التقويم الهيكلي والتي كان لها الفضل الكبير في التأسيس لأرضية اقتصادية سمحت بخلق متنفسات اقتصادية، واليوم لعل الحكومة الحالية قد تناست في ظل زخم المشاكل والأزمات المتروكة إما للمجهول أو للنية ، لغياب الرؤية السديدة كما جاء على لسان وزير الحكامة بالقول لا شيء يعلو في التوجه عن سياسة صندوق النقد الدولي و البنك الدولي. ففي الوقت الذي كان ينتظر فيه المغاربة دخول مرحلة الرفاه مع حجم الآمال المرتفعة، وجد المواطن نفسه ملزما بالانكماش في وضعية مزرية إن أراد الاستمرار، وهكذا من كان يأمل تفادي القرارات المجحفة للحكومة اقتصاديا، فعليه البدء بسياسة تقشف تنطلق من إلزامية تكميم الأفواه لعدم الخوض في النقد و الانتقاد. وفي الوقت الذي كان فيه المغاربة ينتظرون لعب الحكومة لدورها الدستوري كاملا في محاربة مظاهر الانحراف التي تعرفها الادارة ، خصوصا وأن المملكة المغربية بعد الاستفتاء الأخير على الدستور توجد على مشارف مرحلة جديدة قوية يؤسس لها جلالة الملك بتوجه قاري و دولي عكسه خطابه الثوري بالأمم المتحدة، مرحلة رهينة بمدى حفاظ هذه الحكومة على الرأسمال السياسي الوطني القار الذي إن أحسن استثماره ننتقل إلى مصاف الدول الديموقراطية المؤسسة و المستقرة.