لعل السمة الأشد ارتباطا بالأحزاب الحديثة العهد بالحكومة هي محاولة التمنع سياسيا من خلال تكريس الانفرادية من خلال مجموعة من العمليات التي تنطلق عادة من منع الآراء التي لا يمكن الاجابة عنها أو التفاعل معها كاستراتيجية تفهم على أنها طبيعية في زمن التحول، وهو ما يكرس فعليا طبيعة جذورها السطحية على مستوى التدبير و يجعلها بالمقابل عرضة للتدمير بأول هزة حقيقية تتعرض لها. أضف إلى ذلك أنه من المستحيل أن تمني النفس بالاستمرارية إن هي أجبرت على اتخاذ قرارات مثيرة لنعرات سياسية في ظل تخبط للمشهد السياسي من خلال صعوبات يستحيل تسييرها في إطارها التاريخي. و بالرجوع إلى تمظهرات الحزب الحاكم فإن الصورة الواقعية له تفرض أن الحزب ملزم أخلاقيا، على الأقل بالنسبة للدول التي لا تعرف تطبيقا صارما للقوانين المنظمة للأحزاب؛ بإنجاز برنامجه بعد استلام تفويض الناخب، بل تنكشف لدى هذا الأخير أسبابا أخرى تبدأ في وضع سياسة ممنهجة لتكميم الأفواه و هي مسألة أكثر صلة بنظرية و مفهوم الديموقراطية، و هكذا كان منطلق الحكومة أو بالأحرى التجمع الحكومي حينما يتعلق الأمر بموضوع و تفرض فيه تعليمات أن لا يذكر أو تحاشي الرد فيه لا لسبب إلا لأن طرحه فقط و بشكل علني قد يهين من قريب أو من بعيد إما إهانة قاتلة أو جارحة أفرادا مرموقين أو جماعات منتسبة لهم كانت إلى عهد قريب تنعت بمحركات الفساد و بأعداء الوطن ليتحولوا بين غمضة عين و انتباهتها إلى تماسيح أو عفاريت في تلميح بل تصريح ضمني أنهم فوق القانون و أن السلطة التنفيذية لا حول لها و لا قوة أمامهم، بل قدرة القادر ستحولهم إلى ملائكة طاهرة بعد أن شملها خطاب لا للعقاب و لا للمساءلة و عفا الله عما سلف. و لعل الأمور قد اختلطت اليوم على الحكومة الحالية في ظل عدم التوفر على إمكانية إنتاج سياسات عمومية واضحة خاصة في المجالين الاجتماعي و المالي، كل ذلك بعد أن استنفذ الخطاب الذي أسست له بعض القيادات في الحزب المعروفة بتعويمها للحقيقة في جوانبها النفسية بالخصوص. لقد تأكد يقينا لكل المتتبعين بعد التعديل الحكومي الأخير على أن الحكومة تتشبث بخطاب العزم و الحزم في الانخراط في الاصلاحات الكبرى الماسة بالحقوق الفردية و الجماعية للمواطنين من خلال الرفع من أسعار المحروقات مهما كلفها هذا القرار من نتائج سلبية تسميها هي متاعب و هي بالمعنى الأدق تراجعا في الساحة السياسية. و بالنظر إلى الاصلاحات التي تروم الحكومة إنجازها خلال ما تبقى لها من زمن في التدبير، فإن مفهوم هذه الاصلاحات في الواقع لا يوجد إلا في قاموس الحزب السياسي لا الاقتصادي لكونه يبتعد عن الاطار الاستراتيجي و المتبع للمنهج التخطيطي؛ و يمكن الاستدلال في ذلك فقط من خلال نموذجين ، الأول يرتبط بموضوع اصلاح أنظمة التقاعد و الذي تتيه الحكومة حتى في مسك بداية خيطه، و كذا إصلاح صندوق المقاصة و الذي وصل حد الارتجال في تناوله بمقاربات لا تمت للاقتصاد بصلة، و هما الموضوعين اللذين أعادا إلى الأذهان السجال الحاصل داخل بعض الأحزاب التي اختارت تكوين أغلبية حكومية إلى جانب حزب العدالة و التنمية منذ البداية، بعدما بدا واضحا محاولة كل من حزبي التجمع الوطني للأحرار و حزب التقدم و الاشتراكية الظهور بمظهر الرافضين لما يصدر عن السيد رئيس الحكومة في خطوة استباقية قد تكون أبعادها انتخابية محضة أو ذات بعد استشرائي للمكانة في المشهد السياسي المغربي بعد التحولات السلبية التي تعرفها هتين الأخيرتين داخليا و خارجيا. إن الذي يثير الاستغراب أكثر اليوم في مقاربة الحكومة للإجراءات التدبيرية التي تتعامل بها مع الظرفية الاقتصادية الراهنة،أنها قد تجاوزت سقف الانتقادات التي وجهت إلى أحزاب ليبرالية عتيدة دبرت مراحل و محطات عديدة كان أكبرها تطبيق حزب الاتحاد الدستوري لسياسة التقويم الهيكلي و التي كان لها الفضل الكبير في التأسيس لأرضية اقتصادية سمحت بخلق متنفسات اقتصادية، و اليوم لعل الحكومة الحالية قد تناست في ظل زخم المشاكل و الأزمات المتروكة إما للمجهول أو للنية الحسنة، لغياب الرؤية السديدة وهو كما جاء على لسان السيد وزير الحكامة بالقول لا شيء يعلو في التوجه عن سياسة صندوق النقد الدولي و البنك الدولي. ففي الوقت الذي مان ينتظر فيه المغاربة دخول مرحلة الرفاه مع حجم الأمال المرتفعة، وجد المواطن نفسه ملزم بالانكماش في وضعية مزرية إن أراد الاستمرار، و هكذا من كان يأمل تفادي القرارات المجحفة للحكومة اقتصاديا، فعليه البدئ بسياسة تقشف تنطلق من إلزامية التوفر فقط على ثلاجة و غرفة واحدة أما ما عدا ذلك كما جاء على لسان السيد وزير الحكامة فإن المواطن لن يسلم من الزيادت الخيالية التي ستعرفها أسعار الكهرباء خلال أيام قليلة، فلا يتفاجئ المغاربة لأن الأمر جد عادي لأن لائحة الزيادات طويلة جدا. وفي الوقت الذي كان فيه المغاربة ينتظرون لعب الحكومة لدورها الدستوري كاملا في محاربة مظاهر الانحراف التي تعرفها الادارة و خصوصا و المملكة المغربية بعد الاستفتاء الأخير على الدستور توجد على مشارف مرحلة جديدة قوية يؤسس لها جلالة الملك بتوجه قاري و دولي، مرحلة رهينة بمدى حفاظ هذه الحكومة على الرأسمال السياسي الوطني القار الذي إن أحسن استثماره ننتقل إلى مصاف الدول الديموقراطية المؤسسة و المستقرة فإن الحكومة تعتمد مقاربة محاربة الفساد بشكل تجزيئي كما دار في قبة البرلمان من خلال اتهام شخصيات بالفساد ثم تأتي قيادات حزبية تعبر تعبيرا بعيدا عن أي مفهوم للسياسة أو علمها، كقول نائب برلماني عن حزب العدالة و التنمية في برنامج حواري سياسي بأن السيد رئيس الحكومة لا يتوفر على أي دليل و لكنه كباقي المغاربة يتوفر على مؤشرات مجتمعية؛ و لكل متتبع إن فهم شيئا مما قاله النائب البرلماني أن ينور عقولنا في الفهم ، فقد نستطيع تحليل نظريته.