بعد وصول الملك محمد السادس الى الحكم ، نهج المغرب خطابا سياسيا اصلاحيا ، عبر عدة محطات تاريخية ، تبنى من خلالها اصلاحات هيكلية : سياسية ، اجتماعية ، اقتصادية ( حسب تصور الفاعلين السياسيين الرسميين ) ، اكدت مدى رجاحة اطروحة الاصلاح من داخل النسق السياسي ، و ابعاد اي تغيير راديكالي للبنى السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية القائمة. وقد تجسد الخطاب الاصلاحي في المؤسسة الملكية بالدرجة الاولى كفاعل اساسي في الحقل السياسي المغربي ، من خلال الخطب الملكية الموجهة الى الشعب المغربي ، و التي استعملت فيها عدة مفاهيم تحوي دلالات اصلاحية من قبيل : التأهيل الشامل ، الاصلاحات الجوهرية ، الاصلاحات العميقة ، التحديث الاقتصادي و الاجتماعي ، التأهيل السياسي… لتتعدد مواضيع و مجالات الاصلاح ، و لتصبح عبارة عن سلسلة من الحلقات الدائرية ، التي شملت ميادين السياسية و الاقتصاد و الاجتماع ، و حتى الدين…وقد كان اخرها الاصلاحات الدستورية لسنة 2011 ، و التي جاءت في سياق مختلف عن باقي الاصلاحات السابقة ( سياق ” الربيع العربي ” ) ، بحيث طل الملك محمد السادس في خطاب 9 مارس ، واضعا بذلك المرتكزات السبعة للإصلاح الدستوري ، و التي جاءت على الشكل التالي: ” - تقوية مكانة الحكومة ،عن طريق دسترة المجلس الحكومي ، وتعيين رئيس الحكومة من الحزب الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب. - توسيع صلاحيات البرلمان . - توسيع مجال الحريات وحقوق الإنسان، والتنصيص في التصدير على التزام المغرب بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا ، مع دسترة سمو المواثيق الدولية كما صادق عليها المغرب على التشريعات الوطنية . - تعزيز استقلال القضاء ، وتعويض المجلس الأعلى للقضاء بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية وإحداث المحكمة الدستورية. - دسترة اللغة الأمازيغية كلغة رسمية إلى جانب العربية . - التكريس الدستوري للجهوية الموسعة . – تقوية آليات المحاسبة والحكامة الجيدة ودسترة العديد من المؤسسات مثل”مؤسسة الوسيط ،المجلس الوطني للحقوق الإنسان ، هيئة المناصفة. ” ومباشرة بعد اكتمال حيثيات الاصلاح على المستوى المسطري و التطبيقي، انقسم الشارع المغربي بين مؤيد و معارض ، و اغلبية صامتة : بحيث ذهبت البنيات السياسية الرسمية المحافظة ، من احزاب سياسية و النقابات التابعة لها الى تأييد هذا النهج الاصلاحي رغم “فوقيته ” ، ووصفته ” بالتاريخي ” ، و اقتنعت انه قادر على نقل المغرب نقلة نوعية نحو الرسو الآمن في ميناء ديمقراطي ،دون أي تهديد للاستقرار و لاستمرار العمل المؤسساتي.كما اعتبره منظروها من اكادميين وغيرهم ، انه ” تغيير في ظل الاستمرارية “.اما الطرف الثاني ، و الذي تمثل في احزاب يسارية ، و حركات اسلامية ، و نخب علمانية مستقلة ، و بعض الفصائل الطلابية الراديكالية ، فقد عارضت هدا الخطاب الاصلاحي ، معتبرة اياه لا يرقى الى مستوى التغيير الحقيقي الذي نادى به الشعب المغربي ، و الذي كان سقفه الملكية البرلمانية ، ملكية تسود ولا تحكم ، كما جاء في الوثيقة التأسيسية لحركة 20 فبراير . اما الطرف الثالث ، فقد اتخذ موقف الحياد ، و قرر عدم دخوله في احتكاكات مع السلطة ، و اختار استراتيجة ” الملاحظة من بعيد ” ، و الانتظار و الترقب بما ستؤول له الاوضاع في تلك الفترة .و تشكلت هذه الفئة من اتجاهات غير مسيسة ، اضافة الى نخب ربطتها علاقة مصاهرة قديمة مع السلطة السياسية . وبما ان هدف اي اصلاح هو الانتقال من وضع الى وضع احسن ، أي تغيير سياسي حقيقي ، و الدفع بعجلة الديمقراطية الى الامام ، وبعد الاصلاحات الدستورية الاخيرة التي تبناها المغرب ، او ( فرضها السياق الاقليمي ) يبقى السؤال مطروحا : هل فعلا هذا الاصلاح استطاع ان يؤسس لانتقال ديمقراطي ام انه جعل الديمقراطية معلقة الى وقت آخر ؟ ان تأسيس لمرحلة ديمقراطية في المغرب ، يمكن ان يتضمن العديد من الخطوات ، تبدأ باضمحلال ملامح الممارسة السلطوية ، و بزوغ ديمقراطية حديثة ، و ترسيخها على مستوى الفكر و الممارسة. فقد ذهب العديد من الباحثين في مجال الدراسات الديمقراطية الى اعتبار ان عملية التحول الى الديمقراطية تمر عبر ثلاثة مراحل: المرحلة الاولى و هي مرحلة التحول الى اليبرالية التي تضمن قدرا كافيا من حقوق الافراد و الحريات ، و تسمح بهامش كبير من المشاركة الفعلية – و ليس صورية – في اتخاذ القرار ، و التداول على السلطة.اما المرحلة الثانية ، فهي مرحلة ” التحول الديمقراطي ” ، التي تتجاوز المرحلة الاولى ( المرحلة التحول الى اليبرالية ) الى اصلاحات سياسية و دستورية . و اخير مرحلة ثالثة اطلقوا عليها اسم ” مرحلة الترسيخ الفعلي للديمقراطية كممارسة حقيقة ، بعد خروجها من عباءتها النظرية. وفي سياق حصيلة نتائج الاصلاح الدستوري الاخير ، يتضح ان الوضع السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي يزداد تأزما : فسياسيا فشلت الحكومة ( باعتبارها افرازا لهذا الاصلاح ) في تدبير مجموعة من الملفات الشائكة منها محاربة الفساد و التي اكتفت بإجراءات سطحية كنشر لوائح المستفيدين من مقالع الرمال ، منتظرة الضوء الاخظر من الدوائر العليا للقرار نظرا لعدم توفرها على تجربة في تدبير الشأن العام…و اقتصاديا يعيش المغرب ركودا اقتصاديا خطيرا بعد تفاقم الازمة على الشريك الاروبي ، مما اضطر الحكومة الى التوجه الى جيوب المواطنين ( الزيادة في اسعار المحروقات…) لسد الخصاص .اما على المستوى الاجتماعي ، تموقع المغرب في اخر سلم الترتيب في عدة مجالات كالتعليم و الصحة و الدخل الفردي…كما تفاقم نسبة البطالة بشكل كبير ، طبقا لإحصائيات المندوبية السامية للتخطيط…وفي المقابل حقق المغرب و طبقا لبعض التقارير الدولية ازديادا مهولا في سياسياته القمعية تجاه الحركات الاجتماعية ، و تدهور مستوى حقوق الانسان…. كل هذا جعل المواطنين المغاربة ، و المتتبع للشأن السياسي المغربي ، يقف وقفة متأمل و متسائل في نفس الوقت عن مادا حققت الاصلاحات الدستورية 2011 على مستوى الممارسة – و ليس الخطاب – ،و عن ماهي المؤشرات التي يمكن الاعتماد عليها للأخد بالخطاب الرسمي الذي يذهب بالقول اننا حققنا انتقالا او تحولا ديمقراطيا ؟ فما تحقق اذن يجعل الحديث عن مفاهيم من قبيل الديمقراطية امرا معلقا الى حين… فضيل التهامي باحث في العلوم السياسية