ألقى التقسيم الإداري الأخير، الذي أُحدِثت بموجبه نيابة تعليمية جديدة في إقليم سيدي إفني، بظلاله الثقيلة على أجواء الدخول التربوي الأول في الإقليم (الجديد). كما أدى استفراد النائب الإقليمي لوزارة التربية الوطنية بتدبير الشؤون التعليمية في النفوذ الترابي للنيابة الجديدة، دون بقية الشركاء الاجتماعيين، إلى توتير العلاقة بين الأطراف المتدخلة في العملية التربوية في الإقليم، تُوِّجت قبل أيام بخوض النقابات التعليمية إضرابا إنذاريا، في يوم «عيد المدرسة»، احتجاجا على تغييب المقاربة التشاركية في أول دخول مدرسي في النيابة الجديدة. تداعيات التقسيم خلّف الانفصال السريع عن نيابة تزنيت، دون استكمال العدة اللوجستيكية والبشرية اللازمة لانطلاق النيابة الجديدة، أضرارا اجتماعية لعدد لا يُستهان به من الأسر المشتغلة في حقل التدريس، على وجه الخصوص، حيث أدى التقسيم المذكور إلى الفصل الترابي بين العديد من الأزواج، الذين أصبح كل واحد منهم -بين عشية وضحاها- تابعا لنيابة أخرى مخالفة لنيابة قرينه، وهو ما أصاب العديدَ منهم بإحباط، نتيجة الإشكالات البنيوية والتغيرات الواقعية التي فاجأتهم وأثّرت على استقرارهم الاجتماعي، بشكل غير مسبوق، علاوة على الإشكالات التي تطرحها شساعة الإقليم الجديد وتوفره على مناطق جبلية وعرة ومتباعدة، بشكل يُعقِّد مأمورية التسيير ويجعل مهمة وصول الأساتذة والمديرين إلى مقر النيابة في سيدي إفني مهمة صعبة تحتاج إلى تعبئة أموال إضافية، بهدف تغطية المصاريف الناتجة عن بعد المسافة الرابطة بين مكان تواجد الإدارة والمناطق النائية في الإقليم (الأخصاص، مجاط...). وللتخفيف من المعاناة الناتجة عن التداعيات الاجتماعية لهذا التقسيم، طالب المتضررون بتنظيم حركة انتقالية محلية استثنائية في كل من النيابتين، الأصلية والمحدثة، بهدف تمكين المتضررين من جمع شمل أُسَرهم والتخفيف من معاناة واقع جديد فرضته الإدارة على موظَّفي القطاع، دون توفير الشروط الضرورية للاستقرار. إجماع على سوء التدبير أجمعت التنسيقية المكوَّنة من ست نقابات تعليمية في النفوذ الترابي لنيابة سيدي إفني على رفض طريقة تدبير النيابة لمشاكل أول دخول مدرسي تشهده النيابة الجديدة، بعد استقلالها الإداري عن نيابة تزنيت. كما أجمعت، في البيانات التي افتتحت بها موسمها النضالي الأول، على رفض طريقة تعامل هذا الأخيرة مع الجسم النقابي في الإقليم، منددة بجملة من الإجراءات والقرارات التي وصفتها ب«الانفرادية والمتسرعة» للنائب الجديد، معتبرة ذلك «استخفافا وضربا للعمل النقابي وللمذكرات الوزارية المؤطِّرة للعلاقة بين الإدارة والشركاء النقابيين»، ومعلنة عن تعليق مشاركتها في أشغال اللجنة الإقليمية إلى حين توفُّر الشروط السليمة لنجاح أشغالها، وطالبت بالإشراك الفعلي للهيئات النقابية في معالجة كافة الملفات العالقة التي تهم الشغيلة التعليمية في الإقليم، وخاصة في ما يتعلق منها بالحركة المحلية داخل النيابة الواحدة وبين النيابتين، الأصلية والمحدثة، زيادة على فتح مباراة الالتحاق بالمصالح النيابية ومعالجة الإشكالات المرتبطة بالحالات الاجتماعية وبالسكنيات وملف الأعوان الرسميين والمؤقتين. كما رفضت النقابات جميع التكليفات الصادرة عن المصالح النيابية في كل تراب الإقليم ووصفتها ب«الزبونية والقسرية»، ودعت النائب الإقليمي إلى إلغائها والعمل على تنظيم مباراة للمترشحين الراغبين في التكليف بالمهام الإدارية، وفق شروط موضوعية تأخذ الكفاءة العملية والعلمية بعين الاعتبار. كما رفضوا، بشكل قاطع، عملية إعادة الانتشار السلبية للأساتذة الفائضين -الاحتياطيين- في الإقليم، دون مراعاة ظروفهم الاجتماعية والصحية، منتقدين غياب أي تعويض مادي أو معنوي لهم ومطالبين بالتراجع عن سياسة ضم الأقسام، ومشددين على ضرورة إجراء حركة محلية أخرى لفئة الأعوان يتم من خلالها الإعلان عن كافة المناصب الشاغرة في أقرب الآجال الممكنة، مُحمِّلين المسؤولية كاملة للنائب الإقليمي في ما قد تؤول إليه الأوضاع، نتيجة القرارات الانفرادية المرتبطة بمجال تدبير الموارد البشرية ونتيجة التماطل أو تجاهل المطالب المعلَنة والمشروعة لعدد كبير من رجال ونساء التربية والتكوين في الإقليم. نائب بدون نيابة!.. في سياق الوضع التسييري في النيابة الجديدة، عبَّر عدد من الفاعلين التربويين عن استغرابهم تأخُّرَ الدولة، في شخص الوزارة الوصية على القطاع، في توفير ظروف العمل المناسبة للانطلاق السلِس للعملية التربوية في الإقليم، على غرار ما تم في قطاعات حكومية أخرى حديثة العهد في المنطقة، كالعمالة والأوقاف وغيرهما، وأكدوا أن «النيابة التي لا تتوفر على مقر يليق بمستوى الوزارة المسؤولة عن تربية النشء، غير مؤهَّلة على الإطلاق لتسيير شؤون القطاع ومعالجة إشكالاته المتشعبة في المناطق الجغرافية المختلفة والنائية». كما انتقدوا غياب أي يافطة تشير إلى وجود مقر مؤقت للنيابة في سيدي إفني وتسيير الشؤون الإدارية والمالية والتربوية للمئات من رجال ونساء التعليم بخمسة موظفين فقط.. الأمر الذي جعل العديد من المتحدثين يشيرون إلى أن نيابة سيدي إفني تتوفر على نائب دون نيابة!.. وإلى أن تسييرها مختزَل في حقيبة النائب الجديد وسيارته الفخمة.. وقالوا إنه «كان على الوزارة الوصية أن تتحمل مسؤوليتها في التقسيم الجديد، بألا تسمح بالانطلاق الفعلي للنيابة إلا إذا توفرت على مقر إداري يستجيب لمواصفات إدارة من هذا الحجم وتتوفر على ما يكفي من الأطر المؤهلة لتسيير شؤونها في المجالات المرتبطة بالشؤون التربوية والموارد البشرية والتخطيط والاتصال والإطعام المدرسي ومحو الأمية وغيرها». ومن الأمور الأخرى التي ساهمت في احتقان الأجواء في نيابة سيدي إفني إقدام الإدارة الجديدة على إلغاء السلك الثانوي التأهيلي في ثانوية «الحسن الأول» وتحويلها إلى ثانوية «مولاي إدريس» البعيدة عن مقرات السكن، وهو ما خلق استياء كبيرا في صفوف الآباء والأولياء المتضررين من عملية التنقيل، فبدؤوا في توقيع عرائضَ احتجاجيةٍ للتنديد بهذا القرار «المكلِّف» بالنسبة إليهم، من الناحيتين المادية والمعنوية. الحوار مفقود والتصعيد متواصل رغم أن النقابات قد بدأت موسمها الأول في النيابة الجديدة بتنفيذ إضراب إنذاري ووقفة احتجاجية، فإن الإدارة الوصية لم تُقْدم، إلى حد الآن، على أي مبادرة لرأب الصدع مع شركائها الاجتماعيين، وهو ما يؤكد فرضية أن العلاقة بينهما وصلت إلى نقطة اللا عودة، وأن الوضع يفرض تدخل طرف ثالث مقبول لدى الطرفين يساهم في تقريب وجهات النظر ويحفظ لكل طرف حقَّه في الإشراك والتسيير. وفي ظل «مواصلة النيابة منهجَها الفردي في التسيير»، بدأت الإطارات الممثِّلة للشغيلة التعليمية في الإقليم تتدارس إمكانية الاستمرار في تنسيق مواقفها، بتصعيد وتيرة الاحتجاج والإعلان عن محطات نضالية مشترَكة، وهو. المساء التربوي