من يستطيع أن يوهم نفسه ويثق في نجاعة تصريف الخطاب الرسمي الذي يوصي بوضع قضية التربية والتعليم في المرتبة الثانية بعد الوحدة الترابية، فيما أهل القطاع المرابطين في الميدان "يمرمدون" في الشارع العام وتنتهك خصوصية مهنتهم التي شبهها أحد الشعراء بالرسالة ؟ ومن يجازف منذ الآن بالقول بأننا نسعى لتبويء أسرة التدريس مكانة متميزة هي جديرة بها ، على اعتبار أنها هي الدينامو في قطاع التربية والتعليم والذي بدوره هو المحرك في جهاز الدولة بكل قطاعاتها؟ ولأن البعض يريد أن تنحدر القيم وينحصر منسوب الوعي ليسود الغبن حتى يصفو لهم جو العبث بكرامة الآخر استقطابا واحتواء أو ترهيبا،فقد تعددت أساليب العداء والإستعداء والمستهدف واحد، هو رجل التعليم،حامل القيم الإيجابية المنافح عن تجسيدها ميدانيا، رغم تغول مظاهر الإبتذال . فالتهمة جاهزة على مدار الساعة: عنف أو اغتصاب يتم تكييف أحدهما أو كلاهما حسب مقتضى الحال. _أصل الحكاية : تهمة اغتصاب. لم يكن السيد أحمد المرنيسي ،أستاذ التعليم الإبتدائي بمدرسة الليمون بسوق أربعاء الغرب يعتقد ذات صبيحة من يوم الجمعة 12/12/2014 أنه بمجرد توديعه لتلامذته في حدود الساعة 12 زوالا سيتعرض لهجوم مباغت من طرف خمسة معتدين رجلان وامرأتان وشاب ذي 17سنة سيتبين فيما بعد أنه هو المعني بالإغتصاب. توجه الشاب رأسا إلى الضحية، والذي كان منشغلا بغلق باب الحجرة، فما أن تقابل معه حتى أحكم قبضته عليه وهو الفتى ذي البنية المفتولة، وأمسك بخناقه حتى كادت تزهق روحه، فيما انسل بقية المهاجمين من تلافيف الحاجز الطبيعي للمؤسسة، التي تفتقد إلى سياج محكم يحميها من الغرباء، رغم وجودها في قلب المدينة، وقامت إحداهن بمحاصرة الضحية بينما تكلف الآخرون بجرجرته و توجيه اللكمات إلى مختلف أنحاء جسمه . حينما استفاق المعتدى عليه من الصدمة وجد نفسه بين أيدي جلاديه الذين يتهمونه باغتصاب ابن لهم. لم يجد صاحبنا من حيلة إلا الإستنجاد بالمارة،على نذرتهم في فضاء مفتوح على السكة الحديدية. صدفة مر بالمكان أحد موظفي البلدية، الذي لم يستطع فعل شيء أمام هول الواقعة. أما التلاميذ الذين تأخروا عن مغادرة المدرسة فقد كان لهم الفضل في استدعاء الحارس الذي يقطن في الجهة المقابلة، والذي حل فورا بعين المكان محاولا فض النزاع والحيلولة دون الذهاب بعيدا في تنفيذ الهجوم. _صدفة أم ميعاد ؟ ما أن شارف المعتدون على نهاية تنفيذ هجومهم حتى صار المعتدى عليه يطالب بحضور الشرطة . لكن دورية هذه الأخيرة كانت في تلك اللحظة على مقربة من مكان تنفيذ الإعتداء . فهل هذا تزامن عرضي ،أم يمكن تفسيره باحتمال وجود تنسيق أمني يقضي بالسماح لمن بلغوهم بتفاصيل النازلة، بالتوجه إلى مكان تواجد المعني بالأمر، مما حفزهم لتنفيذ الهجوم والإنتقام من الضحية؟ وهذا مستبعد ،نظريا على الأقل، لإن الشرطة تعرف ما تفعل ،وإذا تعمدت تغييب بعض بنود القانون فذلك ليس إلا من قبيل التكتيك الموازي لتدخلات أمنية بعينها. وهذا ما ينتفي في الحاله الراهنة حيث المعتدى عليه هو موظف دولة مرتبط بعمل مضبوط ومحدد في الزمان والمكان وهو ليس في هروب من العدالة. حلت الشرطة إذن بعين المكان، وتم اقتياد الضحية المنهار تماما والمكسور الوجدان في سيارة الأمن إلى مفوضية الشرطة بمعية الشاب الذي كان سباقا بالإعتداء عليه ، وكان الأولى أن يتوجهوا به إلى المستشفى كما تجري به الأعراف في الحالات المماثلة. فيما غادر المهاجمون الآخرون بكل اطمئنان في سيارتهم الخاصة ليلتحقوا بدورهم بالمفوضية وكأنهم بريئون من دم الضحي قضى الضحية حوالي خمس ساعات محتجزا على ذمة التحقيق داخل مفوضية التحقيق لأول مرة في حياته. هذا الستيني الذي أفنى عمره في في تربية النشء، وتعاقبت على يده أجيال وأجيال على امتداد أربعة عقود لم يسجل عليه فيها اي خطإ مهني أو أخلاقي فكانت المكافأة،على بعد بصعة أيام من التقاعد،هذا الهجوم الفضيحة. في اليوم الموالي سيتوجه الضحية إلى الطبيب لإستصدار شهادة طبية حددت مدة العجز فيها 21 يوما، وسيسجل محضرا بمفوضية الشرطة بعدها سيباشر عملية توكيل محام للمرافعة في قضيته. الإنصاف أقرب طريق لرد الإعتبار. كل ما نأمله وباختصار، هو أن تأخذ التحقيقات مجراها الطبيعي . ثم أن طلب المسامحة في حالة البراءة لن يجدي في ترميم الزجاج المنكسرالذي يعكس الصورة البريئة الصافية لرجل التعليم كما هي متعارف عليها إنسانيا. أما الضحية فمن الواجب أن يحال على طبيب نفسي لتضميد جروحه السيكولوجية، علما بأن هيأة التدريس قد نالت ،عبره وعبر حالات مماثلة لحالته، نصيبها من العقاب الجماعي الأعمى، والذي بمقتضاه أصبح ينظر إلى مدرس كمتهم أو مشروع مجرم إلى أن تثبت براءته.وهذا هو عين الغبن ومكمن الخطأ الذي ترعاه للأسف بعض وسائل الإعلام الرسمية وتعمل جاهدة على دفعه إلى الواجهة. قطار الإعتداء على أسرة التعليم يواصل حصد المزيد: الضحية معلم بمدرسة الليمون بسوق الأربعاء.