لعل الحقيقة التي لا يتناطح عليها كبشان هي أن هناك العديد من المؤسسات التعليمية الخصوصية بالمدن المغربية تعرف نتائج سنوية ممتازة جدا ويحتل تلامذتها مراتب مشرفة على الصعيد الوطني تجعلهم من بين الأوائل المقبولين بالأقسام التحضيرية لولوج المدارس العليا للمهندسين وبمدارس الهندسة والاقتصاد وكليات الطب والصيدلة، إضافة إلى قبول ملفاتهم بأرقى المؤسسات الدولية خاصة الفرنسية والكندية. ويبقى السؤال الجوهري الذي يجب طرحه في هذا الموضوع هو : ما الأسباب التي أدت إلى حصول تلاميذ هذه المؤسسات على نتائج سارة؟ لعل أول جواب سنسمعه من طرف بعض المتدخلين هو النفخ في نقط المراقبة المستمرة، لكنه جواب يظل غير مقنع بالمرة لسببين رئيسيين : السبب الأول هو أن معدلات النجاح والقبول بالأقسام التحضيرية أو مدارس الاقتصاد لا تعتمد على نقط المراقبة المستمرة بقدر ما تعتمد على معدلات الامتحان الموحد الوطني و النجاح في المباريات. السبب الثاني هو أنه حتى بالمؤسسات العمومية يضطر المدرسون إلى النفخ في نقط المراقبة المستمرة لتحقيق نسبة نجاح مرتفعة بالمؤسسات التي يشتغلون بها. إذن يجب البحث عن الأسباب الحقيقية التي أدت حصول تلاميذ هذه المؤسسات على هذه النتائج السارة. السبب الأول : الفضاء المدرسي والتربوي تتميز هذه المؤسسات الخصوصية بفضاء مدرسي وتربوي شاسع وبنيات تحتية ممتازة توفر للتلاميذ الفضاء الملائم للتمدرس، عكس العديد من المؤسسات العمومية التي تعاني نقصا حادا في البنية التحتية والمختبرات. إن غياب فضاء مدرسي وتربوي مناسب يساهم بشكل كبير في كره التلاميذ لمؤسستهم ويعتبرونها سجنا يأتون إليها كرها. السبب الثاني : عملية الانتقاء حصلت إحدى التلميذات بثانوية إعدادية عمومية على معدل يفوق 13 على 20 في امتحانات الثالثة إعدادي مما خولها المرور إلى مستوى الجذع المشترك العلمي. أرادت أسرة هذه التلميذة تسجليها بمستوى الجذع المشترك العلمي بإحدى المؤسسات الخصوصية بأكادير نظرا للسمعة الطيبة التي تتمتع بها هذه المؤسسة. فتم رفض هذه طلب قبولها بالمؤسسة المعنية لكون عدد الراغبين في التسجيل بهذه المؤسسة أكبر بكثير من عدد المقاعد المسموح بها. حالة هذه التلميذة تجسد بالملموس أن التلاميذ ذوي النتائج الضعيفة أو المتوسطة بالمراحل السابقة غير مؤهلين لولوج هذه المؤسسات الخصوصية التي تتمتع بسمعة طيبة. الأمر معكوس بالمؤسسات التعليمية العمومية، إذ تظل الخريطة المدرسية المعيار الحقيقي للمرور إلى المستويات الموالية، فللأسف نجد تلاميذ ينتقلون إلى مستويات موالية بمعدلات كارثية تصل في بعض الأحيان إلى 6 على 20. أضف إلى ذلك مشكل إعادة التمدرس حيث نجد تلاميذ كثر لا رغبة لهم في التعلم ومكانهم الحقيقي هو مراكز التأهيل المهني ومع ذلك يتم تسجيلهم بالمؤسسات العمومية بقوة القانون. السبب الثالث : غياب الاكتظاظ تعتمد هذه المؤسسات الخصوصية على المعايير الدولية في ما يخص مسألة الاكتظاظ والمحددة في 30 تلميذ كحد أقصى يمكن أن يسع قسم خصوصي ( أقول كحد أقصى) مما يمكن من التتبع الفردي لكل تلميذ إضافة إلى منح كل واحد منهم الوقت للفهم والاستيعاب. الأمر معكوس بالمدرسة العمومية حيث عدد تلاميذ في أغلب الحالات يكون محصورا بين 40 و50 تلميذ مما يحد من فعالية المدرس، ويزداد الأمر سوءا عندما يضم القسم تلاميذ مشاغبين ولا علاقة لهم بالدراسة وبدون آفاق. السبب الرابع: المناهج التعليمية وتدبير الامتحانات الإشهادية من المعلوم أن الامتحانات الاشهادية في شعبة العلوم الرياضية أو الفيزيائية تعتمد على مواد الرياضيات والفيزياء وعلوم الحياة والأرض وعلوم المهندس واللغة الأجنبية الثانية والفلسفة. وبالتالي، يتعمد أغلب هذه المؤسسات الخصوصية، ابتداء من الدورة الثانية، على إقصاء المواد الثانوية، أو أضعف الايمان، التقليص من حجمها الزمني، والتركيز أكثر على المواد التي سيمتحن فيها التلميذ وتهييئه لهذا الاستحقاق الوطني. الأمر معكوس بالنسبة للثانويات العمومية حيث أن التلميذ مجبر على الحضور في جميع المواد بدون استثناء. السبب الخامس: تشجيع الكفاءات + التحفيز لا تقبل هذه المؤسسات إلا مدرسين أكفاء قادرين على بدل الجهد والعطاء، وفي نفس الوقت يتم منحهم رواتب محترمة إضافة إلى مكافآت في آخر السنة. الأمر معكوس بالنسبة للمدرسة العمومية حيث لا تشجيع ولا تحفيز يذكر من طرف الوزارة الوصية على القطاع. مثال ل مشروع مدرسي مغربي ناجح