قبل أن يتقدم الأستاذ إدريس الكريني إلى تقديم محاضرته حول الجهوية الموسعة والتي كانت من تنظيم الفرع الجهوي لجمعية دفاتر حظيت بجلسة ثلاثية مع الرجل وكان حديثنا ذو شجون.هم مواضيع متعددة ومتشعبة وذات الصلة بقضايا التعليم والعمل الجمعوي وكان الرابط بينها جميعا هموم التربية والتكوين . وفي خضم النقاشات وردت أسماء ساطعة في مجال الثقافة المغربية ممن أجادوا باسهاماتهم الفكرية ومنحوا فرصة لمسائلة الأوضاع المجتمعية في ارتباط وثيق بمفهوم المثقف العضوي الذي يعي جيدا دوره لأنهم كما قال الراحل الدكتور محمد عابد الجابري:ينتظرهم العمل وليس التنظير فقط إذ لايقبل منهم فقط أن يقوموا بدور الموجهين الدافعين من وراء حجاب بل يحسمون الأمر فائدة الإحتكاك بالجماهير وهم السائقون في مقطورة القيادة وفي نفس الآن وقود الحركة . والوعي بالتخلف ليس غاية في الثقافة ومقصدا نهائيا وإنما محطة هامة لإزالة الغشاوات عن الأبصار والبحث في سبل الرقي والنماء وحين تغيب هذه الخاصية تنجلي مساويء الثقافة البائسة فبؤس الثقافة يكمن إذن في تعطيل دينامية التجديد وملائمة أوضاع التخلف ومساير الأطروحات الرسمية في كل المجالات بدءا بملف الوحدة الترابية ومرورا بالتعليم ومشكلاته والصحة العمومية وكافة الميادين التي تفتقر إلى رؤى وتصورات جادة تنهل من معين الوطنية وانتهاء بقضايا الإنسان الكونية وحقوقه الكاملة . كل هذا وفوقه كان موضوعا سائغا في جلسة قصيرة تركت لدي انطباعا بأن الساحة الفكرية في حاجة الى من يخلخل أوضاعها الراكدة والغارقة في أتون المخزنة والتقليدانية ومن يحدث بها رجة قوية تعيد إليها نظارة السؤال النقدي لمواجهة الذات الثقافية المثخنة بجراحات السياسي والنقابي فلا اتحاد كتاب المغرب قادر على احتواء اختلافاته ولا الأحزاب السياسية العتيدة قادرة على إعطاء النموذج الأمثل للتجارب الايديولوجية الرائدة ولا النقابات قادرة على عكس ثقافة عمالية متطورة ونامية ولا مثقفونا قادرون على لعب أدوارهم العضوية سيما بعد رحيل زمرة من المفكرين الأفذاذ كعبد الكبير الخطيبي والدكتور محمد عابد الجابري آخر ورقة تساقطت إلى حد الآن من شجرة الحكمة المغربية وابن رشد هذا الزمان ورائد العقلانية العربية المعاصرة. فمتى تستعيد الثقافة أدوارها المفقودة؟ ذلك هو التحدي .