أعينهم تشع براءة، حماسهم منقطع النظير، ينتظرون كل شيء، هكذا أراهم كل صباح وهم يلتحقون بقسمهم...بعد تبادل التحيات، أجدهم في منتهى الحماس، أغض الطرف عن فوضاهم الجميلة والمعقولة ...يعرض علي بعضهم عملا ما، والآخر يريد مشورة، هناك من يبالغ ربما فقط كي يحظى بالحديث مع أستاذه، وهناك من يتفوق في جلب اهتمامك وجعلك تصغي إليه وتهتم به...لا يعرف الهم قلوبهم، تارة أتخيل نفسي ذلك الطفل الذي كنت ذات مرة...ما أروع الطفولة! إنه عالم البراءة والأمل والطموح والحب الكبير... وأشرع معهم في العمل، في بناء المعلومة، بهذا التواصل، وبجو الثقة هذا، الطفل هو محور كل نشاط...لكن أصاب بالاحباط وبخيبة الأمل... مناهج دراسية ومضامين جد عقيمة، نصوص قرائية جافة ومجردة من أي محتوى تربوي، مضامين لا تمت لاهتمامات الطفولة بصلة ...معرفة جوفاء لا تفيد في شيء...محافظ دراسية جد ثقيلة لا يجني التلميذ من ورائها إلا العناء... أي مستقبل يخططونه لهؤلاء الأبرياء؟ ! بل أي نمط يضعونه لمغربي القرن 21؟ أطرح هذه التساؤلات وأنا أتذكر تلميذ الستينات والسبعينات إلى مشارف الثمانينات. لقد كان هذا الأخير متمكنا من أبجديات القراءة والكتابة، وكلنا يتذكر أكلة البطاطس، وسروال علي وزوزو يصطاد السمك...كانت نصوصا رائعة ومشوقة، وذات مغزى تربوي وتعليمي، وتثير اهتمام وفضول المتعلم، وتغري بالقراءة والمتابعة...علاوة على ذلك كان المتعلم مندمجا بكل المقاييس في محيطه البيئي والاجتماعي، ويعرف تقريبا كل شيء عن وطنه...جباله وسهوله وأنهاره، كما يعرف مدنه الشاطئية منها والداخلية، بالاضافة الى الأنشطة الاقتصادية لمناطق المغرب كالصيد والفلاحة والصناعة التقليدية...كما كان على المام بمعالم بلاده التاريخية وما تزخر به من دلالات وارث حضاري وتاريخي. صراحة كانت المدرسة منفتحة على محيطها، وكانت تكوَن المواطن المؤهل للاندماج والانتاج والتفاعل مع بيئته ومحيطه القريب والبعيد. يعز علي أن أستعرض أجوبة تلامذتي، وأنا أطرح عليهم أسئلة عن مدن وطنهم أو أنهاره أو سهوله أو آثاره.أشفق لحالهم، ربما هكذا يريدونهم، ومع ذلك نتحدث عن تدني المستوى التحصيلي لتلامذتنا، واحتلالنا للمراتب المتأخرة في قطاع التربية والتكوين.