بأعلى حي " الطويلع" بتطوان، وبجوار حي بوجراح ، شمال المدينة ، توجد بقعة أرضية شبه جرداء، تتوسطها أطلال مبنى كئيب ، ببعض مرافقه شبه من معالم جنة العريف، بقصر الحمراء بغرناطة المأسوف عليها ، يحس الناظر اليه بأنه كان شاهدا على ماض تليد وعز مفقود وأنه آوى بين جدرانه أناسا كان لهم شأن وسلطان ،، انه " جنان أحصار" أو دار حصار، الحديقة التي كانت غناء، يتوسطها القصر الخليفي ،الذي كان مستقرا ومقاما للخليفة السلطاني على منطقة الحماية الاسبانية بشمال المغرب ، الأمير مولاي الحسن بن المهدي ، رحمه الله ، والذي تحول بعد عز وسؤدد الى خراب يباب ، يأوي المتشردين والقطط والكلاب الضالة ،واستحالت حدائقه الى أرض جرداء قاحلة مستباحة لكل من هب ودب ،، بعد أن تخلى عنه أصحابه وانتهت ملكيته ، كماقيل لنا، الى مؤسسة بنكية ، دون أن نعرف من هي ولا كيف انتهت اليها ملكية هذا المكان التاريخي !! المهم، أن هذه المعلمة التاريخية ، قيض الله لها جمعيتين من المجتمع المدني التطواني ، هما : جمعية أجيال للتعاون والتنمية البشرية ، وجمعية اجنان الخليفة مولاي الحسن بن المهدي ، اللتان وضعتا اليد في اليد وانبرتا بتميز واخلاص للدفاع عن هذه المعلمة وصيانة الذاكرة المشتركة لساكنة هذه المدينة التي تشكل المعلمة جزءا منها ، وقامتا بانجاز ملف متكامل ، تم تقديمه في يوم دراسي نظم بأحد فنادق تطوان ، والذي يتوخى أصحابه اقناع الجهة الحكومية المختصة وهي وزارة الثقافة، بجدوى تصنيف هذه المعلمة وتسجيلها ضمن لائحة التراث الوطني ، بهدف حمايتها والحفاظ عليها ، حتى لا يزحف عليها جشع الأسمنتيين وتضيع ساكنة هذا الحي في متنفس جميل ، ويفتقد الوطن جزءا من ذاكرته التي تختزن الكثير مما يعتبر ملكا لكل المغاربة، ومعلمة يمكن أن تعود بالخير العميم على الاقتصاد المحلي التضامني.. أجمل ما في الحدث هو أنه كان مناسبة للكشف عن جهود طيبة بذلت في صمت واصرار ، لفك طوق الصمت والتهميش الذي أناخ بكلكله ولعقود ، على هذا الفضاء التاريخي الجميل ، الذي يعد شرفة أنيقة من شرفات المدينة التي تطل على الجزء الشمالي الغربي منها، و تمد البصر على امتدادات أرجاء سهل مرتيل وواد المحنش وكيتان، انتهاء بالساحل المتوسطي الذي يؤثث في بهاء أفق هذا المشهد الرائع . وقد سجل الحاضرون بارتياح انخراط والي المدينة، ورئيس الجماعة الحضرية والمدير الجهوي للثقافة في هذه المبادرة وعلى وجه الخصوص المفتش الجهوي للآثار الذي واكب بمهنية وتفان هذا الجهد ودعمه ،كما دعمه كل من يعرف قيمة المعلمة ويعتقد في جذوى الحفاظ عليها واستثمارها كرافعة للتنمية بالحي والمدينة والمنطقة ككل ،، ان حقيقة كون اقاليمنا الصحراوية المسترجعة ( ايفني وطرفاية والساقية الحمراء وواد الذهب ) ، كانت تدار من تطوان ابان فترة الحماية الاسبانية ، وكون الملف المغربي المقدم أمام محكمة العدل الدولية بلاهاي، ابان النزاع مع اسبانيا حول الاقليم، كان معززا بوثائق هامة كان مصدرها محفوظات تطوان ، سواء تلك التي تختزنها المكتبة العامة ، أو المكتبات الخاصة ، تضع على عاتقنا مسؤولية ابراز هذا الدور وهذا الرابط ، الذي يعتبر من أهم الآدلة الدامغة على مغربية الصحراء ، سيما وأن زعماء القبائل الصحراوية كانوا مرتبطين بالخليفة السلطاني مولاي الحسن بن المهدي ، استمرت الى ما بعد الاستقلال، ويكنون له كل الاحترام ، كما أن قبيلة من أعرق وأكبر قبائل الصحراء وهي قبيلة العروسيين ، مرتبطة روحيا وصوفيا ، أشد ما يكون الارتباط بالولي الصالح مولاي عبد السلام بن مشيش دفين جبل العلم بالقرب من تطوان وغير بعيد عن مدفن بعض أبناء الشيخ ماء العينين .. ناهيك عن بعض أبناء الركيبات الذين استوطنوا المنطقة وأضحوا من أبناءها الذين أبلوا البلاء الحسن في مجال الأعمال ، والنضال الجمعوي والاقتصاد التضامني .. واني لأرى أنه من باب القيام بهذه المسؤولية ، التفكير في اصلاح هذه المعلمة وتحويلها الى مزار أو متحف يكون الخامس من نوعه ، بالحمامة البيضاء ، يأوي كل ما يتعلق بالتعريف بالعلاقة التي كانت تجمع شمال المملكة بصحرائها ويختزن كل الوثائق الادارية والمراسلات والتقارير ، المعرفة بهذه العلاقة ، أو على الأقل نسخا منها، ويفتح في وجه كل الباحثين عن الحقيقة ،على أن تعمل سلطات المدينة على تنظيم زيارات لضيوفها خصوصا من جيراننا الاسبان ، ومن في حكمهم ، لهذا المزار،حتى تتضح الامور في أفئدتهم ومداركهم ، حول الموضوع ، وكم سيكون رائعا لو تم تحويل جانب من هذه الاقامة بالنظر الى موقعها البانورامي ، الى مقهى أدبي رصين ومطعم يرتاده كل من يريد الغذاء في حضن الثقافة والتاريخ .. مما من شِأنه أن يرفع من قيمة الحي ويغير واقعه وضروفه نحو الأفضل .. حبذا لو يدعم المجتمع المدني بتطاون ، وفعالياتها ومثقفوها ووجهاؤها ، هذا الجهد الذي يرجى أن يعود بالخير على ساكنتها ، وتصحيح هذا الوضع غير السليم الذي عمر طويلا ، ولا شك أن ذلك سيفرح اليافعين من شبيبة بوجراح و الطويلع عندما تتحول الفضاءات المحيطة بالقصر الى نوادي وملاعب تجمع شملهم وتساعد في تربيتهم بشكل سليم ،وتحميهم من الضياع ،، وحدهم قوارض العقار لن يرتاحوا لهذا الأمر ، ولا أظنهم يباركونه ،، لعله حلم يراود كل غيور على هذه المعلمة، وكل محب عاشق لهذه المدينة ،، غير أنه حلم جميل ، مشروع ، وقابل للتحقيق ،، وانه على قدر أهل العزم ،، تأتي العزائم تطوان في 25 ديسمبر 1913 / م. زين العابدين الحسيني.