"إم.إس.إن"، "الفايسبوك"، و"التويتر"، تعددت التقنيات والهدف واحد؛ تسهيل التواصل والتعارف بين الأصدقاء. لكن، هذه الوسائل فسحت المجال للعلاقات الشخصية بين الجنسين، حتى صارت تتطور لدى البعض إلى مشاريع زواج. اختلفت الرؤى حول الظاهرة؛ فهناك من يرى في العالم الافتراضي للانترنيت مكانا مناسبا لإنشاء علاقات حب، وهناك من يرفض بشكل قاطع فكرة الزواج عن طريق "الشات"، فيما طرف ثالث يدعو إلى ضرورة التروي عند الإعجاب بشخص ما عبر منتديات الدردشة التي تملأ خيوط الشبكة العنكبوتية. وسيلة متطورة لمد جسور العلاقات "الشات" من بيوت الدردشة ... إلى بيوت الزوجية لم يكن عزيز يعلم أن عالم "النيت" سيغير مجرى حياته كليا، فما إن فكر في الدخول إلى غرف "الشات" أو الدردشة عبر تقنية ال "إم إس إن"، حتى بدأ يبحث عن زملاء وأصدقاء جدد يشاركهم متعة الحديث ولو عبر العالم الافتراضي للأنترنيت. كان عزيز يقضي قرابة ثلثي الليل أو نصفه متسمرا أمام الحاسوب. كان عدد أصدقائه الذين يسهر معهم إلى غاية الثالثة صباحا يتعدى الثلاثين. لكن إحدى الفتيات الإسبانيات كانت أكثر إصرارا على "التواصل"، وكان عزيز أكثر انجذابا نحوها، خصوصا وأنه يجيد التحدث باللغة الإسبانية بطلاقة. زواج عبر" الشات" يروي عزيز قصته قائلا: "لم أكن يوما أبالي بعالم الدردشة مع الفتيات عبر الانترنيت، إلا أنني، وبعد انتكاستين عاطفيتين، بدأت أفضل البحث عن "بنت الحلال" داخل دهاليز الشبكة العنكبوتية. تعرفت على فتاة إسبانية، من منطقة كاطالونيا. في البداية، لم تكن علاقتنا تتعدى التحية والسلام وتبادل السؤال عن أحوالنا اليومية". استمرت علاقة "الحبيبين" على هذا المنوال إلى أن اتصلت به الفتاة الكطلانية أياما بعد ذلك عن طريق الهاتف. اعترفت له بحبها، ولم يتردد الشاب قيد أنملة في رد كلمات الإعجاب أفضل منها. تكررت مكالمتهما الهاتفية، وتحسنت العلاقة بينهما أكثر، وتبادل "العشيقين" الهدايا عبر البريد، وكلمات الحب عبر جهاز اللاسلكي، إلى أن تزوجا مع مطلع الصيف الماضي. من غرائب الصدف في قصة عزيز العاطفية، هو أن الإسبانية التي أصبحت شريكة حياته، هي امرأة مطلقة من رجل إسباني، وأم لطفل يبلغ من العمر 13 عاما. لكن، يبقى الخبر السعيد في الأيام الأخيرة بالنسبة لعزيز، هو كونه أصبح أبا لطفل أخر. حيث عندما كنا نسجل قصة عزيز، كانت زوجته الإسبانية ترقد في إحدى مستشفيات مدينة سبتة، ووضعت طفلا جميلا اختار له الزوجان اسم عبد الخالق. حكاية زواج عزيز عبر "الشات" تشبه إلى حد بعيد حكاية زواج "سهيلة" وهي فتاة تطوانية ذات 27 عاما. كانت علاقة "سهيلة" بالشاب المغربي المقيم بمدينة مارسيليا الفرنسية عبر ال "إم إس إن" لا تعدو أن تكون علاقة صداقة ليس إلا، مع تميزها في بعض الأحيان بتبادل الشابين لبعض أسرارهما الشخصية، وتعبير كل منهما للأخر بالإعجاب، إضافة لرؤية بعضهما للبعض عبر "الكام". ترى الفتاة التطوانية في المواقع الاجتماعية وفي الوسائط التقنية الحديثة وسائل متطورة لتجديد العلاقات الإنسانية، وكسب صداقات جديدة، "وعلاش لاما نضربوهاشي بشي تزويجة". تتذكر الشابة تعرفها على خطيبها بالقول: " لم أتخيل يوما ما أنني سأتزوج عبر "الشات"، تعرفت على فؤاد كصديق عادي كباقي الأصدقاء الذين أدخلتهم إلى حسابي الخاص في ال "إم إس إن". إلا أنني اكتشفت مع توالي الأيام تعلقي به، كما أنه صرح لي بإعجابه وحبه لي. وتضيف سهيلة: "ازدادت دهشتي عندما طلب مني فؤاد الزواج، تحدث مع أسرتي، وحددنا شهر يوليوز المقبل موعدا لعقد الخطوبة والزواج والذهاب مباشرة للاستقرار في مدينة مارسيليا. "دير الفايسبوك لايغلبوك" بمقابل ما حدث ل"عزيز" و"سهيلة"، وزواجهما عن طريق "الشات"، ترى "حسناء" أنها لا تستطيع تقبل فكرة التعرف على أناس جدد عن طريق المواقع الاجتماعية، وبالتالي الزواج عن طريقها، لأن في نظرها هذه المواقع "ماداراتشي نديك الشي". أما رأي "طارق" فهو لا يختلف كثيرا في تصوره حول استخدام ال "إم إس إن"، أو "الفايسبوك"، وعلاقات الزواج عن طريق المواقع الاجتماعية. فهذا الشاب يعتبر أن هذه المواقع وجدت بالأساس لتجديد العلاقات والروابط الإنسانية. ويضيف مفسرا: "إذا خصصنا الحديث على "الفيسبوك"، الذي أعرفه جيدا، فهو يستخدم لتجديد الصداقات مع أشخاص كنت تعرفهم منذ الصغر، وانقطعت عنك أخبارهم، بسبب ظروف الحياة المختلفة. وهذا هو الغرض الأساسي الذي وجد من أجله "الفايسبوك". أما التعرف على أشخاص جدد ومن تم الزواج بهم فتلك ليست وظيفة "الشات" عبر التقنيات التي يوفرها عالم الانترنيت. "رشيد"، طالب جامعي من مدينة مرتيل، يؤكد أن تقنيات التواصل عبر الانترنيت ليست سوى وسائل للمعرفة الأولية والتواصل. لذلك فهو "ينصح" الشباب بالتروي عند الإعجاب بالطرف الأخر عن طريق مواقع "الشات"، مؤكدا أن تكرار اللقاءات الحقيقية يكشف النقاب عن كثير من الأوهام والأكاذيب. فالإنسان لن يستطيع الكذب طوال الوقت، لأن هذا النوع من العلاقات يحتاج إلى اللقاء المادي لتكون العلاقة إنسانية وليست افتراضية. لكن هذا لا يعني أن هذه المواقع الاجتماعية أصبحت تعتبر وسيلة للتعارف الأولي، فأن تلتقي شخصا عبر "الفايسبوك" أو ال "إم إس إن"، فذلك كأن تلتقيه في مقهى أو في ندوة فكرية، يضيف رشيد. "مليكة" فاعلة جمعوية من الفنيدق، ترى ضرورة لوجود المواقع الاجتماعية على الانترنيت، وخاصة على الصعيدين المهني والاجتماعي. معتبرة أن الفيسبوك مثلا يخدم المجال المهني بشكل عام. وتشير إلى أن "الفيسبوك" و ال "إم إس إن" يملكان من الإيجابيات ما يغطي على السلبيات. قائلة: "لا يجوز لنا لوم الوسيلة طالما أن من يستخدمها بصورة صحيحة وواضحة لن تعترض طريقه سلبيات أو مضايقات في أي وسيلة من وسائل التكنولوجيا الحديثة والمتطورة، وهذا يشبه واقع الشات بين الشباب والفتيات في المغرب". وأضافت: "لا أعتقد بتاتا أن "الشات" يصلح لإنشاء علاقة حب". الدكتور أحمد المطيلي أخصائي ومعالج نفساني: للظاهرة مسببات نفسية واجتماعية بداية، وجب التأكيد على أن الانترنيت يعد وسيلة إعلام وتواصل حديثة تلاقي إقبالا منقطع النظير عند الشباب بشكل أساسي. وهي وسيلة تتيح لوحدها ما تفرق في باقي وسائط الاتصال الأخرى، من تلفاز وهاتف وغيرها. أصبحت ظاهرة "الشات" أو الدردشة متفشية في صفوف الشباب والمراهقين، الذين يسعون إلى توسيع عالمهم الفردي والشخصي مع أناس آخرين من خارج أسرهم ومحيطهم العائلي. إضافة لذلك، تؤكد ظاهرة الدردشة نزعة الشباب نحو التواصل والتعارف على أشخاص جدد واستكشاف الغير والتواصل معه، سواء أكان من نفس الجنس أو من جنس أخر، من نفس البلد أو من بلد أخر. أما بالنسبة للأسباب المباشرة التي ساهمت في انتشار الظاهرة، نسجل أولا، كونها غير مكلفة من الناحية المادية، إضافة إلى قدرتها الكبيرة على مساعدة الشباب على التواصل والتعارف بسهولة فائقة. ثانيا "الشات" مغامرة لأنك تتعارف على أشخاص آخرين، ذوو عادات وثقافات وطرق تفكير وعوالم ذاتية مختلفة، وهي في حد ذاتها تؤكد للشاب نوعا من الإحساس بالنرجسية وفرض الذات على الآخرين، خصوصا إذا كان يفتقد للتواصل والعناية داخل الأسرة. ثالثا، كثرة مزاولة الشاب للدردشة عبر "النيت" ينم عن وجود خلل في حياته العادية، بسبب وجود مشاكل داخل الأسرة (غياب الأب المستمر، انفصال الزوجين أو اضطراب العلاقة مع الأباء أو الإخوة) والدردشة في هاته الحالة تشكل متنفسا وبديلا لذلك التواصل المفتقد داخل المحيط العائلي. رابعا، ينزع المراهق نحو عالم الانترنيت بسبب كثرة الإحباطات، الأحزان والألام التي يتعرض لها بشكل يومي، وهي في هاته الحالة كذلك قد تشكل بالنسبة له نوعا من التخفيف من تلك الألام والأحزان. كما وجب التأكيد على سبب مباشر ومهم، والذي يتجلى في كون التواصل عبر الانترنيت يكون أكثر سهولة مقارنة مع التواصل المباشر، وخصوصا الشباب الذين يعانون من بعض العقد كالخجل، التوتر، القلق وعدم القدرة على التواصل المباشر أثناء مخاطبة الجنس الأخر. أخيرا، بالنسبة لمعدل وصول العلاقات عبر الانترنيت إلى مشاريع زواج تبقى قليلة، لأن هذا النوع من التواصل يعتبر واسعا وشاسعا، ويفتح الباب على مصراعيه للوعود الزائفة والأوهام والأكاذيب في كثير من الأحيان. بعض الشباب يجدون متعة بالغة وهم يفصحون عن مكانة اجتماعية مفترضة، كأن يزعم أنه يتوفر على شهادة دراسية عالية، أو أنه ينتمي لعائلة غنية، بهدف كسب ود الطرف الأخر. ربورتاج من إعداد الزميل : عماد أرجاز الشرفاوي