هل يحظى فكر الإنسان بحسن الاختيار ؟ وهل كان ناسيا عندما استعمل عاطفته فتَاهَ في فيافي أخطائه...؟ يحكي لنا التاريخ، عن حياة الإنسان في عصوره السالفة، وتطور فكره، في الشعور بإنسانيته، ففي عصر العُري، المصطلح عليه تاريخيا بالعصر الحجري، وقع بصره على الشجرة، فهام بأوراقها، أكلا، واهتدى إلى صلاحية الورقة لستر عورته، إذ لم يكن يعرف شيئا عن ارتداء ما يحمي جسده، ومن هنا نشأت فكرة الملابس. وكان الرجال أسرع من الإناث المفتونة بجمال الخلقة، إلى استعمال الملابس التي تغطي أغلب أجزاء الجسد، حماية له من الحرارة والبرد والحشرات المضرة، وجعلته يفكر في ارتداء ملابس من نسيج أوراق الشجر حينا، ومن جلود الحيوانات مرة أخرى. وتطور فكر الإنسان، خلال عصوره، في اختيار ملابسه، فكان يرتدي في القرون الوسطى، ملابس مصنوعة من نسيج متطور، ومع اختلاف أشكالها، كانت تنحو إلى ما يعرف عندنا "بالقفطان" الفضفاض، يلبسه الرجال والنساء على حد سواء. وأمام التشابه الكبير، بين الجنسين، في شكل اللباس وطول الشعر، كان لابد من التفكير في إيجاد نوع من الاختلاف، لتمييز الرجال عن النساء، وتقرر أن يكون في اللون، وهكذا نشأت الألوان. وطلع المجربون بفكرة تستوجب أن تكون ملابس المرأة مختصرة، تبرز الخصور النحيلة من غيرها، وهكذا شاعت عودة الملابس الضيقة من الخصر. وعند استعمال الدواب والخيول كوسيلة للانتقال من مكان إلى آخر، لم يكن القفطان مريحا، إذ كان السقوط من فوق ظهورها، سهلا بسبب، هذا اللباس الفضفاض، فكان لازما اختيار نوع ملائم للركوب، فاكتشف السروال أو "البنطلون". وكان تتابع الخطى نحو الترف والمدنية، يقود إلى اختراع ملابس، تعبر عن الأبهة والفخامة، وكان الرجال يغالون في الفخفخة، لدرجة منافسة النساء، فارتدوا الحرير المزركش، والمعطر، واختاروا باروكات الشعر الطويل، حتى يزول ذلك الاختلاف الكبير بين الجنسين. أما في عصر الأزمات، فماتت حرية الاختيار أمام قصر اليد، واقتصر الناس على ما تسمح به مرتباتهم، وما تبقى منها للإنفاق على ملابس زوجاتهم. وأطلت المدنية العصرية، التي نعيش أيامها، ورأى عقلاء هذه المدنية أن تعد ملابس المرأة، على أسس من اعتبارات خلقة الأنثى المميزة. إن سيقان المرأة من التحف المرمرية الجميلة فمن العدل أن تكون الألبسة قصيرة. وأن ذراعيها الفاتنة، فمن الحق أن تزول عنها الأكمام، أما ظهرها، النقي اللامع، فمن الخير ألا يحجب هذا الكمال. وتعقبوا صدرها، فرأوا أنه من الحرام إخفاء الأرنبين الأبيضين أوعلى الأقل نصفهما. وحيث إن العيون فارغة، فمن الواجب اختراع مايو للمسابح لكل منهما، وصارت هذه المدنية في سيرها نحو التطرف، لإنقاص مساحة هذا المايو إلى إلغائه تماما وإنشاء مسابح خاصة للعُري، والعودة إلى العصر الحجري. عود على بدء، في اختيارات، فهل يحن الإنسان إلى عهده القديم، أم أن هناك تيار جارف، يمليه القلق والاضطراب، أم أصبح الغرب، يستهين بالمُثل والأخلاق الإنسانية لنشر هذا الانحراف. من السهل أن تكون رجل الشارع. ولكن من الصعب أن تكون إنسانا كريم الأخلاق. والله الموفق 20/06/2013 محمد الشودري