الشيخ العياشي رحمه الله كما عايشته الأستاذ المصطفى أحساسي. بسم الله الرحمان الرحيم وصلى الله وسلم على نبينا المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين بادئ ذي بدء، أود أن أتقدم بالشكر الجزيل للأستاذ الفاضل الدكتور عبد الكريم القلالي على إعداده لهذا العمل المتعلق بشيخنا الكريم العياشي أفيلال رحمه الله، كما أشكره على توجيه الدعوة لكتابة هذه الكلمات عن الشيخ أكرم الله نزله وجعله في عليين، فأقول مستعينا بالله: عندما تريد كتابة شهادة عن محبوب لك جمعتك به الأقدار منذ ريعان الشباب إلى أن قدر الله أن تفترقا فراقا أبديا في لحظة من لحظات العمر فإنه ينتابك شعور عميق ومسؤلية جسيمة نظرا لطبيعة العلاقة وطبيعة الرابطة التي كانت تجمعكما، وهذا الشعور يزداد كلما زادت مدة الفراق. وشيخنا المحبوب العياشي أفيلال رحمه الله منذ عرفته، رجل سمح طيب الخلق والأثر، ذو فراسة عالية جمع بين العلم والعمل، فلا تكاد تراه إلا واعظا، أو خطيبا، أو ماشيا في حوائج الناس، أو مسافرا في سبيل الله، مدافعا عن دين الله ولا يخاف في الله لومة لائم، وهب الله له من الهيبة والوقار ما يجعله أهلا للاحترام والتقدير من الجميع، ويكفيه فخرا أنه كان من الأوائل اللذين أنعم الله عليهم بفكرة تأسيس مدرسة لخدمة القرآن وعلومه بمدينة تطوان واعتنى فيها بطلبة العلم وفتح لهؤلاء بفضل الله آفاقا كبيرة لينالوا شهادات علمية عالية لم تكن يوما في الحسبان، فتخرج في تلك المدرسة التي كان يشرف عليها الخطباء والأساتيد والمربون والدعاة والمعلمون… ومما أذكره ولا أنساه، أنه حدثنا رحمه الله ذات يوم بأنه قبل أن يشرع في بناء تلك المدرسة وكنا أيامها ملازمين له ومساعدين في هذا الفضل ، ومباشرة بعد اقتنائه رفقة مجموعة من إخوانه للبقعة الأرضية التي شيدت فوقها المؤسسة، جاءته امرأة عجوز تسكن قريبا بجانب ذلك المكان وحكت له أنها رأت في منامها صبية صغارا فوق تلك الأرض يلبسون ثيابا بيضا يخرجون مهرولين ويحملون ألواحا لحفظ القرآن الكريم، وكان ذلك بشارة خير له، حمله على المضي قدما في أمره مستبشرا ومتحديا لكل العراقيل والمثبطات، وقد أتم الله النعمة عليه وعلى من معه، وبنى ذلك الصرح الشامخ لتحفيظ القرآن وتدريس علومه، وظل وفيا لتلك المعلمة متعاهدا لها قائما عليها صابرا محتسبا حتى فارق الحياة وهو يوصي بها. وفي أخريات حياته كان رحمه الله قد شرع في بناء معهد جديد بمنطقة أزلا لخدمة القرآن وأهله، لكن قدر الله حال دون أن تكتحل عيناه برؤية تلك المعلمة قائمة على سوقها، فلله الأمر من قبل ومن بعد. لقد شرفني الله عز وجل أن كنت من المقربين للشيخ لمدة ثمان وعشرين سنة، وقد عرفته وأنا شاب في مقتبل العمر، وكان لي بمثابة الأب والأخ الكبير والصديق العزيز، وكنا نعمل معا في إطار جمعية الاحسان والتوعية رفقة مجموعة من الفضلاء، وكان عملنا في أول الأمر مقتصرا على الإحسان والتربية، والاعتناء بجيل من الشباب فلبثنا ما شاء الله على ذلك، حتى كتب الله عز وجل أن أسسنا مدرسة الإمام مالك الخاصة للتعليم العتيق، لتكون معلمة من معالم تدريس القرآن وعلومه في تطوان وقد كنت دائما أحب مجالسته، فأتعلم منه الأدب والتربية وشيم الرجولة، وكان يقول عني في الملإ: "هذا رجل لابد منه" وكانت المساجد أحب البيوت إلى قلبه فلا يبخل عليها بالفراش والطلاء و يبحث في كل ما مرة عن أرض لعله يظفر بها لبناء مسجد، فهو يعطف على الصغير والكبير، ويلبي طلب ذي الحاجة والمسكين والفقير والأرملة. وأذكر للتاريخ أنني كلما طلبت منه مساعدة المرضى بالدواء أو المال إلا وأجابني دون تردد أو خوف فقر، كأن الله عز وجل فتح له من كنوز الأرض فسار ينفق منها سرا وجهرا في سبيله، فياله من رجل عرفته أرض تطوان و مساجدها وبيوتها ومستشقياتها، فكم من نفس كان سببا في إحيائها، وكم من فقير أو أرملة أو محتاج يأتينا اليوم يسألنا عنه وعن خيره الذي انقطع عنهم عند وفاته سيظل اسمه وشخصه وحبه راسخا في قلوبنا فهو الشهيد الحي نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحدا، فأسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يتغمده بواسع رحمته، وأن يجعل قبره روضة من رياض الجنة، وأن يعلي مقامه في عليين آمين. وكتبه المصطفى أحساسي تطوان في:21 صفر الخير 1443 الموافق ل 29 شتنبر 2021 * أستاذ بمدرسة الإمام مالك الخاصة للتعليم العتيق بتطوان. نقلا عن كتاب: "وارفات الظلال فيما فاضت به القرائح من محاسن الشيخ العياشي أفيلال" سيرة ومسيرة حياة رجل بأمة للمؤلف الدكتور عبد الكريم القلالي