الحمد لله الذي خلق الخلق وجعل منهم هداة ومهتدين، وأئمةً ومُقْتفِين، والصلاة والسلام على سيد المربين، وخاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى من اقتفى أثرهم وسار على نهجهم إلى يوم الدين. أما بعد: في سياق هذا العمل العظيم، الذي أعده وقدمه أستاذنا الدكتور عبد الكريم القلالي للتعريف بشيخنا العياشي أفيلال رحمه الله، تأتي شهادتي المتواضعة لذكر جانب من مناقب شيخنا ومواقفه المحمودة رحمه الله. لقد كان رحمه الله بشوش الطلعة، نير المحيا، طيب المعشر، لين الجانب، تود مجالسته ومصاحبته لغير حاجة أو هدف سوى سماع نصيحة أو إصابة دعوة من دعواته. وكلما ذكرت الشيخ العياشي أفيلال رحمه الله، تذكرت بإزاء ذلك مدى حب الناس له، وتقديرهم إياه، وثنائهم عليه في حياته وبعد مماته بالحسنى، وهو الأمر الذي قد يكون دليلا على محبة الله له؛ لأنه من علامات حب الله عز وجل للعبد أن يبسط له القبول في الأرض، ويلين له قلوب العباد، ويميل إليه أفئدتهم، وذلك مصداق حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي جاء فيه: "إنَّ اللَّهَ إذا أحَبَّ عَبْدًا دَعا جِبْرِيلَ فقالَ: إنِّي أُحِبُّ فُلانًا فأحِبَّهُ، قالَ: فيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنادِي في السَّماءِ فيَقولُ: إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلانًا فأحِبُّوهُ، فيُحِبُّهُ أهْلُ السَّماءِ، قالَ: ثُمَّ يُوضَعُ له القَبُولُ في الأرْض". وإنني على طول هذه العقود القليلة التي عشتها في هذه الدنيا، ما رأيت شخصا ممن التقيتهم وخالطتهم، يصدق عليه هذا الحديث، مثلما هو الحال مع شيخنا المربي العياشي أفيلال رحمه الله؛ حيث أحسبه يمَّن الله كتابه، ممن بسط لهم الله المحبة والقبول في الأرض، كذلك أحسبه والله حسيبه ولا أزكي على الله أحدًا. ولقد كتب الله لي أن أعيش في ظل شيخنا المربي رحمه الله تلميذا في مدرسة الإمام مالك، ومساعدا في إدارتها، ثم أستاذا ضمن أطرها التربوية، فما لمست تبدلا في تعامله أو اهتمامه أو عطفه وكرمه، بل كانت تلك الطيبة في المعاملة والصدق في النصيحة، والسؤال عن الحال، والفرح لما يفرحنا والحزن لما يحزننا، هي ذاتها كما ألفتها فيه منذ بدء تعرفي عليه رحمه الله، وبذلك أشهد له أنه لم يكن ليحسن أو يسيء معاملة شخص نظرا لمكانته أو مقامه الاجتماعي، بل كان رحمه الله ذا وجه واحد؛ إن أخذ عنك انطباعا حسنا عاملك بالحسنى، وإن كان غير ذلك فلا تلمه. ومن أبرز الأمور التي كانت تؤثر فيَ من جهة الشيخ رحمه الله، أنه كان كلما لقيني سألني عن والدي رحمة الله عليه، واستفسرني عن صحته وأحوال عمله، ثم طلب مني أن أقرئه السلام، وكان يفرح لنيلي بعض الرتب المتقدمة في الدراسة وكأنه يفرح لأحد أبنائه، ويثني على ذلك كلما سنحت له الفرصة. ولا أتردد في ذكر جميله رحمه الله؛ فقد كانت له علي أياد بيضاء، وقدم لي مساعدات في مواقف متعددة، وخاصة عندما كنت مقبلا على مشروع الزواج، وفي هذه النقطة بالتحديد، أستحضر تفاصيل من وقوف الشيخ بجانبي رحمه الله، في مواقف جمة، وما بخل بجاه ولا مال، بل أنفق ما عنده بسخاء، نفقة من لا يخشى الفقر، يعين ويساعد دون أن يشعرك بفضل أو إحراج، يبذل المعروف هاشا باشا في وجهك وكأنه المبذول له، ولي معه من القصص ما يطوى ولا يروى من الأعمال التي أسأل الله أن يتقبلها منه قبولا حسنا، وأن يجزل له المثوبة والعطاء تلقاء ما يسر من عسرة علي وعلى كثير من إخواني، وكنا نره معه -رأي العين- العسر يسرا. فكم مهد لي من قضايا وأغراض، وكم أعان ودعا وبارك وسدد ونصح ووجه. وهذا من عوائده رحمه الله؛ حيث كان مواظبا على تقديم يد العون للشباب المقبلين على الزواج، مهتما بأمورهم قبل ذلك وبعده؛ يقدم لهم المساعدات المادية في المناسبات المختلفة، ويفرح بزواجهم وإنجابهم للأبناء، ويتودد إليهم بسؤالهم عن أطفالهم الصغار، وكأنه يسأل أولاده عن أحفاده، ولا أعرف له في ذلك نظيرا. وتعود بي الذاكرة إلى الوراء أكثر، وتستخرج لي من بين ثناياها مواقف الشيخ تجاه الطلبة، وحرصه على أن يلقوا أحسن معاملة داخل المؤسسة، وفق المتاح المتوفر، وهنا تحديدا أذكر بأن الشيخ رحمه الله، كان ليتغاضى عن نقص بعض الأمور المتعلقة بالتسيير والتدريس، ولكنه ما كان ليقبل بوجود أي نقص في الوجبات الغذائية، أو يقال له بأن الطلبة لا يتلقون حصصا كافية من الطعام، هنا كان الشيخ رحمه الله ليغضب ويستنكر، ويأمر المسؤولين عن المطعم بتقديم أفضل ما يمكنهم خدمةً للطلبة والتلاميذ. وأجمل ذكرى تغازل ذهني في هذه اللحظة، جلوس الشيخ معنا بعض المرات على المائدة، وتناوله الطعام إلى جانبنا، وهو يسأل عن الأحوال، أو يروي قصة أو نكتة بالمناسبة، فيضحك ونضحك معه كأنه واحد منا، فما أعظم تواضعه وحلمه وحكمته، فرحم الله شيخنا الفاضل رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته، وجعلنا من السائرين على منهاجه، والحاملين للوائه في خدمة الدين، ورفع راية الإسلام والمسلمين، والحمد لله رب العالمين. [1] أستاذ بمدرسة الإمام مالك الخاصة للتعليم العتيق بتطوان. نقلا عن كتاب: "وارفات الظلال فيما فاضت به القرائح من محاسن الشيخ العياشي أفيلال" سيرة ومسيرة حياة رجل بأمة للمؤلف الدكتور عبد الكريم القلالي بريس تطوان