في الوقت الذي كان يجدر بالبرلمان الأوروبي عوض استهداف المغرب دون غيره من بلدان العالم، وتسييس ورقة حقوق الإنسان وتوظيفها بشكل مزاجي، حسب أجندات ظرفية تخدم مصالح ضيقة وذاتية، وحشر الأنف في الشؤون الداخلية للبلدان العربية، الانكباب على القضايا التي تشغل بال الشعوب في عديد الدول، خاصة تلك الواقعة شمال إفريقيا التي تعيش وضعا حقوقيا متأزما وتراجعا عن حرية الرأي والتعبير، أو ما يرتبط بمشاكل المهاجرين واللاجئين والأقليات في المجتمع الأوروبي، وما تتعرض له هذه الفئات من تضييق وتمييز، يمكن أن يندرج ضمن الانتهاكات الصارخة للمواثيق الدولية لحقوق الإنسان… أبت أغلبية أعضائه إلا أن يصوتوا يوم الخميس 18 يناير 2023 على قرار يدينون من خلاله الأوضاع الحقوقية في المغرب، ولاسيما ملف الصحافيين المعتقلين، منتقدين بشدة ما اعتبروه تدهورا في حرية الصحافة ومحاولة التأثير على البرلمانيين فيما يعرف ب«موروكو غيت"، إذ صوت لصالح قرار الإدانة 356 برلمانيا مقابل اعتراض 32 وامتناع 42. ويؤكد نص القرار على "ضرورة احترام السلطات المغربية حرية التعبير وحرية الإعلام" ويضيف "ضمان محاكمة عادلة للصحافيين المعتقلين بعيدا عن تلفيق تهم جنسية"… وهو القرار الجائر الذي إلى جانب كونه فضح كل جوانب الابتزاز لنواب أوروبيين أدمنوا على مراكمة الهدايا المضمخة بروائح الغاز، أثار في ذات الوقت حفيظة المغاربة وتعالت على إثره أصوات الاستنكار والتنديد على مختلف وسائل الإعلام وعبر صفحات التواصل الاجتماعي، حيث أدان عديد المتدخلين من فعاليات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية والمجلس الأعلى للسلطة القضائية والهيئات السياسية والبرلمان المغربي والعربي وغيرهما من البرلمانات الأجنبية هذا الهجوم السافر، وأجمعوا على أن القرار يهدف إلى محاولة ابتزاز المغرب والتضييق على سيادته وكبح جماحه في التقدم إلى الأمام والحيلولة دون استمراره في التحرر من التبعية الأوروبية الاقتصادية والتجارية والسياسية، والتأسيس لتغيير جيوسياسي عبر التأسيس لشراكات جديدة مع الولاياتالمتحدةالأمريكية والصين وغيرها، وتعزيز تواجده بشكل أكبر بالقارة الإفريقية… إذ من غير المقبول أن يعيب البرلمان الأوروبي مسار المغرب الديمقراطي والحقوقي في مثل هذا الظرف الذي يشهد فيه تنامي العداء له من مكونات بداخله، بالاعتماد على تحريف الوقائع والتشكيك في شرعية وقانونية الأحكام القضائية وما إلى ذلك من اتهامات باطلة، في حين أن هناك أجهزة ومؤسسات أخرى في الاتحاد الأوروبي تعتبر المغرب شريكا استراتيجيا وموثوقا. فهل مازالت أوروبا عاجزة عن التعافي من أمراض العجرفة المؤسسة على عقدة التفوق الوهمي، إلى الحد الذي يسعى فيه برلمانها إلى محاولة لي ذراع المغرب واستعراض عضلاته عليه، بينما كان يتحتم عليه البحث في جهات أخرى عن حرية الصحافة والتعبير، وعن إغلاق مقرات الجمعيات الحقوقية، والهيمنة على الإعلام وتجييش المواطنين ضد بعضهم البعض وضد دول أخرى؟ ثم لم غض أولئك المصوتون لصالح القرار إياه الطرف مثلا عن قضية النائبة الأوروبية اليونانية "إيفا كايلي"، المقالة من منصب نائب رئيس البرلمان الأوروبي على خلفية "قطر غيت"، وهي التي لم تتوقف عن الشكوى من ظروف اعتقالها السيئة وما تتعرض إليه من معاملات وحشية، وإبعادها قسرا عن رضيعتها ذات 22 شهرا منذ اعتقالها في 9 دجنبر 2022؟ والقرار بهذه الفظاظة يشكل منعطفا حاسما لما يحمل معه من تداعيات مقلقة على العلاقات الثنائية، وبالرغم من أنه قرار غير ملزم عمليا ولا يمكن اعتباره سوى حملة إعلامية سياسية مسعورة ضد المغرب، وأول إدانة من نوعها ضد المغرب في عهد الملك محمد السادس، فقد لا تستطيع الحكومات الأوروبية تجاهله، خاصة أن التصويت شمل اليمين واليسار بمختلف تنوعاتهما، فضلا عن أن الاتفاقات التي يوقعها الاتحاد الأوروبي مع دول أخرى، تخضع بالضرورة لتصويت البرلمان الأوروبي، وعلى ضوئه سيكون البرلمان الأوروبي مضطرا إلى ربط المصادقة على الاتفاقيات بالتزام المغرب بالتوصيات المتضمنة في ذات القرار ومدى حرصه على احترامها وفي مقدمتها حقوق الإنسان. وهو ما يجعل من الصعب على المغرب مستقبلا إقناع البرلمان الأوروبي بتبني مقترح الحكم الذاتي حلا نهائيا للنزاع الإقليمي المفتعل حول ملف الصحراء المغربية، ويزيد مهمته تعقيدا في استقطاب الحكومات الأوروبية. وفي هذا الإطار سارع البرلمان المغربي بغرفتيه إلى عقد جلسة عامة مشتركة يوم الإثنين 23 يناير 2023 حيث قرر إعادة النظر في علاقاته مع البرلمان الأوروبي، وتبليغ رئاسته بمحضر الجلسة متضمنا مواقف ومداخلات رؤساء وممثلي الفرق والمجموعات البرلمانية، وكذا بالقرارات المزمع اتخاذها لاحقا. حيث أعرب في بيان مشترك عن أسفه لانصياع البرلمان الأوروبي لبعض الجهات المعادية داخله واستدراجه في حملتهم المضللة التي تستهدف شريكا عريقا وذا مصداقية، يضطلع بشهادة الكثيرين بأدوار متميزة في حماية حقوق الإنسان والحريات والدفاع عن الأمن والسلم الإقليمي والدولي، ويعتبر ركيزة أساسية في الاستقرار وحسن الجوار، والتفاهم بين الشعوب والحضارات والثقافات، رافضا بقوة مثل هذا الانحراف الخطير من مؤسسة يفترض فيها الرصانة والقدرة على التمييز بين الحقائق والمغالطات… إننا إذ ندين بقوة هذه الهجمة الشرسة والحملة الإعلامية المغرضة التي تقودها جهات معادية للمغرب، فإننا مطالبون أيضا برص الصفوف خلف قائدنا الملهم الملك محمد السادس، العمل على تعزيز وتحصين الوحدة الداخلية للبلاد وتقوية الدبلوماسية الموازية، دفاعا عن وحدة المغرب الترابية، من خلال تعميق التعريف بالمقترح المغربي للحكم الذاتي تحت السيادة الوطنية…