يقول الناقد المغربي فريد الزاهي عن تجربة الفنان محمد المليحي إن "التركيبة التي يقدمها لنا المليحي اليوم عصارة تجربته الفريدة، البسيطة والمركبة، التجريدية والتشخيصية، الرمزية والواقعية في الآن نفسه. إنها جغرافيا تاريخية تمنحنا جُماع الوهج الذي به اخترق عقودًا طويلة من تاريخ الفن الحديث والمعاصر بالمغرب". هذه التجربة ونماذج كثيرة منها تجتمع في معرض يؤرخ لعمله الفني المتواصل منذ ستين عامًا، ويقام حالياً في غاليري "الرواق" بالرباط ويتواصل حتى الثلاثين من الشهر الجاري. يضم المعرض لوحات من المرحلة الأولى ما بين 1958 و1964 وهي البدايات، أما المرحلة الثانية فتمتد من 1965 إلى 1980، والمرحلة الثالثة من بداية الثمانينيات إلى بداية الألفية الثالثة. يعتبر المليحي المولود في أصيلة عام 1939، من أهم رواد الفن التشكيلي العربي، درس الفن في كلية الفنون الجميلة في تطوان، في الخمسينات، وغادر لمتابعة دراسته إلى إسبانيا ثم إيطاليا فأميركا. حيت عاد المليحي إلى المغرب من رحلته المعرفية، بدأ العمل معلماً في مدرسة الدارالبيضاء التي كان يديرها التشكيلي فريد بلكاهية سنة 1962 وبعد بضع سنوات بدأ في إصدار مجلة تشكيلية مخصصة بعنوان "انتكرال". تأثرت أعمال المليحي بالهندسة المعمارية، والتراث الإسلامي بشكل كبير، لكن هذا لا يمنع حضور الأثر الأوروبي، أما الألوان فليست بعيدة عن حرارة المغرب وألوان بيوته وعمارتها وثيابها التقليدية حارة حيوية تتراوح بين الأزرق والأصفر بشكل أساسي. خلال فترة التسعينيات انقطع الفنان تقريباً عن الرسم، ثم عاد حيوياً ومتجدداً أكثر من ذي قبل، وقام في عودته الجديدة بالتركيز على رسم الجسد المؤنث. وكان الفنان عزيز أزغاي كتب عن تجربة المليحي سابقاً ووصفه بأنه "مقارنةً مع أبناء جيله والأجيال التي جاءت من بعده، يكاد ينفرد باختياراته اللونية، سواء من حيث وقعها الحار، المتناسق والمتنوع، أو من حيث توظيفها بما يلزم من دقة هندسية صارمة. اختيارات تظهر على شكل متواليات لونية مُفكّر فيها مسبقاً وبشكل مطوّل، تتكئ على نظام المقاسات الجبرية، أكثر من استسلامها لعفو الخاطر، وللانفعالات النفسية الطارئة".