توفي رائد الفن التشكيلي في المغرب فريد بلكاهية في الخامس والعشرين من هذا الشهر، بعد معاناة طويلة مع المرض، ليترك وراءه إرثا كبيرا من الأعمال الفنية على امتداد سنوات من العطاء اللامحدود. موهبة فذة ساهمت بشكل رئيس في تأسيس الحركة التشكيلية المغربية، نظرا لإمكانياته الفكرية والثقافية والإبداعية في إرساء دعائم فن تشكيلي حديث وكوني التوجه منذ خمسينيات القرن الماضي. ويحجز لنفسه مكان ضمن المبدعين الكبار الحاملين لتغيرات كبرى في التشكيل المغربي والعربي، وفي التلقي الغربي لهذا التشكيل. رأى بلكاهية النور بمراكش سنة 1934، ورحل بعدها إلى الجديدة لمتابعة دراساته الابتدائية، قبل أن يعود إلى مراكش حيث أنهى دراسته الثانوية، ووقتها كان قد بدأ الاشتغال بالتصوير الصباغي، حيث رسم بلكاهية منذ سن الخامسة عشرة "بورتريهات" بالألوان الزيتية، وهي التجربة التي سيسمّيها فيما بعد بالمرحلة التعبيرية أو مرحلة براغ. وفي 1954 أقام أول معرض له بفندق المامونية الشهير بمراكش وغادر المغرب في اتجاه فرنسا حيث أقام بمدرسة الفنون الجميلة بباريس، مدة أربع سنوات. شغفه بصقل التجربة والاطلاع على التجارب الحديثة، قاده إلى الاستفادة من برامج تكوينية في براغ وميلانو. لدى عودته إلى المغرب، شغل بلكاهية من 1962 الى 1974 منصب مدير مدرسة الفنون الجميلة في الدارالبيضاء، حيث التفت حوله نخبة من ألمع الفنانين المغاربة من أمثال محمد شبعة ومحمد المليحي ومحمد حميدي، مشكلة تيارا يساريا قويا في الحقل التشكيلي الوطني. ومن بين أبرز الأشياء التي قاموا بها كما يقول الفنان التشكيلي عزيز أزغاي أنهم أعادوا النظر في المناهج واعتمدوا مفهوم الفنون الوطنية: كالشعبية والأمازيغية وغيرها، غير ان هذا المسار لم يستمر طويلا حيث أدرك هؤلاء التشكيليون ضرورة الانفتاح على العالم. المناضل الكتوم، الموهبة الفذة، المنفتح على الجمهور.. هكذا يلخص أزغاي مسيرة بلكاهية، حيث يرى أن هذا الأخير كان من بين الفنانين النوادر الذين تكونوا في مجال التشكيل مباشرة بعد الفنانين العصاميين، وسافر ما بين عامي 1955 و1959 إلى باريس لمتابعة تكوينه في مدرسة الفنون الجميلة، وهناك التقى بصديقه الفنان التشكيلي الجيلالي الغرباوي، ثم استكمل دراستَه في العاصمة التشيكية براغ حيث تابع دراسته في السينوغرافيا بأكاديمية المسرح بالعاصمة التشيكوسلوفاكية. وهناك تعرَّف على فنان الكراكيز الشهير "طركنا"، وأيضا على شخصيات ثقافية معروفة ك"أراغون" و"رافي شنكار". ثم أصبح مذيعا بطلب من الإذاعة الفرنسية لراديو براغ. كان فريد بلكاهية، كما بقول ازغاي من الفنانين القلائل الذين لم يشتغلوا على القماش، بل اعتمد على الخشب والنحاس، وعرف عنه إصراره على أن تكون أعماله حول مجموعة من الأشياء المغربية ك"الحناء" و"الوشم المغربي" و"الزربية". بالإضافة إلى هذا فان الفقيد هو من كان وراء أول معرض للفن التشكيلي في الهواء الطلق بساحة جامع الفنا في مراكش سنة 1962 من اجل تقريب الفن التشكيلي للإنسان المغربي العادي. رحل من ناضل في صمت، رحل الفنان المحترف، رحل المهووس بالرموز.. فريد بلكاهية .