منتصف ليلة أول أمس، توفي الفنان التشكيلي المغربي فريد بلكاهية في بيته بمدينة مراكش عن سن تناهز ثمانين عاما بعد صراع مرير مع المرض، بحسب ما أعلنه الفنان التشكيلي محمد المليحي في تصريح لجريدة « اليوم24» في اتصال هاتفي أمس. لم يكن فريد بلكاهية، الذي رأى النور سنة 1934، مجرد فنان عادي دائم الارتباط بالريشة، بل كان فنانا مفكرا دائم الانشغال بالتعبيرات والمناهج التي من شأنها أن تخلق ثورة فنية في المغرب، إذ ظهر هذا النزوع الثوري، كما يكشف الباحث في الجماليات موليم العروسي، مع مستهل الخمسينيات، حيث كان واعيا بضرورة التمرد على التعبيرات الفولكلورية التي يتوارثها الحرفيون والصناع التقليديون، وكذا على الفن الاستشراقي الذي طبع تاريخ الفن خلال الفترة الاستعمارية في المغرب. وقد تصادف هذا الوعي الفني لدى الراحل بلكاهية مع احتداد مقاومة الوطنيين، وارتفاع الأصوات المطالبة بالاستقلال. ذلك أن بلكاهية ترجم ، كما يقول العروسي، أحداث الخمسينيات في مجموعة من الأعمال الفنية، التي تعكس هذا الوعي بالذات والجماعة، منخرطا في تجربة تجريدية تعبيرية استمرت فترة طويلة، إلى غاية منتصف الستينيات. كما تعكس علاقته بالأرض، كما قال المليحي. بعد ذلك، تبنى بلكاهية توجها اتخذ من أسئلة الهوية المتعددة منحى تعبيريا له، حيث تماهى مع تجربة مجلة «أنفاس»، إلى جانب مجموعة من الفنانين، خاصة محمد شبعة الذي توفي يوليوز 2013. ولعل أهم ما يميز تحولات هذه التجربة استغناؤه عن القماش، وقبله النحاس، ليحل محلهما الجلد، وتخليه أيضا عن الأصباغ، واعتماده أساسا على مواد صباغية مستخلصة من الحناء والكحل وغيرهما. بعد إقامته في «براغ» التشيكية، عاد بلكاهية إلى المغرب سنة 1962 بدعوة من النقابي المحجوب بن الصديق، ليتولى إدارة مدرسة الفنون الجميلة في الدارالبيضاء كأول مدير مغربي لها، بعد إشراف الفرنسيين عليها منذ تأسيسها. وقد عمل بلكاهية، إلى جانب ثلة من الأساتذة أمثال شبعة والمليحي وأطاع الله والحميدي وآخرين. إذ كان مشرفا على تسيير هياكلها الإدارية والتربوية إلى أن غادرها سنة 1974. وبوفاته، يكون المغرب قد خسر رائدا من رواد الحداثة التشكيلية، إذ كان بلكاهية، كما يقول صديقه وزميله محمد المليحي، رجلا عظيما لعب دورا كبيرا في تنمية الفن التشكيلي المغربي، وتطوير الثقافة الفنية والارتقاء بالحس الفني. لقد اهتم الراحل، يضيف المليحي، بالفن التشكيلي، ليس في صورته الفولكلورية، بل بصورة كانت تروم تمكين الفن المغربي من مواكبة تطورات الاتجاهات الفنية العالمية. فهذا الدور التأسيسي الذي لعبه بلكاهية، إلى جانب كل من الغرباوي والشرقاوي وشبعة والقاسمي وغيرهم، انتهى بوضع أسس مدرسة فنية حديثة ومعاصرة، أصبحت اليوم قادرة على اختراق المعارض العالمية، وآخرها معرض الفن المعاصر الذي ينظمه معهد العالم العربي في باريس ابتداءً من 13 أكتوبر المقبل.