إلتقيته في مهمة رسمية في مراكش، كان الفصل ربيعا، لكن شمس الحمراء أقرب إلى الأرض منها في تطوان، لم ألتقه منذ شهور، سمعت أنه انتقل للعمل في الرباط، و كأي غريب في مدن الله يبحث كل منا عن مؤنس، حتى أنا و منذ التحاقي بالعاصمة نقبت عن الأقران للقاءهم، و لم ألتق أحدا منهم لحد الآن. من يعيش في العاصمة ومن يواكب إيقاعها لا يمكن أن تلتقيه إلا عرضا، فالكل هنا indisponible، و حتى بعد ساعات العمل الإدارية فللكل شاغل يشغله، والويكاند غالبا ما يخصص للعودة إلى مهوى الروح تطاون، كان هو انطباعي حول كل من ينتقل للعمل هنا، خاصة من هم في بدايات مشوارهم المهني، إنهم يتغيرون، تغيرهم ربطات العنق، والإدارات المركزية، و يغيرهم إحساسهم بالتفوق، غير أن هذا الإنطباع تلاشى بشكل كلي بعدما التقيته في مدينة مراكش. على مائدة العشاء كان لنا متسع من الوقت لاسترجاع ذكرياتنا في تطوان، فخلال النهار كنا ملتزمين بما جئنا إليه. تحدثنا عن كل شيء في تطوان، أزقتها، شوارعها، مؤهلاتها، و أسباب نكوصها، عن فريق المغرب التطواني ، و عن بعض الأشخاص سألنا عن حالهم و ما صاروا إليه. تحدثنا عن إيقاع العمل بالعاصمة، شاطرني فكرة لطالما أقتنعت بها حتى يظهر العكس، فعلا صعب أن تجد لنفسك موطأ قدم في المركز، فالخطأ هنا بعشرة أضعافه في مكان آخر، خاصة إذا كان له أثر، و بقدر أهميتك هنا بقدر ما يسهل التخلص منك إن تحسس أحد موقعه منك، و بالمقابل قد تجد من يسندك و يصوبك، هي فكرتي التي شاطرني إياها قبل أن يقاطعنا نادل مطعم الفندق رافضا و بأسلوب فظ أن يحضر لنا كوب ماء، و ليعلوا صوت جليسي حد الشنآن قبل أن يسكته مسؤول في الفندق معتذرا ، و ليحضر قنينة ماء معدني.