المغرب التطواني.. بطل ونص كانت لأول نسخة من البطولة الإحترافية عذوبتها، سحرها، رونقها وإثارتها، فما أذكر في التاريخ الحديث للبطولة الوطنية إلا القليل القليل الذي أتانا كجماهير، كعاشقين وكمتلهفين لكل ما هو ساحر بما يشفي غليل الإثارة.. وكان المغرب التطواني حامل درع أول نسخة من البطولة الإحترافية، بطلا كامل الأوصاف، إستحق ذلك لأنه كان الأكثر تميزا والأكثر سحرا والأكثر ألقا.. لن تجد بين الملايين الذين رحلوا بعيونهم وبمهجهم لمركب الأمير مولاي عبد الله لمراقبة من بين الهلاليين، هلال المغرب التطواني وهلال الفتح الرباطي سيطلع في سماء العاصمة منتشيا، جذلانا ونيزكا، من يقول بأن الدرع لم يختر الأفضل وبأن لقب البطولة لم يذهب لمن يستحقه.. فبرغم أن الفتح قدم للأمانة موسما بطوليا بكل المقاييس إلا أن المغرب التطواني كان جديرا بالتاج الذي وضع على رأسه، بقلادة الشرف التي رقصت على صدره وبالدرع البطولي الذي أدخله التاريخ. كان تتويج المغرب أتلتيك تطوان إنتصارا أولا لكرة القدم الجميلة، وثانيا لروح بطولية سادت كل مكونات الحمامة البيضاء وثالثا لمنظومة، لاستراتيجية ولنسق عمل أبدعه من هم في قمة الهرم يخططون، يتدبرون وعلى هدي الإحترافية يسيرون. بالقطع ليس كل الأبطال مبدعين، وليس كل الفرق تصل إلى الدروع والتيجان والبطولات بكرة قدم جميلة تكرس الأداء الراقي كأسمى وسيلة للوصول إلى الغايات، ففي تاريخ كرة القدم أندية قدمت صورا ملحمية وفريدة في روعة الأداء ولم تنل شيئا، لذلك يهنأ المغرب التطواني على أنه تمسك بكرته الجميلة، عض عليها بالنواجد ومشى في دروب مظلمة وأنفاق مميتة وليس له غير كرته الجميلة تمثل له قبسا من نور وومضة من ضوء.. هذه الكرة الجميلة التي هي قمة إبداع التوازنات صممها بفكر تقني متنوع الإطار الوطني عزيز العامري الذي كنت دائما أراه بحجمه وبمقاسه وبرؤاه وخيالاته المدافع الأول على كرة قدم مؤسسة في قاعدتها على البعد الجمالي الذي لا يربط الفرجة بالإستعراض، ولكن يربطه بتناسق الأداء، بانسيابيته وبمطابقة الخامات الفنية للاعبين مع مضمون النهج التكتيكي. مر عزيز العامري في بلورته لهذا المفهوم الثوري أكثر منه السيوريالي بمحطات كثيرة، بعضها أسعفه في تقديم نفسه وفلسفته ومنهجه في الحياة من دون أن يبلغ في ذلك المكانة التي يستحقها وبعضها الآخر كسر ضلوعه ورماه في غياهب الإخفاق الممنهج، ومع ذلك ظل العامري لصيقا بمذهبه التقني إلى أن كان مجيئه إلى المغرب التطواني بحذاقة وبعد نظر ورجاحة عقل رئيسه الحاج عبد المالك أبرون، فتيسرت له كل الظروف ليجني أولا ثمار الصبر وينتصر ثانيا للوفاء ولقيم البقاء على العهد والثبات على المبدأ مهما قويت الأعاصير. والجميل في كرة القدم التي فهمها العامري ووثق بها وجعلها مقوما أساسيا في فكره التقني ومذهبا في فلسفته هو هذا التمازج الرائع بين حالات المد والجزر التكتيتكيين والذي يجعل من الهدم الدفاعي بنفس رتبة الجمال والسحر التي هي للبناء الهجومي. كرة القدم التي تعرف بعزيز العامري وتكتب إسم المغرب التطواني على رمال البطولة، كرة قدم تؤمن إلى حد كبير بالمطابقة، مطابقة النهج التكتيكي في كل الأشكال التي يأتي بها مع العناصر الذين هم جوهر المنظومة البشرية، ويكون دالا على عبقرية هذا النهج أنه قاد المغرب التطواني في السنة الأولى لإعادة الميلاد إلى الفوز بلقب البطولة، فكلنا يذكر أن المغرب التطواني كان الموسم الماضي بفعل رجة قوية زعزعت كل أركانه قريبا من النزول إلى القسم الثاني، وعندما نجح العامري بمعية الربان الأول في تخليص الحمامة من السقوط المريع إلى قسم المظاليم، توجه رأسا بتفويض مباشر إلى مباشرة عمل هيكلي كانت طريقه طويلة وشاقة ومضنية ولكن بالصبر وبالإيمان جاءت الثمار، ثمار النجاح سريعة.. وطبعا ما كان لهذه الفورة الجميلة أن تكتمل بإشاعة ضوء البطولة لو لم تلتحم مكونات أسرة المغرب التطواني، لو لم يشدها إلى بعضها البعض وثاق واحد، لو أن كل الألوان لم تتناسق لتقدم في النهاية تلك اللوحة الرائعة وذاك الفسيسفاء الجميل الذي شاهدناه مساء يوم الإثنين والآلاف من الجماهير التطوانية تنتقل إلى الرباط لتكمل مسيرة الفريق نحو إنجازه التاريخي.. قطعا ما كان ممكنا أن ينجح المشروع الكروي للمغرب التطواني في زمن قياسي لو لم ينشر الجمهور التطواني كل أجنحته، أجنحة الحب والمساندة اللامشروطة والثقة الكاملة بالفريق لتنجح أخيرا حمامة تطوان في التحليق عاليا، إلى أبعد نقطة في تاريخها، إلى حيث يتربع الأبطال أرائك المجد والبطولة. ولأن مبتدأ أي قصة كفاح وأي رحلة نحو المجد، هو الربان الأول، فإن أول الفضل بعد فضل الله سبحانه وتعالى هو للحاج عبد المالك أبرون الذي راهن في أول يوم تقلد فيه رئاسة المغرب التطواني وهو ينجح ثورة ضد حالات النكوص التي رمت به للقسم الثاني، على وضع مشروع حداثي يضع المغرب التطواني على سكة المقاولة ليتشبع وبشكل إستباقي بالروح وبالقيم الإحترافية. وبرغم ما تعرض له الحاج أبرون ومعه خلية عمله التي تشكلت ممن توسم فيهم الوفاء، برغم ما تعرض له من كسر عظم ومن تضييق للخناق وتحريض على اليأس، فإن الرجل صنع من الضيق فسحة أمل للعمل ومن كل ظلام اليأس أعينا من نور، مشى بصبر مكابدا فوق الأشواك وفوق كل المعطلات، أخطأ مرات من دون قصد في حق نفسه، بلغ مرات حد الضجر، ولكنه في كل مرة كان يجد ما يسلحه ضد صناع الفشل وضد أعداء النجاح، لينتصر لنفسه، لمشروعه، لحلمه وأيضا لحبه الذي لا مساومة فيه لمدينته تطوان.. في جملة واحدة، نجاح المغرب التطواني، هو نجاح لفكر المقاولة ونجاح لمشروع رياضي متطابق ونجاح لتوليفة جميلة توزعت معها الأدوار بدقة متناهية، فجاء العزف سمفونيا لا نشاز فيه.. هو نجاح للكرة الجميلة ليس أكثر ولا أقل.