يعيش المغاربة كسائر سكان دول العالم على تداعيات جائحة ” فيروس كورونا ” تطال جل المجالات الاقتصادية والاجتماعية والصحية وغيرها ، فمنذ منصف شهر مارس قامت السلطات ببلادنا بفرض الحجر الصحي على المواطنين وبقاءهم في المنازل ( والسماح فقط لفرد واحد من كل أسرة للخروج ، وبترخيص ، لقضاء حاجات الأسرة المعاشية ) ، كما شمل قرار الحجر إغلاق مختلف المؤسسات الاقتصادية والتجارية والخدماتية والاجتماعية مخافة انتشار عدوى الفيروس نتيجة احتكاك المواطنين بعضهم ببعض . أجبر قرار الحجر الصحي المواطنين أيضا عدم الانتقال بين المدن والقرى وإقفال الحدود البرية والبحرية والجوية وعدم السماح للوافدين من الخارج الدخول إلى البلاد رغبة في عدم انتشار هذا الوباء وذلك اقتداء بجل الدول وبتوصيات المنظمة العالمية للصحة وهذا يعني تعطيل عمليات الانتاج وتخفيض الاستهلاك ونشاط المستخدمين والعمال وفقدان خزينة الدولة لأغلب مصادر مداخليها . يبدو أن رفع الحجر الصحي لن ينتهي قريبا وسيكون مرحليا وألا تعود الأمور كما كانت من قبل إلا بعد أسابيع وشهور ، وهذا معناه أن البلاد ستمر بمرحلة صعبة نتيجة تراجع عمليات الانتاج والاستهلاك والمداخيل . واقع قطاع السياحة لقد كان لقرار الحجر الصحي تداعيات مهمة على القطاعات الاقتصادية والاجتماعية وخصوصا على قطاع الخدمات وتعطيل النشاط السياحي ، وتسبب القرار في إغلاق الفنادق والمطاعم والمقاهي الخ. وعدم فتح أبوابها في وجه الزبناءالمواطنين والسياح الوافدين من الخارج ، وهذا معناه أيضا تعطيل نشاط المقاولات السياحية وعمل المهنيين والمستخدمين بالقطاع السياحي ، أي تعطيل نشاط إحدى أهم القطاعات الاقتصادية والاجتماعية بالبلاد ومساهمتها بحوالي 10 في المائة من الناتج الخام الداخلي ، وحرمان البلاد من جزء مهم من مواردها من العملة الصعبة، وتعريض آلاف أصحاب المؤسسات وأصحاب المقاولات السياحية لخطر الافلاس ، ومئات الآلاف من المستخدمين للبطالة ، زد عل ذلك تعطيل عمل مئات الآلاف من المستخدمين الآخرين في القطاعات الأخرى التي لها علاقة بالسياحة كالصناعة التقليدية والنقل والبناء والتوزيع الخ. تشير إحصاءات الوزارة المكلفة بالسياحة إلى أن عدد المؤسسات الإيوائية السياحية المصنفة بلغ سنة 2018 ما قدره 4044 وحدة تشمل المآوي والملاجئ والإقامات والموتيلات والبنسيونات والقرى والرياضات والفنادق ودور الضيافة بمختلف أصنافها تضم 123487 غرفة بها 261256سرير وأن أغلبها بمراكش ثم أكدير ثم الدارالبيضاء ثم طنجةوفاس والرباط الخ. وتشير إحصاءات مصالح هذه الوزارة إلى أن عدد السياح الوافدين بلغ سنة 2019 حوالي 12 ,29مليون سائح ( من بينهم 5.8 مليون من المغاربة المقيمين بالخارج أي حوالي 48من إجمالي الوافدين ) ، وأن عدد المبيتات السياحية بهذه المؤسسات السياحية وصل خلال هذه السنة 25.24 مليون ليلة كانت أغلبها بمراكش 8.34 مليون ليلة ، ثم بأكدير 5.75مليون ليلة ، ثم بالدارالبيضاء2.15 مليون ليلة ، ثم طنجة 1.43 مليون ليلة ، ثم فاس 1.17 مليون ليلة ، ثم بالرباط 785ألف ليلة الخ . وتشيرهذه الإحصاءات استنادا إلى معطيات مكتب الصرف إلى أن العائدات المالية لقطاع السياحة بلغت سنة 2019 ما قدره 78.65 مليار درهم مقابل 73.04 مليار سنة 2018 ( المصدر الثاني لمداخيل البلاد من العملة الصعبة ) ، هذا دون احتساب مداخيل أخرى بفعل النشاط السياحي التي حققها قطاع الصناعة التقليدية وإيرادات الخطوط الجوية والمستثمرين الأجانب . على المستوى الاجتماعي يعمل مئات الالاف من المستخدمين في المؤسسات والمقاولات السياحية1 تم تقديره بنسبة 5 في المائة بالنسبة للعاملين الناشطين2 ، أما المستخدمين بصفة غير مباشرة بقطاعات النقل والبناء والصناعة التقليدية فيقدر ما بين 2 و 5 أضعاف3 ، هذا بالإضافة إلى المستخدمين الآخرين بالمؤسسات الإيوائية الغير مصنفة وبالمطاعم والمقاهي الخ. وهذا يعني أن نسبة حوالي10 في المائة من الطبقة العاملة تعمل بالنشاط السياحي والمجالات التي ترتبط به تعطلت عن العمل . السياحة كرافعة تنموية تجدر الإشارة إلى أنه منذ منصف عقد الستينات من القرن الماضي ، ونظرا لما تتوفر عليه البلاد من مؤهلات سياحية ، واقتداء بدول قريبة كإيطاليا وإسبانيا وفرنسا ، راهنت مختلف الحكومات المتعاقبة على حكم البلاد على النهوض بالسياحة لتحقيق التنمية والاقتصادية والاجتماعية وقامت بالعمل بمخططات سياحية خلال عقود الستينات والسبعينات والثمانينات ثم باستراتيجيتي 2010 و2020 تضمنت برامج شملت إحداث المناطق السياحية وشركات لإعدادها لاستقبال الاستثمارات السياحية ، ودعم التجهيزات التحتية وإحداث المؤسسات الإيوائية والمقاولات السياحية ، وتوفير وسائل النقل وتشجيع اقتنائها كالطائرات وحافلات النقل السياحي وغيرها بمختلف مناطق البلاد ، وفتح المعاهد والمدارس ومراكز التكوين المهني السياحي ، ودعم مجالات الترفيه والتنشيط السياحي عن طريق إحداث موانئ الترفيه والأندية الليلية والكازينوهات وملاعب الكولف وتنظيم المهرجانات ، والقيامبحملات الدعاية والإشهار لجلب السياح الأجانب ، هذا بالإضافة إلى جملة من القوانبن التشريعية وتدابير إدارية لتحسين مجالات الاستقبال السياحي . إن هذه التدابير التنموية والتشريعات القانونية وغيرها والرهان على السياحة أعطيت لها الأولوية لتحقيق التنمية الشاملة تضمنتها المخططات السياحية خلال فترة الستينات والسبعينات والثمانينات من القرن الماضي وتضمنتها أيضا استراتيجيتي 2010 و2020 وكان لها دعم كبير من النظام ومن الأحزاب والقطاع الخاص رغبة في تحويل المغرب إلى إحدى أهم الوجهات السياحية في العالم كما هو الشأن ببعض الدول القريبة كفرنسا وإسبانيا وإيطاليا الخ. لا شك أن هذه التدابير كلفت الدولة الكثير من الأعباء الأدبية والمالية وأسفرت عن تحقيق العديد من النتائج الإيجابية فقد انتقل : – عدد الأسرة بالمؤسسات الإيوائية السياحية المصنفة بالبلاد من 13483سرير سنة 1964 إلى261256سرير سنة 2019 ، – عدد الوافدين الغير مقيمين من1.19 مليون سنة1972 إلى12 ,29 مليون سنة 2019، و – عدد المبيتات السياحية بالمؤسسات الإيوائية المنصفة من7.8 مليون ليلة سياحية إلى25.24 مليون – عدد العاملين بالقطاع السياحي بصفة مباشرة وغير مباشرة انتقل من بضعة مئات إلى ما يناهز 10 في المائة من الطبقة النشيطة العاملة في البلاد يمكن تقديرها بحوالي مليون شخص، – عدد المهنيين السياحين من أصحاب المقاولات والمرشدين إلخ. انتقل من بضع عشرات إلى حوالي 5000 أو يزيد . يمكن القول أن المغرب أصبح من الوجهات السياحية بدول حوض المتوسط ومن أهمها بإفريقيا ، ويمكن القول أن النتائج قد تكون أهم بكثير لو أن برامج المخططات السياحية خلال القرن الماضي وبرامج استراتيجيتي2010 و 2020 كانت قوية وأمكن تحقيقها4. 1 حسب بعض المعطيات أزيد من 600 ألف 2 حسب إحدى تقارير وزارة السياحة سنة 2014 ، وأن عدد العاملين بالقطاع يقدر ب 450 ألف سنة 2010. 3 حسب تقارير وتوصيات المنظمة العالمية للسياحة 4 هذه البرامج بتفصيل ونتائجها تضمنتها كتب : – التنمية السياحية بالمغرب : واقع وأبعاد ورهانات . إسماعيل عمران . أكتوبر1425ه/2004 – التنمية السياحية بالمغرب :تطلعات وتحديات ومفارقاتإسماعيل عمران .18يونيو 2009. – السياسة السياحية بالمغرب : إشكاليات وتداعيات وبدائل إسماعيل عمران . فاتح مارس2018 يتبع..