نظرا للروابط الجغرافية، والعرقية، والثقافية التي تجمع بين البلدين المتجاورين ظل المغرب والجزائر على مدى قرون عديدة كالقطر الواحد، حيث كان سكان القرطين ينتقلون بحرية تامة، لا يفصلهم عن النقل والتنقل بين هذا لابلد وذلك أدنى حاجز. وكانت لهذه الهجرة السكانية أبلغ الأثر في التلاقح، والامتزاج، والتأثير، وتأثر. وهكذا كان الإنسان الجزائري وما يزال على حد الآن، يحط الرحال بالمغرب على إثر أي نازلة حلت به. فكان يجد سعة الصدر والسلوة والسلوان لقد كان المغرب دوما، محط استقطاب للأفراد والدماعات، من سائر انحاء الدول العربية وخاصة من الجزائر. وأسطع نموذج على ذلك، الهجرة الكبرى للجزائريين والعثمانيين على إثر الاحتلال الفرنسي لبلدهم سنة 1830م حيث أخذت أفواج منهم ترد على المغرب برا وبحرا. ففي الفترة الحالكة من تاريخ الجزائر أي سنة 1830م سجلت تطوان صفحة من أورع الصفحات في التآزر المغربي الجزائري، حيث قامت بدور تاريخي سجله لها التاريخ بمداد الفخر والاعتزاز، إذ لم يقف أهلها عند حد التعبير عن عواطفهم الجياشة، بل قاموا بما يتطلبه الموقف الحرج أحسن قيام، بدءا باستقبال الأسر والأفراد والمهاجرين إلى تقديم المساعدات المادية والمعنوية وحتى العسكرية، يقول التهامي الوزاني في هذا الصدد: أخذ الأمير عبد القادر يستنجد ويكاتب أعيان المغرب وعلماءه، فكان من جملة من يكاتبهم في ذلك، الشيخ سيدي محمد الحراق الذي كان كغيره من العلماء وباقي المسلمين يعطفون على الجزائر وجهادها، وكان التطوانيون بالخصوص لهم عطف زائد على إخوانهم في الجزائر حيث كان تصلهم الانباء عن قرب بلاد الريف. وقد عرف الجزائريون أن المغاربة التطوانيون يشاركونهم في ألمهم، فطفق أهل العلم والخير وقوم من المستضعفين يلتجئون إلى تطوان فكانوا يصلونها أفرادا وجماعات في أوقات مختلفة، فادخلوا معهم إلى تطوان العوائد التركية وكثيرا من ثقافة الجزائر واخلاقها. فأخذ التطوانيون ياخذون عنهم الحضارة التي جاءوا بها وكان التطوانيون يحسنون إلى المستضعفين من المهاجرين. لما كانت تطوان في مقدمة المدن المغربية، التي إنتقل إليها عدد كبير من أهل الجزائر ونواحيها وكذلك مدن اخرى، مثل: قسطنطينة، ومستغانم، ووهران، فقد كان مهاجروها محط إهتمام خاص من لدن المخزن، لأن عددا مهما منها كان من الفقراء، لذا لم يتوان السلطان المغربي مولاي عبد الرحمان بن هشام في البر بهم، والعمل على تلبية مطالبهم، وإعانتهم على الاستقرار والاستيطان بالمدينة. وقد ذكر المؤرخ أحمد الرهوني، عددا لا بأس به من الأسر الجزائرية التي أقامت بتطوان في كتابه » عمدة الراوين في تاريخ تطاوين » وخاصة الجزء الثالث منه. كما أن المؤرخ التطواني الكبير محمد داود، لم يهمل هذه الموضوع، فجاء كتابه تاريخ تطوان طافحا بالوثائق والمعلومات، عن ظروف وملابسات هجرة الجزائريين إلى تطوان واستقرارهم بها، ومن ذلك، إثباته للائحة بأسماء الأفراد الجزائريين والعثمانيين الاصل الذين هاجروا إلى تطوان. فكان لهذه الهجرة، دورا أساسيا في إدخال تأثيرات اجتماعية ثقافية وحضارية إلى تطوان. يقول محمد التهامي الوزاني في هذا الشان: فأدخلوا. أي الجزائريون معهم إلى تطوان العوائد التركية وكثيرا من ثقافة الجزائر وأخلاقها. فأخذ التطوانيون عنهم الحضارة التي جاءوا بها وضموها إلى الحضارة الاندلسية المغربية التي كانت موجودة بالبلد. (يتبع) بريس تطوان، بنقلا عن كتاب: الجزائريون في تطوان خلال القرن 13 ه/19م. مساهمة في التاريخ الاجتماعي للمغرب الكبير