قراءة في كتاب: "الصحافة بشمال المغرب من التأسيس إلى الاستقلال" للأستاذ النقيب محمد الحبيب الخراز مع حملة نابليون على مصر، انتقل الكثير من الثقافة الغربية إلى الثقافة العربية، من بينها فكرة الصحافة المكتوبة وإصدار الجرائد، فنشأت صحيفة "التنبيه" أول صحيفة عربية، وقد ساهم المترجمون اللبنانيون في تحريرها بشكل كبير. أما أول صحيفة عربية يصدرها عربي باسمه فهي جريدة "السلطنة" التي أنشأها اللبناني إسكندر شلهوب في اسطنبول عام 1857، ثم نقلها إلى القاهرة ولكنها لم تعمر سنة واحدة. ونتج عن اختلاط اللبنانيين المبكر بالأوروبيين وتأثرهم بهم تفوقهم في مجال الصحافة. ويعتبر الكثير من المؤرخين أن بداية الصحافة العربية الحقيقية جاءت على يد خليل الخوري بصحيفته الشعبية "حديقة الأخبار"، حيث أن كل ما سبقها كانت جرائد حكومية تنشر آراء الحكومة دون غيرها. وجاء قانون الصحافة الذي صدر في مصر سنة 1881 ليقيد طباعة الصحف بشكل كبير، مما سبب إحباطاً للعاملين بالصحافة المصرية، وكان ذلك يصب بالطبع في مصلحة الاحتلال البريطاني الذي كان يملك السيطرة التامة على الإعلام. وحتى يومنا هذا مازالت للرقابة سلطة كبيرة في العديد من الدول العربية، في الوقت الذي فتحت فيه الصحافة التلفزيونية والصحافة الإلكترونية على الإنترنت المجال واسعاً لكل من يريد التعبير عن رأيه بكل صراحة. عرف المغرب الصحافة كمهنة، مع ظهور معالم التنافس الاستعماري الأوروبي على منطقة غرب إفريقيا. حيث أول جريدة صدرت بالمغرب كانت سنة 1236ه/ 1820م باسم " المتحرر الإفريقي" عن السلطات الإسبانية، وذلك بمدينة سبتةالمحتلة. وأول جريدة باللغة العربية كانت بمدينة طنجة، حيث صدر العدد الأول فيها سنة 1307 ه/ 1889م باسم "المغرب". وفي سنة 1904م ظهر أول عدد من "السعادة". ولما كانت مدينة طنجة، المدينة التي تلتقي فيها جميع الأطراف المتصارعة، فقد كانت الساحة التي ظهرت بها متطلبات الصراع بين الدول الطامعة. ومن ذلك: تأسيس مؤسسات إعلامية في شكل صحافة مكتوبة لإيصال وجهة نظرها في عديد من المسائل الدولية الساخنة والمغرب أحدها. ولذلك يمكننا أن نقرر أن الصحافة جاءت مع الحملات الاستعمارية، وأخذها المغاربة بعد استيعاب بعض من تقنياتها مؤسسين بذلك صحافة محلية تعبر عن الاتجاه الوطني في معظم القضايا بجانب ما أسسه الاستعمار بعد أن أعطى لوجوده طابعا شرعيا. ولما كانت الصحافة الوطنية هي صحافة الأحزاب السياسية، أو صحافة الأفراد ذوي الإمكانيات المحدودة، فإن أطرها والذين كانوا يشتغلون بها هم أولئك الذين كانوا يتطوعون بصفة تلقائية كمحبين للهيئة التي ينتمون إليها. وهكذا نلاحظ أن الممارسين للكتابة الصحفية كانت مكتوبة أم مسموعة كانوا من المتعلمين ذوي الثقافة المتوسطة. وهذا ما سيتطرق إليه المؤلف الأستاذ النقيب محمد الحبيب الخراز في كتابه القيم "الصحافة بشمال المغرب من التأسيس إلى الاستقلال" من يكون محمد الحبيب الخراز؟ الأستاذ محمد الحبيب الخراز من مواليد مدينة تطوان يوم فاتح ماي 1941، درس بالكتاتيب القرآنية بتطوان، ثم بالمدرسة الفرنسية، فمدرسة محمد الخامس التي حصل منها على الشهادة الابتدائية، ثم معهد القاضي عياض حيث حصل على شهادة الدروس الثانوية سنة 1960/1961، ثم عين في نفس السنة مراسلا لجريدة العلم بتطوان على عهد مديرها المرحوم قاسم الزهيري، وما زال مراسلا لها مما يعد أقدم الصحافيين بتطوان. وبعد أن حصل على شهادة البكالوريا سنة 1964 التحق بجامعة محمد الخامس بالرباط –قسم قانون خاص- حيث نال الإجازة في الحقوق سنة 1967، وفي نفس السنة التحق بمهنة المحاماة بتطوان، ومن سنة 1970 إلى 1976 انتخب عضوا بالمجلس البلدي بتطوان عن دائرة حارة العيون في عهد رئيسه العلامة التهامي الوزاني. وفي سنة 1980 أصدر جريدة "صوت الأمة" الأسبوعية. وانتخب سنة 1995 نقيبا لهيئة المحامين بتطوان، ثم انتخب سنة 1998 النائب الأول لرئيس المجلس البلدي لدائرة الأزهر، ثم رئيسا للمجموعة الحضرية لتطوان، وفي هذه الفترة عرف عيد الكتاب مكانه الصحيح بمدينة تطوان، حيث كان مدعِّما أولا لهذا العيد حيث كانت هذه الفترة تستقبل تطوان أشهر المفكرين والمؤلفين والكتاب من مختلف بقاع العالم، وكان من تنظيم نادي الكتاب لكلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان المشكل من الدكتور مصطفى حنفي ورئيس المكتبة الأستاذ أحمد اعلالن وعبد ربه كاتب هذه السطور محمد عادل التريكي وثلة من الأساتذة والإداريين بالكلية عاملين بكل جدية ومثابرة لإنجاح هذا العيد بما في الكلمة من معنى. كما انتخب الأستاذ محمد الحبيب الخراز عضوا بالمجلس الجهوي طنجة-تطوان وعين مندوبا للجنة الاقتصادية والاجتماعية وإنعاش الشغل لمجلس نفس الجهة. ويعد من المؤسسين الأوائل لفرع الجمعية المغربية للكفاح الفلسطيني. وللمؤلف أنشطة متعددة في العمل الجمعوي، كان له شرف زيارة فلسطين بدعوة كريمة من الزعيم الرحل ياسر عرفات سنة 2000، وتوقيع أول اتفاقية بين مدينة نابلس ومدينة تطوان، وهو كاتب وباحث في العديد من الجرائد والمجلات الوطنية والجهوية والمحلية، ولا أنسى هنا أنه كان مستشارا للتحرير في المجلتين اللتين كنت أديرهما وهما "مجلة قضايا" و"مجلة آل البيت" حيث كنت لا أتقدم بعمل صحفي إلا وآخذ برأيه السديد الذي كان يوجهني فيه دائما إلى الصواب ثم إلى النجاح. نبذة عن كتاب "الصحافة بشمال المغرب من التأسيس إلى الاستقلال": بعد إصداره سنة 2008 كتابا في مجلدين عن "سفراء تطوان على عهد الدولة العلوية" الذي أضاف كثيرا للعمل الدبلوماسي المغربي، وإصداره سنة 2009 كتابا عن "الأجواء الموسيقية بتطوان وأعلامها" والتي حظي المؤلف بتقديمها شخصيا لجلالة الملك محمد السادس بمناسبة احتفالات الشعب المغربي بذكرى عيد ميلاده في سنة 2009 بالقصر الملكي العامر بتطوان، يطالعنا الأستاذ محمد الحبيب الخراز هذه المرة بكتاب آخر وهو "الصحافة بشمال المغرب من التأسيس إلى الاستقلال" سنة 2012. هذا الكتاب المؤلف من 554 صفحة من الحجم الكبير، فهو مجلد ضخم يحوي بين دفتيه عمل شاق ومضني ليس بالسهل أن يؤرخ لمهنة المتاعب منذ الفترة الاستعمارية لمنطقة الشمال إلى فترة ما بعد الاستقلال. فهو طاقة من الصبر الخلاق كما ذكر الأستاذ خالد مشبال في التقديم الأول للكتاب، وهو الريادة والاستيعاب كما وصفه العلامة الدكتور حسن الوراكلي في التقديم الثاني للكتاب، فيسترسل ويقول: "فأما الريادة فتتمثل في سبقه إلى الاشتغال بتاريخ الصحافة في المنطقة الشمالية على نحو لم نعرف له نظير فيما عرفناه من أعمال....وأما الاستيعاب فيتمثل في غناء مضمونه من حيث إطاره المكاني والزماني واللغوي..." وقام المؤلف بتقسيم الكتاب إلى أربع مراحل متعاقبة للصحافة التي مرت بشمال المغرب كالآتي: المرحلة الأولى: الصحافة الإسبانية بمدينة سبتة المغربية المحتلة وتضم 79 صحيفة. المرحلة الثانية: الصحافة الإسبانية بمدينة مليلية المغربية المحتلة وتضم 62 صحيفة بالإضافة إلى بعض الصحف التي كانت تنشر بمدن: الحسيمة ووادي لو والناظور وهي 11 صحيفة. المرحلة الثالثة: الصحافة الإسبانية والعربية بكل من القصر الكبير 3 صحف وأصيلة صحيفتان وشفشاون 6 صحف والعرائش25 صحيفة وتطوان147 صحيفة. المرحلة الرابعة: الصحافة الدولية والوطنية بطنجة، وبها في مرحلة قبل الحماية 12 صحيفة إسبانية و6 صحف فرنسية وصحيفتان إنجليزية وصحيفة واحدة ألمانية و11 صحيفة عربية ومغربية. أما في مرحلة الحماية فنجد 40 صحيفة إسبانية و 21 صحيفة فرنسية و3 صحف إيطالية و 8 صحف عربية، وأما في مرحلة بعد الإستقلال فذكر المؤلف 10 صحف عربية. وفي الختام ألقى المؤلف نظرة عامة بذكره لبعض الصحف العربية المغاربية والمشرقية التي صدرت في فترات مختلفة على امتداد 150 سنة بعد جهد شاق وعسير كلف الكثير من الوقت والصبر –كما صرح المؤلف بنفسه- لجمع المادة الخام لأسماء الصحف ومؤسسيها مستعينا بمحفوظات المكتبة العامة بتطوان، ومكتبة الأستاذ محمد داود والمكتبات الخاصة لبعض المثقفين بالمدينة، وكذا مكتبة المؤلف الخاصة. منهجية الكتاب: اعتمد المؤلف في كتابه هذا، منهج التعريف والاستقراء لجميع الصحف الصادرة في فترة ما قبل الحماية وأثناءها وبعد الاستقلال، ذاكرا اسم الصحيفة وسنة التأسيس واسم المطبعة التي قامت بطبع الصحيفة وتوقيت الصدور (يومية/شهرية/فصلية) وحجمها بالسنتيمتر وعدد صفحاتها وسنة التوقف مع التعريف بمؤسسها وأحيانا التعريف برئيس تحريرها أيضا، مع صورة للصحيفة ومديرها. هدف الكتاب: فكان الهدف الذي قصده المؤلف من كتابه "الصحافة بشمال المغرب من التأسيس إلى الاستقلال" هو التأريخ للعمل الصحفي بالمنطقة الشمالية، وإبراز عمل سلطة السلط -كما أسميها أنا، لا السلطة الرابعة كما يسميها الجميع- ورجالاتها. إنها مسيرة العمل النضالي الصحفي ببلادنا قطعت مسافات وأشواط–كما يقول المؤلف- ولاقت ما لقته من الاعتداءات في المال والأرواح، والجهد المضني لتشق الطريق لبناء صحافة مغربية، حرة، ونزيهة، وجادة في خندق الدفاع عن الحرية والكرامة والإنسان المغربي، تحترم فيها سلطة الرأي بدون قيود مفروضة أو سدود مرفوعة، أو تهديدات منصوبة لكي لا تذكرنا بعهود الاستعمار البائدة، التي عاشت في ظله الصحافة الوطنية محرومة من الإمكانيات، ممنوعة من التعبير الحر، مقيدة بالقوانين الجائرة. *** وأخيرا لي الشرف الكبير أن أكون أول من قرأ لهذا الكتاب قراءة خفيفة وسريعة، فقد قال فيه من هم أكبر مني سنا ومعرفة، بما فيه الكفاية عند تقديمهما لهذا المجلد الضخم ولم يتركا لي ما أضيفه، وهما الشيخان الجليلان: خالد مشبال وحسن الوراكلي اللذين لهما الباع الطويل في مجال الإعلام والصحافة والحنكة المحنكة في مجال الصحف والجرائد. ولكني هنا أحاول أن أدلي برأيي في المجلد التاريخي للصحافة في شمال المغرب لكوني قريب من الأستاذ محمد الحبيب الخراز الذي أعتبره بمثابة الأب الروحي ولما له فضل علي في مجال الثقافة والصحافة على وجه عام. وأردت أن أعطي لهذا الرجل المعطاء حقه في مجال الثقافة والإعلام بالمدينة وهو اعتراف أشهد الله عليه لما الرجل من الغيرة الشديدة على الثقافة بهذه المدينة الحبيبة. وأقول أيضا أن الكتاب ستعاد كتابته بمداد من ذهب في المستقبل، ويبقى قيمة مضافة إلى المكتبة المغربية خصوصا وإلى المكتبة العربية والعالمية بوجه عام، كونه يؤرخ للصحافة الدولية التي وجدت في مرحلة ما قبل الحماية إلى عهد الاستقلال. كما أنه مفيد لكل مثقف ومهتم في هذا المجال ومرجع أساسي وضروري لكل طالب في شعبة الإعلام والصحافة، وكونه يعد من الكتب الإعلامية المختصة في التأريخ للصحافة بشمال المغرب. وتعتبر مسألة الكتاب الإعلامي المختص مسألة تهم جميع كليات ومعاهد الإعلام في البلدان العربية، فالملاحظ غياب شبه كامل للكتاب المختص، ومكتباتنا العربية مفتقرة إلى عديد من الكتب المختصة في مجال علوم الإعلام والاتصال، اللهم من بعض المؤلفات التي تعالج الجانب التقني من العملية الإعلامية كفن الإخراج الصحفي، وكفن كتابة المقال، وإدارة الصحف... الخ. وفي مجال هذه المؤلفات يقع الاعتماد على جانب الممارسة دون مراعاة لمنهجية البحث العلمي. فليست هناك مؤلفات تهتم بعلاقة علم الإعلام بالعلوم الأخرى كعلم الاجتماع والتاريخ والاقتصاد وعلم النفس، أو بالعلوم المركبة كعلم الاجتماع الإعلامي أو علم النفس الإعلامي، إلى غير ذلك، في حين أن المكتبات الأجنبية مليئة بعديد من المؤلفات التي هي خلاصة لبحوث معمقة ولنقاش جاد في هذا المضمار. إن جامعاتنا لم تتَّبع في مجال الإعلام ما تتَّبع في العلوم الأخرى، حيث تم الالتجاء إلى الترجمة التي أفادت كثيرا من العلوم إفادة بالغة. فحركة الترجمة العربية لم تلتفت إلى عدد من البحوث القيمة، التي أُنجزت من طرف مراكز البحوث أو من طرف أشخاص مختصين في علوم الاتصال، وهذا باستثناء مؤلفات اليونسكو المتعلقة بالإعلام التي يتم ترجمتها من حين لآخر. إننا مدعوون أكثر من أي وقت مضى للتركيز على البحوث العلمية في ميدان الاتصال وتشجيع القيام بها وطبعها وتعميمها على القطاعات الدراسية في هذا المجال. كما أننا مدعوون لتنشيط حركة الترجمة للمؤلفات القيمة والبارزة المتعلقة بالاتصال والإعلام. ونعتقد أن المادة الأولية موجودة للإعلان عن البداية. إذ أن مختلف المعاهد والكليات الإعلامية في الوطن العربي وخصوصا معاهد الإعلام بالمغرب العربي يقوم طلبتها ببحوث ميدانية على مرحلة الإجازة والماجستير والدكتوراه قد يكون من بينها ما يصلح للطبع والنشر والتعميم، واعتماده كمراجع في ميدان علوم الإعلام. وعلينا أن نوجِّه الدارسين إلى تقسيم المهام في البحوث الإعلامية حتى لا يضيع الجهد وتتكرر المحاولات. وأقول في الأخير أن الكتاب يتطلب منا كإعلاميين زمثقفين التقديم والتكريم والاهتمام وهو أمانة في عنقنا جميعا، كما يتطلب منا الالتفاتة إلى مؤلفه الأستاذ النقيب محمد الحبيب الخراز لما يحمله هذا الرجل من علم وثقافة قد نغترف منها ما نستطيع ، كما ينبغي أن يكرم وهو حي يرزق لا وهو ميت في قبره، فتقوم بعدها الدنيا ولا تقعد، هذا وأدعو الله أن يبارك لنا في عمره ويجعله قبلة لطلب العلم والمعرفة ومزيدا من العطاء والتأليف إنه سميع مجيب. الكاتب الصحفي الأستاذ محمد عادل التريكي 14/12/2015