بقلم:ذ.عبد العزيز شكود. إن ما يتبادر إلى الذهن خاصة لدى عامة الناس حينما يسمعون مفهوم الثورة كتمثل هو الإحتجاج,التخريب,الخروج إلى الشارع ورفع الشعارات دون تأمل معاني المفهوم,بل نجد ان الكثيرون يفرحون وينتظرون فرصة هذه الثورات_المناسبات بالنسية إليهم _قصد الخروج للإنتقام وتفريغ المكبوت مما يحول مفهوم الثورة من اَلية للتحرر إلى وسيلة للهدم والتخريب , فتطرح عدة إشكالات من قبيل: هل التغيير يتم دائما بالخروج إلى الشارع؟ألا يمكن للعلم أن يؤدي إلى التغيير والتطور ؟ ألايمكن للفكر النقي الناضج أن يساهم في التغيير؟ألا يمكن أن يساهم تغيير الذهنيات وطرق التفكير في ثورة حقيقية بدل العيش وراء الشعارات المزيفة؟ألم يقدم لنا تاريخ الإنسانية ثورات غيرت العالم بأكمله انطلاقا من قوة العلم وصلابة المبادئ؟ 1_ النموذج الفلسفي العلمي: يمكن ان نستشهد هنا بمثالين أساسيين , المثال الأول يجسده سقراط كفيلسوف قاد الثورة إنطلاقا من قاناعات فكرية وقضية كان دائما مستعدا للموت من أجلها ,ثورة قادها الفكر والعقل وحب الحكمة ,صحيح إنتهت به قناعاته إلى الموت ,لكن أحيا موته شعوبا جاءت بعد سقراط ,فلم يحتج الرجل إلى تحريض الشباب على الخروج إلى الشارع بل راهن على المساهمة في تغيير المنهج وطرق التفكير لتبدأ بذلك رحلة الفكر والثورات المتتالية ,اما المثال الاَخر فيمكن إستحضاره من المجال العلمي يجسده بالخصوص"جوردانو برونو"الذي مجد الأطروحة الكوبرنيكية فيما يخص نظام العالم ,فكان مصيره شبيها بذلك الذي تعرض له سقراط ,لكن موته هو الاَخر كان شرارة الإجتهاد العلمي الذي الذي مهد لثورات إكتسحت كل المجالات ثورات أسست على العقل والجرأة وأيضا التضحية بعيدا عن النظرة البرجماتية القاصرة وخدمة للمصلحة العامة ,من هنا يمكن أن نصل مع هاذين النموذجين إلى أن العلم والفكر يمكن أن يكون سببا للتغيير الذي يمكن أن يستفد منه الجميع. 2_ النموذج العلمي السياسي: يمكن أن نستحضر هنا النموذج الياباني الذي إلتقى فيه العلم بالسياسة في أطار زواج سعيد ساهم في نقل الدولة من دولة تحصي خسائر الحربين إلى دولة نموذج في الحكامة والتسيير وأيضا حب الوطن فإذا تأملنا الإمكانيات والثروات التي تتوفر عليها اليابان سنجد أنها شبه منعدمة , بل حتى المجال الجغرافي يتطلب مجهودا كبيرا للتوسع والبناء ,لكن هذه الصعوبات حولها أبناء الساموراي إلى من عائق نستخدمه نحن للتبرير إلى عنصر للتحدي فالثروة بالنسبة إليهم هي الثروة البشرية التي اَمنت بمفهوم العلمية كاَلية لإكتساح العالم وضمان الكرامة ,فإن تصنيف اليابان كثاني اكبر اقتصاد عالمي , معناه أن كل مواطن قاد ثورته بنفسه تجاه ذاته أولا ثم الذوات الأخرى ,فالدولة أدركت ان سر النجاح هو العلم والقدرة على الخلق والإبداع ,كما أن المواطن اَمن أن سر الوجود والإستمرارية هو المراهنة على العقل وصرامة المنهج فتحققت الثورة التي جعلت اليابان تحتل مكانة مرموقة داخل المجتمع الدولي. 3_النموذج الديني , السياسي والعلمي: أما النموذج الثالث الذي يمكن إستحضاره في إطار حديثنا عن مفهوم الثورة يخص هذه المرة النموذج الإيراني , فرغم بعض التحفضات التي يمكن تسجيلها حول هذا النموذج إلا أنه يبقى مثالا هاما يستحق وقفة تأملية حول أسباب التغير الكبير الذي حدث على المستوى الذهني للباحث,المفكر, العالم السياسي ورجل الدين ,فهذا المزج العجيب بين الدين ,السياسةوالعلم أدى إلى إحداث قطيعة إبستملوجية بلغة "باشلار" بين تفكير تقليدي ينظر إلى الثورة كإحتجاج,تدمير ,إحراق الممتلكات ...إلى عقليات تؤمن بالقضية والمراهنة على ملكة العقل وقدراته على التطوير والثورة على كل ما لا يخدم قضايا المرحلة المعاصرة,فإذا أخذنا مثلا الصناعة النووية التي دخلتها إيران من الباب الواسع سندرك معنى الثورة الحقيقية التي ينبغي الإتجاه نحوها ,إن ما حدث في إيران هو في الحقيقة تمرد على مسلمات العقل ,وتحد للعوائق التي تواجهه إيمانا بالطرح الديكارتي القائل:"إن العقل هو أعدل قسمة بين الناس بالتساوي",لكن إيمانا أيضا بأن الإختلاف بين دولة وأخرى في معايير التقدم والتطورتتجلى في حسن أو سوء إستخدام العقل, الغقل الثائر الذي لا يقبل المغالاطات , الذي لا يقبل الجاهز والذي لا يؤمن بثقافة الإستهلاك وعقلسة القطيع التي تتلهف نحو الجاهز دون التفكير في كيفيات الإنتاج فالثورة هي معاناة للعقل أولا , ورغبة في خلخلة كل ما هو بديهي خدمة للإنتاج والإبداع. عموما مهما تكن منطلقات الثورة فإنها حينما ترتبط بالذهن "كقضية" بعيدا عن الإستغلالات الإيديولوجيا المباشرة لفائدة حزب سياسي أونخب معينة بالذات , لابد أن تعطي مفعولها وتؤثر على مختلف المجالات السياسية,الإقتصادية وحتى الفكرية من خلال تغيير الذهنيات وعقليات إستقبال المعلومة وإستدماجها ومن ثمة الإنتقال لمرحة الإنتاج .مما يعني أن "الثورة"ستحول الذهنيات من عقليات إستهلاكية عقيمة إلى ذهنيات مؤمنة بالقدرة على التغيير والتغير كل من مكانه ومسؤولياته التي أنيطت به ,فلن يكون للثورة معنى وقيمة إذا ساهمت فقط في هدم نظام أو سياسة وبعد أيام يتم إعادة إنتاج نفس النموذج السابق أو أسوء منه,لنصل إلى أن الثورة كمفهوم لابد أن يختمر جيدا لدى الأفراد ,من خلال وقفة تأملية مع الذات لتصحيح المفاهيم وتقويم المنظار الذي ننظر به إلى الأشياء , وطبعا إذا تحقق الرهان اَنذاك يمكننا الحديث عن الثورة بالمعنى الجماعي كتنظيم محكم بعيدا عن موضة الخروج إلى الشارع وتناسل الجمعيات والحركات دون فائدة أو معنى ,فالإنقسام والبلقنة في الأراء والطموحات مؤشر قوي على أزمة العقل العربي وإجابة أخرى غير مباشرة عن السؤال الذي طرحه الجابري يوما: لماذا تقدم الغرب وتأخرنا نحن؟ أستاذ مادة الفلسفة تطوان