عرفت الأسرة الخمالية بقبيلة الخلط أولاد عمران ، بتواتر رجالها و علماءها في تولي خطة قضاء القبيلة المذكورة منذ عهد الدولة السعدية ، كما نبغ عدد من قضاتها واشتهروا في عهد الدولة العلوية الشريفة ، حيث امتد نطاق حكمهم ليشمل بالإضافة إلى قبيلتي الخلط و الطليق ، أهل سريف و بني كرفط وغيرها من قبائل بلاد الهبط كما تشير إلى ذلك الوثائق التاريخية ، و ظهائر التولية التي كان يصدرها سلاطين الدولة العلوية لقضاة الخماملة .[1] وباتساع المجال الجغرافي الذي شمله نفوذ قضاة الخماملة ، انتقل عدد منهم إلى مدينة القصر الكبير باعتبارها حاضرة بلاد الخلط والطليق بل و بلاد الغرب كذلك ، لمركزية موقعها على ضفة نهر اللكوس و توسطها للطريق بين طنجة و فاس ، ولاعتياد قبائل المنطقة الاجتماع بسوقها الأسبوعي ومواسم أولياءها . إلا أن ذلك لم يقلل من دور دار القضاء بدوار الخماملة و أهميتها بالنسبة لساكنة ريصانة وقبائلها في الفصل بين الخصوم ورد المظالم وتقديم الفتاوى حيث كان قضاة الخماملة يعقدون مجالس حكمهم و مشورتهم ، فبقيت محتفظة بإشعاعها الشرعي والقضائي منذ تأسيسها في نهاية القرن السادس عشر إلى بداية القرن العشرين . وقد اصطلح على تسميتها لدى ساكنة دوار الخماملة بدار الجير ودار القاضي ، و استمرت مركزاً لقاضي الخلط و خليفته إلى عهد القاضي سيدي مبارك الخمالي كما تبين الوثائق ، إلا أن الهجمات المتكررة لبعض القبائل المتمردة على سلطة المخزن في مطلع القرن العشرين على دوار الخماملة لما يمثله من مركز للسلطة القضائية بالمنطقة وشيوع ما كان يسمى بالسيبة و السطو على الدواوير بقبيلة الخلط من طرف قطاع الطرق و الخارجين عن الشرع والقانون ، أدت إلى إلحاق أضرار بالغة بها و إلى تخريبها في مرات عدة . وعلى سبيل المثال تظهر وثيقة الإشهاد على بعض المهاجمين لدوار الخماملة سنة 1331 هجرية حجم الأضرار اللاحقة بالدوار المذكور وساكنته ، وأعمال النهب و السرقة و الاعتداء التي قام بها عدد من القبائل على دار القضاء لما كانت تمثله من رمزية للسلطة الشرعية في المنطقة. ( ...يشهدون بأنهم جاؤوا في أواسط شوال الماضي من عام الواحد و الثلاثين السالف بالاتصال خيلا ورجالا الكل حاملين السلاح بعدد كثير لدوار إخوان القاضي الفقيه الأجل العلامة الأفضل سيدي مبارك بن الفقيه المرحوم بكرم الله تعالى السيد العربي الشريف الخمالي المعروف عندهم بدوار القضاة حوز وادي غجدد وريسانة بالخلط وحاصوا لهم جميع ما كان على ملك إخوان الفقيه المذكور وهم الفقيه السيد محمد و الفقيه الخليفة السيد عبد القادر و الطالب الأحسب السيد أحمد و أولاد عمهم و أصحابهم المعروفون لديهم ...).[2] بالإضافة إلى حجم المعاناة التي لاقاها الخماملة من جراء ذلك ، حيث جاء في الوثيقة وصف الأحداث كما يلي (...وكل يوم تأتي جماعة من الرعاع المذكورين للجماعة المذكورة ويفسدون لهم أملاكهم وأماكنهم ويفتشون لهم على متاعهم هناك (....(...وتمزق جماعة الفقيه المذكور على الدواوير فارين بأنفسهم وعيالهم...) واستمر هذا الأمر حسب الوثيقة مدة بعد ذلك حيث جاء فيها (...ورجع إخوان الفقيه المذكور لدوارهم بأولادهم ومتاعهم وعمروا ديارهم بعدما كانوا مشتتين بالقبيلة حوز وادي لكس وبالرمل وبعضهم بالساحل ومكثوا بدوارهم ما شاء الله وهم بين خوف ورجاء إلى بكرة يوم الأحد الموافق لسبعة عشر محرم الحرام الماضي بالاتصال ، جاءهم أيضا القوم المذكورون ومعهم عدد كثير من إخوانهم من البوادي و الجبل مسلحين بالمكاحيل خيلا ورجالا وأحاطوا بدوارهم من كل جانب لقلة الطلبة وعدم من يغيثهم وشرعوا فيهم بالضرب بالبارود مدة حتى تغلبوا عليهم وحاصوا لهم من أمتعة القاضي المذكور و إخوته ....) كما أن التعديل الذي تم إدخاله على التنظيم القضائي في المنطقة الخليفية [3] على عهد الحماية الاسبانية بشمال المغرب و فصل قضاء الخلط عن قضاء سيدي مبارك الخمالي الذي ولي قضاء شفشاون ثم قضاء أصيلة ، أدى إلى إهمال دور دار قضاء الخماملة و نهايته . فتحولت إلى مجرد أثر معماري و أطلال شاهدة على تاريخ حافل بالأحداث و المواقف ، خاصة بعد الحريق الذي تعرضت له في نهاية الأربعينيات و الذي كان مدبرا على ما يبدو من خلال عدد من الشواهد و الروايات الشفوية لمن عايشوا الحدث من ساكنة الدوار المذكور ، حيث أدى إلى إتلاف معالمها و إتلاف كم هائل من الوثائق و المخطوطات و الكتب التي كانت محفوظة بها ، و لا زالت الذاكرة الشعبية بريصانة تحفظ هذه الواقعة الأليمة بما يسمى بعام الحريقة . بقلم الخمالي بدرالدين [email protected] [1] 1 أنظر مجموعة الظهائر المتعلقة بالأسرة الخمالية جائزة الحسن الثاني للمخطوطات 1998 معلمة المغرب حرف الخاء ص 38133818 [2] 2 وثيقة إشهاد على المعتدين على دوار الخماملة وإقرارهم بالسلب و النهب و الاعتداء على أملاكهم جاء فيها ( الحمد لله يشهد شهوده الموضوعة أسمائهم عقب تاريخه بمعرفتهم للمحاربين ظلام أنفسهم أعيان دوار طواجنة ودوار عرباوة و الكحولية أولاد زيتون الحلامنة و أولاد سلطان و دوار سيار وأولاد خزعل قرب الثلاثة و دوار الكروطة و دوار أولاد المكي و أولاد الوتكي و أولاد الكليعي و دوار عامر عين الحنة و البدور و دوار أولاد يحيى و أعيان مدشر السخرى ومدشر لهري و مدشر وارموت و مدشر الزراق من قبيلة بني كرفط و أعيان مدشر بني مرقي ومدشر الصفصاف ومدشر عين مامون ومدشر عين منصور و من انضاف إليهم من قبيلة سريف العليا ..........كتب نص الإشهاد عليهم الفقيه العدل محمد ابن التهامي و الفقيه العدل محمد المصباحي و الفقيه العدل محمد العسري و الفقيه العدل العلامة الغالي الطود في ربيع النبوي الشريف سنة 1332 هجرية ...) أنظر الوثائق الخمالية أصل الوثيقة مخطوط في ملكية الأستاذ محمد سعيد الخمالي [3] 3 تاريخ تطوان لمحمد داود المجلد الحادي عشر ، مطبعة الخليج العربي ، تطوان ط 2009 منشورات جمعية تطاون أسمير