تعج المواقع الالكترونية بمواضيع مسندة وغير مسندة إلى مصادر، تعرف بقبائل الصحراء، وعند تصفحها بحثا عن تاريخ قبيلة ما، تلمس نوعا من التجاهل المتعمد تارة، والناتج سهوا تارة أخرى، لقبيلة الشرفاء أولاد بوعيطة، فالبعض بالكاد يذكرها كقبيلة قائمة بذاتها، والبعض الأخر يذكرها كقيبلة تابعة، ولا أدري لمن هي تابعة، بل ذهب البعض إلى القول أنها ذات أصول زناتية، دون الإتيان بدليل على ذلك، كما فعل "علي الشامي" في كتابه "الصحراء الغربية، عقدة التجزئة في المغرب العربي". وهكذا ونظرا لكونها من القبائل الصغرى، يتم تقاذفها في كل الاتجاهات، دون الوقوف على حقيقة أصلها ونسبها، والمفارقة أن ما هو مدون بالمواقع الالكترونية، لا يتناغم مع ما هو ملموس بالواقع المعاش، حيث يجمع أغلب الصحراويين على أن أولاد بوعيطة من القبائل الشريفة، حتى ارتبط ذكرهم بالعسل والنسب الشريف. إذا كان التاريخ لم ينصف أولاد بوعيطة بحكم أنهم كانوا قلة، على الرغم من وجودهم منذ جدهم سعيد 'بوعيطة' بن أبي بكر بن عطاء الله الذي عاش في القرن 16م، وعلى الرغم أيضا من أن مضاربهم ظلت تعج بحفظة القرءان والفقهاء. فإن الرجوع إلى الرواية الشفوية والغوص في بطون الكتب، ككتاب سوس العالمة، وكتاب "أعلام من الصحراء المغربية" للكاتب "محمد الجيلالي العبد". نقف على الإشارة إلى نسب أولاد بوعيطة الشريف، برفعه إلى الأدارسة. يقول "المختار السوسي" في هذا الصدد في كتابه المشهور "سوس العالمة" الصفحة 139: أبو عيطة بن أبي بكر بن عطاء الله عرف بهذا الاسم لأنه ذو عيطات يصرخ بها في الجهاد ضد البرتغال إبان أوائل الدولة السعدية، وهو من أهل أوائل القرن العاشر الهجري، ويقال أنه من الشرفاء الأدارسة، لهم في ذلك ظهائر، يمتازون بعلمهم إلى الآن، ومنهم العلامة قاضي كلميم (سيدي العبيد) انتهى قول المختار السوسي. أما "محمد الجيلاني لعبد" في كتابه "أعلام من الصحراء المغربية" الصفحة 35. فقد أورد أن أبو بكر بن عطاء الله بن الحسن بن محمد الشريف الحسني الإدريسي، كان قد هاجر من مدينة سبتة 673ه، بعد رحيل الأسطول البحري الذي كان في سبتة تحت سيطرة الأمير يعقوب بن عبد الحق، وعند وصوله إلى بلاد رقراقة بمنطقة الشياظمة، سكن بها جد القبيلة أبو بكر بن عطاء الله، ثم تزوج ببنت الولي الصالح سيدي عيسى بن أبي خابية، لالة رحمة التي كانت وحيدة أبيها، فأنجب منها ابنين هما سعيد وعبد الهادي، ثم ساقته الأقدار إلى مراكش حيث توفي بها سنة 687ه. ويقال أن يهوديا يدعى أبو مشعل هو من قتله، بقي ابناه تحت كفالة جدهما سيدي عيسى، ومع بداية الغزوات البرتغالية، انتقل الجد الذي تنتسب إليه القبيلة، وهو سعيد بن أبي بكر بن أبي عطاء الله. انتقل متطوعا في الجهاد ضد الغزوات البرتغالية للسواحل المغربية في القرن 16م. كان من الجند المكلفين بحراسة ساحل منطقة واد نون، وكلما لاحت سفن الغزاة، يطلق سعيد صيحة مدوية من مسافة تزيد عن 60 كلم، فيدرك الجيش المرابط بمنطقة تيليوين أن الخطر قد حل بالمنطقة، فيهب للدفاع وصد الغزاة، رحل بعد ذلك ضمن الجيش السعدي على طول ساحل الصحراء، وصوله منطقة تيرس بواد الذهب، قتل قائد الجيش هناك، فتفرق الجند، وهناك حط سعيد ''بوعيطة'' الرحال عند قبيلة أولاد الدليم، فمكث معهم ردحا من الزمن، حيث تزوج بامرأة منهم أنجب منها ابن، ثم قصد بعد ذلك قبيلة أبناء أبي السباع، فتزوج منهم بامرأة اسمها أم الفضلي، فأنجب منها أحد أبنائه المعروفين، وهو "الولي الصالح سيدي مسعود"، الكائن ضريحه على ضفاف واد اساكا، غرب مدينة كلميم، حيث يعد أحد مزارات القبيلة السنوي. عاد سعيد بوعيطة إلى منطقة تكنة، ما بين واد الساقية الحمراء وواد نون، مستقرا بين قبيلتي ايت لحسن وازرقيين. وقد حظي أبناؤه وحفدته بالوقار والتقدير، فكانوا مرجعا في علوم الفقه وتعلم القران. وظلوا يتكاثرون كقبيلة مستقلة الكيان، إلى أن زار منقطة واد نون السلطان الحسن الأول سنة 1303ه. حيث شرفهم بظهير شريف من جملة ما قال فيه. "أننا أسدلنا على قبيلة الشرفاء أولاد بوعيطة أودية التوقير والاحترام وحملناهم على كاهل البر والإكرام وأسقطنا عنهم الكلف المخزنية والوظائف المغرمية عدا ما حرم الله". وفي ذات السياق أورد القاضي سيدي لعبيد البوعيطاوي في إحدى مخطوطاته المكتوبة بخط يده، عندما يسترسل في وصف التشابه بين أولاد بوعيطة وباقي القبائل الصحراوية التي تعيش جنوب الساقية الحمراء حيث يقول-- يعمنا ما يعم سكان الصحراء دينا ولغة وتاريخا وأخلاقا وعوائد وزيا. فدينهم الإسلام ولغتهم العربية لا نخالفهم في شيء--- يضيف موضحا ويقول** صحيح أن جدنا قد وصل إلى الصحراء مجاهدا ولكنه لم يستقر في المكان الذي نحن فيه الآن، إلا بعد رجوعه من الصحراء، بعد أن ذهب إليها رفقة جيش من المجاهدين ولما تفرق الجيش هناك بعدما قتل قائده، انحاز جدنا لأولاد ادليم، وتزوج منهم امرأة، ومكث معهم ما شاء الله، وولدت له ولد اسمه عليوة، وفارقها وذهب هو وابنه واتصل بأبناء أبي السباع، وتزوج منهم بامرأة وولدت له ولدا اسمه مسعود، وبقي معهم ما شاء الله بعدما مات ابنه الكبير بتيرس، ذهب بالأخر وانحاز لتكنة وخصوصا قبيلة ازرقيين، وصاهرهم وسكن في تخوم الصحراء مع سكانها حتى مات، وترك ذريته فيها يعيشون بعيش أهلها ويتزيون بزيهم، ويماثلونهم في جميع الطبائع واللغة والكسوة، يتتبعون طقوس الأنواء في البيداء، يقصدون مواقعها ومنابت الكلأ لمرعى مواشيهم، يقتاتون بألبانها ولحومها، لم يعرفوا حرفة يحترفون بها غير قراءة القران والعلم، وتربية المواشي والحرث، يعيشون طول حياتهم تحت أطناب الخيام، لا يملكون قصورا ولا بساتين حتى الآن، ولا فرق بينهم وبين آهل الصحراء طول دهرهم، ولا يقال لهم إلا زاوية من زوايا ايت الجمل من تكنة، وايت الجمل هم ازرقيين، وايت لحسن، وايت موسى واعلي، ويكوت، هؤلاء هم قبائل ايت الجمل، فهم يجلونهم و يوقرونهم ويحترمونهم ويعظمونهم، لا شك فان نسبهم شريف يعود إلى إدريس بن إدريس. تضم اتحادية تكنة لفين وهما، لف ايت الجمل، ويضم القبائل ذات الأصول العربية، ازركيين، ايت لحسن، يكوت، ايت موسى وعلي، أولاد بوعيطة. ولف ايت عثمان، ويضم في الغالب القبائل ذات الأصول الصنهاجية، ايت اوسى، ازوافيط، تركز، ايت براهيم، ايت مسعود، ايت حماد، ايت ياسين، أولاد بوعشرة غير أن البعض لا ينسب قبيلتي أولاد بوعيطة وتركز لاتحادية تكنة، بحكم أنهما قبيلتان لم تكنا من القبائل المحاربة، بل تفرغتا للعلم والدين، وفي هذا الإطار يقول الكاتب الفرنسي Attilio Gaudio في كتابه Les Populations du Sahara Occidental حيث يقول في خضم حديثه عن لف أيت الجمل، أن أيت الجمل كانوا محظوظين كثيرا، إذا ما قورنوا بجيرانهم، لوجود قبيلة الشرفاء أولاد بوعيطة بينهم، والتي اعتنت بالعلم الديني وعملت على نشره وترسيخه، إذ نادرا ما تخلوا مضارب القبائل المنضوية تحت لف أيت الجمل من مدرسين ينحذرون من هاته القبيلة، التي حملت على عاتقها نشر العلم الديني و تدريسه. إنتهى .... ولعل الأمر ليس بالغريب إذا ما علمنا أن قبيلة أولاد بوعيطة ظلت تزخر بالفقهاء وحفظة القران، ونورد هنا أسماء عدد من الفقهاء والعلماء ممن عاشوا في القرن الماضي، وللإشارة فلقب "سيدي" لم يكن يمنح داخل القبيلة إلا لمن هو حامل لكتاب الله على اقل تقدير. الفقهاء: سيدي محمد جبرائيل الشرفي. الذي درس ردحا من الزمن بين مضارب أولاد تيدرانين وايت لحسن، توفي سنة 1990 بالعيون، وأخوه سيدي إبراهيم ولد عبد الحي. سيدي علي موما. وأخواه سيدي عبد العزيز وسيدي البشير موما. وابنه سيدي احمد ولد سيدي علي موما وقد مارس التدريس بالعيون خلال الثمانينات. سيدي أمبارك الأطرش. سيدي الحمدان ولد هرواش. سيدي الخليل ولد هرواش. سيدي الطيب ولد عزوز. سيدي عالي بوركعة. سيدي محمد الظويف وابنته الزهرة منت سيدي محمد الظويف. سيدي صالح البلعيدي. سيدي مولود ولد بادة. سيدي امبارك ولد سيدي مولود بادة. • الفقيه سيدي بوجمعة ولد أحمدناه. تتلمذ الفقيه علي يد ثلة من علماء بلاد شنقيط من أهل برك الله وأهل ابيري ممن برزوا في علوم اللغة والشرع فكان لرحلته هناك دور كبير في تفتق موهبته وثراء رصيده المعرفي وصلاح لسانه واستواء خلقه. كما أخذ الشيخ سيدي عن فقهاء سوس حيث رحل الى أدمين وتلقى شتى العلوم رفض القضاء لورعه ترك صندوق ضخما من الكتب ولربما كان من ضمنها مخطوطات نفيسة نظرا لشغفه بالعلم وإلحاحه في تتبع الأمور الفقهية خاصة في الفروع. • الفقيه العالم سيدي عمر ولد احمد ولد عمر. لا تحدد لنا الروايات الشفوية تاريخ ولادته بالضبط، ولكن يمكن الجزم أنه ولد في نهاية القرن 19 الميلادي، تلقى العلم منذ نعومة أظافره في مضارب قبيلة أولاد بوعيطة. ثم رحل في طلبه، وهنا تتضارب الروايات الشفوية، فالأولى تجزم بأن وجهته كانت بلاد تارودانت، والرواية الثانية تقول بأنه توجه إلى بلاد الساقية الحمراء، وتحديدا إلى مضارب قبيلة أولاد أبي السباع، وقد اشتهر سيدي عمر بعلم التواقيت وهو علم لم يكن من الهين إجادته، إذ كان يعتمد على دقة و بديهة عاليتين، فقد كان يستطيع تحديد المسافة الفاصلة بين نقطة وأخرى اعتمادا على مواضع النجوم، كما كان يجيد تحديد مواقيت فصول السنة، فقد كان رحمه الله يحدد مواقيت الزرع والحصاد بدقة، عرض عليه تولي منصب القضاء ببلاد تزنيت ورفضه له مخطوطات في ذلك، توفي رحمه الله سنة 1955. • الفقيه سيدي أمبارك ولد عبد الحي البعليدي. ولد أواخر القرن التاسع عشر الموفق 1318ه. بعد ختمه للقران انتقال الشيخ إلى منطقة سيدي الزوين بنواحي مراكش وعند تخرجه وأخويه سيدي محمد وسيدي إبراهيم عادوا إلى مضارب القبيلة. حيث التحق سيدي أمبارك بالعالم الجليل سيدي محمد لبصير المنتمي للرقيبات لمذنين فقضى ثماني سنوات يدرس الطلبة ويتابع طلب العلم والاستفادة من شيخه ولا زال طلبته وأبناؤهم يذكرون فضله إلى يومنا. حوالي سنة 1935م رجع رحمه الله إلى ارض القبيلة حيث تكلف بالتدريس في مسجد القبيلة الذي كان يعج بالطلبة ولعل ذلك راجع لما اظهر من تفوق على أقرانه من فقهاء القبيلة. درس بمدينة السمارة. كان من أهل الكرامات وممن تطوى له الأرض فيسير المسافات الطويلة في الوقت اليسير. توفي سنة 1986 بكلميم. • القاضي سيدي لعبيد ولد الحرمة. ولد بالساقية الحمراء سنة 1900م، تتلمذ على يد الشيخ محمد ولد الفاضل رحمه الله، ثم على يد العالم الشنقيطي الموريتاني ولد عبيدا, وبعد حفظه لكتاب الله انتقل سيدي لعبيد إلى سيدي الزوين ثم إلى مدينة فاس، ليقضي متنقلا بينهما ما يقارب عشرين سنة كرسها في البحث والعلم والدراسة، ليصبح قاضيا عاما لواد نون وقبائلها، ومما قاله عنه الأستاذ إدريس ناقوري في كتابه '' ايت لحسن القبيلة – التاريخ – المواقف '' ( ... وقد اشتهر القاضي سيدي لعبيد في النصف الأول من القرن الماضي بتدخلاته القضائية لفض العديد من المنازعات و اصدر في شانها أحكاما لا يزال الناس يحتفظون بنسخ منها إلى جانب رسوم الملكية و وثائق أخرى ..) . كما كانت لتدخلاته القضائية ورجاحة رأيه فيها الأثر العميق في نفوس كل من عاشره من منطقة تكنة وباقي الصحراء لتصل إلى موريتانيا. سيدي العبيد هو أول من أقام وأم بالمصلين صلاة الجمعة أيام الاحتلال الاسباني في أول مسجد بني بمدينة العيون من طرف الأسبان. لسيدي العبيد ابنان متفقهان وهما الفقيه محمد ولد سيدي لعبيد. والفقيه محمد عالي ولد سيدي لعبيد. كانت وفاته سنة 1976 بكلميم. إذا كان التاريخ لا يذكر أولاد بوعيطة إلا لمما، فإن الجغرافية قائمة كشاهد، فعلى طول شريط ساحلي يمتد 200 كلم تقريبا، تقع مضارب أولاد بوعيطة، الشهيرة بمزارات أوليائها الصالحين وهي: · ضريح الولي الصالح سيدي مسعود على ضفاف واد اساكا، تقام عنده زيارة سنوية. · ضريح الولي الصالح محمد شافي لضرار على ضفاف واد اساكا. · ضريح الولي الصالح سيدي إبراهيم مول اكجكال، بالشاطئ الأبيض تقام عنده زيارة سنوية. · ضريح الولي الصالح ابا عليوة. بالوطية بالطانطان. · روضة خبطة بلفغير. جنوب الشاطئ الأبيض مقبرة بها الولي الصالح بلفغير. · روضة اوريورة. بمنطقة اوريورة. · صخرة اوريورة. التي تزار قصد الاستشفاء من الأمرض، وهي عبارة عن صخرة في البحر يصعد إليها الزوار كلما امتد البحر عنها فيتبركون بها وبالماء المتبقي على هذه الصخرة. تضم قبيلة أولاد بوعيطة ستة فروع "فخذة" وهي. -فخذ أهل بوشنة. -فخذ أهل سيدي مسعود. -فخذ أهل عليوة. -فخذ أهل بادة. -فخذ أهل سعيد بنصالح. -فخذ البلاعيد. ظلت قبيلة أولاد بوعيطة في تناغم مع الصحراء تجوبها في المواسم بحثا عن المراعي والكلأ، تربطها علاقات مصاهرة مع عدد من القبائل، كما انضمت إليها عائلات من قبائل متفرقة، مثل سلام، وأولاد طالب من الرقيبات، وأولاد الدليم وقبائل أخرى.. حيث كانوا يقصدون أولاد بوعيطة، كونهم لم يكونوا من القبائل المحاربة، بل عاشوا في سلم وأمن. لكن يبدو أن التاريخ اليوم يريد لهذه القبيلة أن تدخل في صراع لم تشهد له مثيل من قبل، فنظرا لموقعها المهم، خاصة منطقة الشاطئ الأبيض، فقد دخلت خلال العقدين الأخيرين في صراع مع الدولة، حيث تحاول السلطات المحلية جاهدة الاستيلاء على مساحات شاسعة، لإقامة مشاريع سياحية، ولتفويت هكتارات لأمراء من الخليج، وأخرى للجيش الأمريكي الذي يجري مناورات عسكرية، مخلفا أثارا ضارة بالبيئة وبالساكنة وبالحيوان. هذه نبذة قصيرة عن قبيلة الشرفاء أولاد بوعيطة، التي من جملة ما اشتهرت به، اشتهرت بإنتاج العسل، حتى ارتبط ذكر البوعيطاوي بالعسل والنحل.