أي استشراف سياسي - تنموي ترابي. انطلاقا من المنظور الحقوقي للشأن الترابي، والتمييز بين الحق والواجب المبني على الاساس الذاتي والارادي ذي الصلة بالمواطنة، وحفظ الحقوق التنموية، فإن السلوك الانتخابي المركب والمتداخل لم يستطيع لحد الان تجاهل الظواهر غير الحقوقية البعيدة عن العقد التنموي الحقيقي، والتي تتجاوز أحيانا الفهم السياسي والقانوني في تفسيرالأوضاع الواقعية لحياة المواطنين المطلوب منهم كطرف في العقد منح أصواتهم لممثلين غير مضمون تصدرهم العملية الانتخابية، في الوقت الذي يتطلب واقع الجماعات إحداث تغيير في حياة السكان كتعهد الطرف الممنوح له اصوات الناخبين، وهذه تمثل عملية ضغط تتم من الاسفل في ارتباط اكثر بعلم الاجتماع، وفي نفس الوقت تحقيق غايات عليا كإكراه مرتبط بعلم السياسة، لذا تبقى التنمية ظاهرة اجتماعية متعددة الأشكال والسلطة هي ظاهرة سياسية والرابط بينهما هي الانتخابات التي لا تقف عند عد الاصوات فقط. تغيير وتكييف العمل السياسي ان العمل السياسي هو عمل عام يقوم به اشخاص زعماء يفرزهم المجتمع ويدعون بالمناضلين الذين يدافعون عن المصلحة العامة من زاوية أو قناعة ايديولوجية حزبية معينة، وتجد مكانا لها في السوق السياسي الليبرالي التعددي، وتتميز بالنظرة الشمولية، وهو ما يضمن التنافس بين مختلف ممثلي الاحزاب والاختلاف في تقدير المصلحة العامة والنظرة اليها، الا انه وفي نفس الوقت يحصل تداخل فنجد المرشح يراهن على ضرورة مكافئته أو تعويضه على المكانة التي يحتلها ضمن السياق المحلي لكونه يدافع عن المصلحة العامة، وأحيانا قد تفوق مطامعه المصلحة العامة، مما يطرح مسألة الفصل بين ما هو خاص وما هو عام والتمييز الايجابي بينهما. ان واقع الجماعات يفرض اليوم تكييفا سياسيا مواكبا لتجنب إفلاس المجالس المنتخبة، وذلك بالانطلاق من البديهيات والخصوصيات للوصول الى المصلحة العامة، رغم ان أوضاع الجماعات متشابهة، لكن المشاكل تزيد وتنقص فيما بينها وترتبط بعوامل متعددة من أهمها العقليات والامكانيات... الخ، وتخطي الاهتمام الفردي لبلوغ ما هو عام يفرض على المجتمع السياسي تغيير الثقافة الانتخابية واستبدال المواقف بالسلوك، وتبرير المواقف لدى السياسي حتى يتم التخلص من بعض مظاهر التعسف، واصلاح العلاقة بين الثقافة الاجتماعية والثقافة السياسية التي ماتزال مضطربة عند الكثير بسبب سوء فهم المجتمع للثقافة السياسية أو بسبب تباعد الثقافتين عن بعضهما . تقوية الحضور العام للمرشح أكثر من الحضور الشخصي. لاشك ان المجتمع المحلي ما يزال ينظر الى السياسي نظرة القادر ماديا بدرجة اولى بينما حامل قدرات نضالية في الدرجة ثانية، وهذا يؤثر على النمو السياسي كما اثبتت ذلك تجارب بعض الجماعات، حيث ان تحقيق بعض المصالح الضيقة للأفراد يغيب معها تنمية الجماعات كمصلحة عامة ومشتركة، بينما السياسي الاجتماعي فتكون أعماله تقشفية، فيصعب عليه تحقيق مصالح الافراد الضيقة لقلة الامكانيات لديه وصعوبة توفير المصالح الاجتماعية العامة بسبب قلة الامكانيات المالية المخصصة لها حسب فصول الميزانية الجماعية، والواقع يفرض مراعاة كل المعطيات، وتلاقح كل الامكانيات والطاقات واعتماد مبدأ المساواة الاجتماعية التي تذكي المشاركة الشعبية في الشؤون العامة، وتفادي العودة للنماذج التقليدية للأديان أو تكريس للخمول والعزوف، أو ظهور ثقافة سياسية مضادة ترفض ما هو عام.. المهام الضرورية للأحزاب. بالنسبة للأحزاب فهي مطالبة بإعادة انتاج للعلاقة بين الفردي والعام، وتثبيت التأطير السياسي بالتواصل والتكوين الجيد لإعادة الثقة عن طريق الفعالية واحترام التعهدات قدر الامكان، وتبرير كل تغيير بشكل واسع لتجنب الاحكام ومناهضة الارتباط بالعمل السياسي، وتحسين الخطاب السياسي والاعمال الرمزية في المخيلة المجتمعية، والحرص على احترام ارادة المواطنين وحقهم في ممارسة الرقابة على المنتخبين، والتعبير بكل حرية عن اختياراتهم للحفاظ على الاستمرارية والتقليل من الصعوبات عن طريق اختيار اسلوب التأثير غير المباشر، واعداد برامج تنموية واقعية، وتوحيد الاهداف واللغة السياسية لكل حزب على المستوى الترابي واختيار افضل المرشحين لتولي مسؤولية ادارة الجماعات بدلا من الاكتفاء بتوحيد الحضور الشكلي او الرمزي فقط، بالإضافة الى طرح مسألة التمثيلية بجدية نوعيا وعدديا بما يراعي مكونات المجتمع المغربي الوطني ومنه المحلي والخضوع لمنطق الديمقراطية وعدالة تمثيلية النساء وذوي الإعاقة والمغاربة المقيمين في الخارج بما يحقق توازن التراب البنيوي والانتماء للنسق المؤسساتي المحلي والمساهمة في عملية اتخاذ القرارات من الأسفل، وممارسة الحقوق الدستورية من طرف كل المعنيين بالعملية التنموية دون اللجوء لمنطق الوكالة السياسية، نزولا عند التدبير التشاركي النزيه والشفاف من أجل امتحان مصداقية التعاطي للشأن المحلي وتصحيح مسار الجماعات التي ما تزال تزأر تحت كثير من المعاناة لاسيما القروية منها، في الوقت الذي تتعالى فيه أصوات مختلف الفئات الاجتماعية التي تعاني الاقصاء او الإهمال أو التجاوز في المخططات الجماعية. الأدوار الجديدة لجمعيات المجتمع المدني يندرج دور جمعيات المجتمع المدني ضمن إطار الديمقراطية التشاركية، وهي تقوم بدور مكمل لدور الأحزاب التي تندرج مهامها ضمن الديمقراطية التمثيلية كما نص عليه دستور 2011، والرابط بينهما يكمن في المواطنة بفارق أن جمعيات المجتمع المدني تنشأ بدافع المعاناة وتمثيليتها تبقى ذاتية لارتباطها بحاجات مدنية واجتماعية واقتصادية متنوعة أفقية أو عمودية ، وتدخل سلطة جمعيات المجتمع المدني المرتبة الخامسة في ترتيب السلط، ومن مميزاتها أنها حديثة وفتية وما يزال مستوى تفاعلها مبهما سواء من حيث التوازن أو التعاون أو الفصل الذي يحكم علاقة السلط ببعضها البعض، كما جاء ذلك في الفصل الأول من الدستور، بينما تبقى الا حزاب مختصة بالعملية السياسية. ولتقييم ومساءلة بنية جمعيات المجتمع المدني بعد التراكم المتواضع لإسهاماتها الوطنية والترابية نجدها ما تزال تتخبط في جملة من الإكراهات، منها أنها تعاني نقصا وخللا سواء في الجانب البشري أو المالي أو زمكان الإسهام والحضور الجاد والفعلي ضمن المعادلات التنموية، وهنا يمكن بالتحليل النسقي التساؤل عن مآل مقترحات ومطالب جمعيات المجتمع المدني بدءا من مدخلات النسق ومصيرها داخل العلبة المحلية، وعند مخرجات النسق بالنظر الى قيمة القرارات ذات الصلة، ونوع التغذية الاسترجاعية المحلية التي تترتب عليها، كما تطرح مسألة الاستقلالية ضمن ماكينة التفاعل الوطني والجهوي والجماعي. إن مغرب العمل المدني ظهر لتدارك النقص الحاصل في مهام الأحزاب السياسية والعمل العمومي بصفة عامة، والعمل بالمقاربة التشاركية لا نجاح المشروع المجتمعي المحلي، لذا من المفروض تقييم ماضي وحاضر المغرب التنموي للانتقال من مغرب تدبير الأزمات المختلفة إلى مغرب تقوية المعطيات والرفع من منسوب التنمية المحلية وذلك بتوفير المناخ وتأطير المواطن الحر والواعي وتقوية الانصات والقرب ودمقرطة مستويات التمثيل والعمل الجمعوي وتفادي ما سقطت فيه الأحزاب من تقصير في تأطيرها وحضورها وتمثيليتها للمواطنين. وتبقى السياسات العمومية الجماعية والجهوية سؤال تتقاسمه كل المكونات الجمعوية والحزبية الى جانب الدولة والمؤسسات العمومية الترابية أو الجهوية الى جانب الجماعة ومؤسسات القطاع الخاص، ذلك أن تقديم العرائض باحترام شروط واجراءات ومنهجية العمل، وإعادة هيكلة الحقل الجمعوي لإخراج هذا العمل من دائرة عمل من لا عمل له، لكون المنتوج التشريعي مسؤولية والهندسة التشريعية أيضا تحتاج الى توضيح، وتغيير دائرة الصراع بعلاقات تكامل لتفادي تكرار سلبيات تجربة الأحزاب السابقة، وتشبيب العمل الجمعوي والحزبي وتعزيز تكافؤ الفرص وتجنب جعل الدولة مطرح للأفكار العدمية دون ذكر لإيجابياتها. و يبقى دور المجتمع المدني من أحزاب وجمعيات رافدين من روافد العمل العمومي والسياسات العمومية المحلية، لكن لابد من معرفة بابي الدمقراطية المغربية المتمثلين في باب الأمة وباب الشعب لنبقى ضمن ديمقراطية بخصوصية مغربية بدلا من مقاربة الافعال والسلوكات بنماذج بعيدة عن ذلك، والانتخابات كظاهرة سياسية صحية وعملية دستورية وقانونية تبقى المحك الحقيقي لجودة الديمقراطية والمواطنة والتنمية. الدكتور أحمد الدرداري أستاذ الحياة الساسية بجامعة عبد الما لك السعدي بتطوان