يسود ارتياح سياسي ودبلوماسي وسط الإدارة الإسبانية بعد التصريحات التي أدلى بها رئيس حكومة المغرب عبد الإله بن كيران بعدم مطالبة الرباط في الوقت الراهن باستعادة مدينتي سبتة ومليلية. وهذا التصريح الذي لم يتعود المغرب على الكشف عنه علانية يعكس نجاح سياسة إسبانيا في دفع الرباط إلى الصمت بشكل لم يسبق من قبل في هذا الملف. وكان بن كيران قد صرح في البرلمان الأسبوع الماضي أن الوقت الراهن غير مناسب للمطالبة باستعادة سبتة ومليلية، وأن مطالبة إسبانيا بالسيادة عليها سيكون قرارا للملك محمد السادس. وأبرزت الصحافة الإسبانية تصريح بن كيران، ورغم أنه منذ ثلاث سنوات يدلي بتصريح مماثل عندما يتم طرح هذا الملف، إلا أن الاختلاف هذه المرة أنه في السابق كان التعبير عن هذا الموقف يتم في حوارات، لكن هذه المرة في البرلمان الذي يعتبر مقر سيادة الشعب، ولم يسبق تسجيل البرلمان تصريحا مماثلا في الماضي، خاصة من طرف رئيس حكومة كان سنة 2007 يطالب بمسيرة لتحرير المدينتين. وينفي بن كيران عن نفسه مسؤولية تجميد المطالبة بالملف بقوله أن الأمر يتعلق بالملك محمد السادس، وهي استراتيجية دأب عليها رئيس الحكومة في إجابته على الملفات الشائكة بالتهرب من أجوبة واضحة وتحميل القصر المسؤولية. ويلتزم المغرب الصمت في ملف سبتة ومليلية منذ أربع سنوات، وكانت آخر إشارة للملك لهذا الملف قد جرى بطريقة غير مباشرة خلال أيلول /سبتمبر 2013 في رسالة وجهها لسفراء المغرب، طالبا منهم الدفاع عن مغربية الصحراء والمناطق الشمالية دون التلفظ بسبتة ومليلية. ونجحت إسبانيا في تطبيق خطة متعددة جعلت المغرب يتراجع عن أي مطالبة باستعادة المدينتين، علما أن الرباط، وعلى لسان الملك محمد السادس، تعهدت أمام المغاربة بالدفاع عن الملف. في هذا الصدد، وجه وزير الخارجية الإسباني مانويل غارسيا مارغايو تهديدا مبطنا للمغرب سنة 2013 بقوله إنه إذا طرحت الرباطسبتة ومليلية فوقتها لا يمكن الحديث عن علاقات طيبة، بل ستتم إعادة النظر في هذه العلاقات. والمثير أن هذا التصريح تزامن وتضييق الرباط على جمعيات المجتمع المدني في تطوان والناضور شمال البلاد التي كانت تطالب باستعادة المدينتين من احتلال إسبانيا، عبر تفكيكها. في الوقت ذاته، تولت إسبانيا عضوية مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، ويؤخذ برأيها في نزاع الصحراء الغربية كقوة استعمارية سابقا. ويتخوف المغرب من رد فعل لمدريد ضد مصالحه في الصحراء إذا طرحت سبتة ومليلية، وذلك في وقت يحتل هذا الملف الأولوية في الأجندة الداخلية والخارجية للرباط. ومن جانب آخر، لم ينجح المغرب حتى الآن في تنمية حقيقية لشمال المغرب، حيث جزء من الساكنة ما زال يعتمد على تجارة تهريب السلع من سبتة ومليلية إلى باقي مدن المغرب. ورغم تراجع نسبة التهريب، إلا أنه ما زال يشكل مصدر عيش عشرات الآلاف من العائلات في المنطقة. ومقابل صمت المغرب في سبتة ومليلية، تشهد ملفات أخرى وهي جبل طارق وجزر المالوين تحركا حقيقيا. وتستمر مدريد في الضغط على لندن من أجل استعادة سيادة جبل طارق، كما تتعرض لندن لضغط قوي من الأرجنتين لتصفية الاستعمار في جزر المالديف.