منطقة سوق القلة هي منطقة من مغربنا الحبيب حباها الله بمؤهلات طبيعية وبشرية جلية، كان لها دور فعال في النضال الوطني المسلح الذي جابه المستعمر الإسباني، عبر محطات عديدة برهنت على الروح المغربية المتضامنة عند أبناء المنطقة الذين خاضوا غمار حرب حاملين بنادقهم بين أودية ومنعرجات القبيلة، ناضل اليوسفي (نسبة لقبيلة بني يسف)، وزكاري (قبيلة بني زكار) معا مجابهين الإسبان في معارك صعبة لا زالت حاضرة في ذاكرة من عايشوا الكفاح المسلح. البسالة..و الإباء للتاريخ فقط القبيلة لم تخضع إلا بعد استنفاذ مخزوناتها من الأسلحة وجبروت الألة الحربية الإسبانية، وأبرز معاركها التي سجلت بمداد من الفخر معركة عقبة القلة التي أرخ لها بوثائق جاءت في كتاب الأستاذ محمد أخريف " وثائق لم تنشر- ج3"، التي بينت صمود القبيلة وصدها للهجمات. يقول نقلا عن ترجمة قامت بها الأستاذة سناء الشعيري لكتاب السيد Juan Pando تحت عنوان Historia Secreta de Annual، يقول حول المعركة التي وقعت في 27-28 غشت 1924" ( قررت قبيلة بني يسف، التي كانت بمثابة حلقة وصل بين جنوب بني عروس، ووزان التابعة للنفوذ الفرنسي، والتي تحوي أفضل المقاتلين، إعلان تمردها وعصيانها، ولتفجير مكونات غضبها، اختارت عقبة القلة في ربوة معزولة، كان يعسكر عندها نصف طابور ثيوداد دي رودريكو، وكان يقوده التنينتي كولونيل إسدرو فالكارثل بلايا الذي كان على رأس مائة وتسعة وتسعين رجلا...فلم ينج منهم سوى أربعة وعشرين شخصا، خمسة عشر منهم من الأهالي، كان معظمهم مثخنا بالجراح، أما الأخرون " مائة وخمسة وسبعون"، فقد لقوا حتفهم. واللائحة طويلة ممن بترت وقطعت أعضاؤهم). مجال منطقة سوق القلة لم يشهد معركة وإنما معارك بينت معادن المغاربة وصلاباتهم في مواجهة من يغتصبون أرضهم ووطنهم. علماء..فقهاء..و تاريخ تليد إضافة للدور البطولي نجد تراب بني يسف وبني زكار برزا في المجال الديني حيث نجد جل المداشر المشكلة للقبيلتين بها ظاهرة قائمة متمثلة في تدريس العلوم الدينية وتحفيظ القران الكريم، والقبيلتين أنجبتا فقهاء مشهود لهم بالتمكين العلمي، وأيضا إلى جانب الدور البطولي والعلمي نجد المؤهلات السياحية بارزة وذلك بالنظر لما تزخر به القبيلتين من مقومات طبيعية وأثرية، غابات وجداول ماء وثروة حيوانية مهمة. وفيما يخص المآثر نجد مدشر القصبة ببني يسف به مغارة تؤرخ لأزمنة ما قبل التاريخ وكما جاء في كتاب صور من التاريخ البطولي لمنطقة جبالة ص 191، حول هذه الأثار " من المسلم به هو أن الفنيقيين هم الذين نقلوا أبجديتهم وعليه فإن البربر عاشوا طويلا في مرحلة ما قبل التاريخ ولم يخرجوا منها الا بقدوم الفنيقيين، وإذن استعمال الرسوم لا يستبعد أن تكون نحتت في الزمان القريب من الألف الثاني قبل الميلاد. ويذكر الأستاذ المريني العياشي أن فيكريس المؤرخ الإسباني للمنطقة الشمالية أثبت صورة هذا الغار في أبحاثه وكتبه وصنفها مع الأثارات التي يعود عهدها الى أزمنة ما قبل التاريخ. نفسه، ص 192. والقبيلة الى يومنا هذه الأثارات لا زالت بها والمغارة تحتوي على رسومات ونقوش تبين جوانب حياة الإنسان القديم. تعايش..تراث..و حضارة وأيضا الى جانب هذه المعطيات حول المنطقة نجدها في تكوينها الإجتماعي وبالنظر الى عناصر سكانها نلمس تعددهم واختلاف انتمائاتهم، عرب / أمازيغ/ أندلسيين فمثلا هذا العنصر الاخير يذكر حوله الاستاذ رشيد العفاقي الباحث في تاريخ المغرب والاندلس في دراسة معنونة " الأندلسيون في بلاد جبالة والهبط، يقول نشير" إلى أن الأسر الأندلسية التي لقبها الأندلسي موجودة في جل القبائل الجبلية والهبطية ولا سيما في بني مصور وجبل الحبيب وبني يسف. ويذكر أيضا " نجد الاندلسيون لهم وجود واضح وجلي بالقبيلة وذلك يتبين في خصوصية القبيلة فيما يخص اللغة وتزيين اللباس المستمدة من النمط الاندلسي ، ويمكن أن نلمس ذلك في أسماء مداشرهم، ففي قبيلة بني يسف نجد قرى: الحمة (ا وحمة الشرفاء)، الجبيلة، الريحانة...وفيما يخص السكان فإن نسبة منهم جاءت من الأندلس" الى بني يسف واستقرت وانصهرت. هذا غيض من فيض فمنطقة سوق القلة تبقى مكونا أساسيا من مكونات الثقافة الجبلية وذلك بالنظر إلى خصوصيتها ونسيجها الإجتماعي المحافظ على العادات والتقاليد. وتبقى المنطقة مميزة وحاضرة على اعتبار حضورها الثقافي والتاريخي مساهمة في تشكيل حلقة من حلقات التاريخ العام للمملكة المغربية.