تمرالذكرى 600 سنة على احتلال عروس الضفة المتوسطية دون تَحقيق أيّ تقدُّم ملموس بخصوص تحريرها ، فما زال اصرار إسبانيا على احتلال الثغرين المغربيتين سبتة ومليلية، رغم أن المملكة المغربية ومنذ استقلالها عن فرنسا وإسبانيا تَعتبر الثغرين جزءًا لا يتجزَّأ من التراب المغربي. لقد شهدت مدينة سبتة السليبة على مر التاريخ فتراتٍ زاهية سال لعاب الطماعين عليها، من الإمبرياليين ومن بعدهم البرتغال الذين قاموا باحتلالها عام 1415م، وبعد ذلك سلموها للإسبان عام 1580م. الموقع الاستراتيجي الذهبي لسبتة تقع في أقصى الشمال الغربي للمغرب، وتحتل موقعًا استراتيجيًّا بالغ الأهمية، فهي شبه جزيرة مطلَّة على حوض البحر الأبْيض المتوسّط، وعلى بوغاز جبل طارق، يُحيطُ بِها الماء من الجهات الثلاث الشَّمالية، والشَّرقية، والجنوبيَّة، ولا يَفصِلها عن السَّواحل الأندلسيَّة سوى 21 كيلو مترًا، وطولها من الشرق إلى الغرب 1000م، ومن الشمال إلى الجنوب 1500م. تمتد مساحة سبتة الحالية في حدود 20,12 كلم2 ويبلغ محيطها 28 كيلو مترًا، 20 كلم من هذا المحيط تشكل شريطًا بحريًّا، والباقي 8 كلم يمتد غربًا عبر الشريط الأرضي المتصل بالحدود المغربية. ادوار سبتة السليبة في تاريخ الضفتين شكَّلت سبتة البوَّابة التي عَبَر منها المسلمون نحو أوربا مؤسِّسين دولة عمرت أكثر من 8 قرون، ساهَمَتْ في تنوير الأوربيّين، وإخراجهم من ظلمات القرون الوسطى، و لعبت دورًا متميزًا ورياديًّا في تاريخ العلاقة بين المغرب والأندلس كممرٍّ حدودي وكقاعدة بحرية ، واعادت العلاقاتُ التِّجارية بين الدول الاسلامية وأوربا في الفترة ما بين القَرنَيْنِ الحاديَ عشر والثالثَ عشر وكانت مركزًا عسكريًّا حصينًا، وكانت تضم أكبر ميناء في المغرب. ومرت مدينة سبتة بأحداث تاريخية كبيرة من قبل الفتح الإسلامي وخضعت لسلطة كل الدول التي تعاقبت على حكم المغرب، كما عاشت التبعية في بعض مراحل تاريخيها للدولة الحفصية في تونس، ولبني الأحمر في الأندلس، وهي محطة عبور الفاتح "طارق بن زياد" من العالم الاسلامي نحو الأندلس في عام 92ه . سبتة .. صرح العلم والحضارة تعد إحدى منارات الإشعاع الفكريّ والعلميّ والحضاري بالمنطقة كلها، هي الثانية بعد مدينة فاس ، تضم في ايام ازدهارها ألف مسجد وستون مكتبة، مما جعلها مركزا ثقافيا مزدهرا، وكانت مدينة سبتة خلال القرن السادس والسابع الهجري من أهم مدن الحركة العلمية في السواحل المغربية، أنْجبتْ أكبرَ شخصيَّة عِلمية مغربيَّة، هو القاضي عياض -رحمه الله- الذي ولد سنة 476 هجرية، كذلك أوَّل شخصية علمية في تاريخ الجغرافية، وهو الشريف الإدريسي السبتي المتوفى 562 هجرية، الذي وضع أوَّل خريطةٍ رسم فيها العالم، وبيَّن مواقعَ البلدان والبحار والأنهار والجبال . ونحن نعيش في السنة الخامسة عشر بعد الألفين من ميلاد المسيح ، لازال ملف المدنتين السليبتين سبتة ومليلية لا تحركه أيادي صناع القرار في الدولتين ، ومما لا شك فيه أن مغربية المدينتين لا يجادل فيهما أي عاقل يستند الى الموقع الجغرافي والى المكانة التاريخية وتعاقب الدول الحاكمة للمغرب على حكمها بالتتابع ، الا أنه من الواجب جفظ ذاكرة المدينتين وعدم الانشغال عنهما وتنشئة الاجيال التي تعيش عصر العولمة والاستهلاك للثقافة المصنعة الواحدة على الاعتزاز بالهوية الثقافة الوطنيتين.