بقلم: سلمان الحساني ينبغي على الكاتب أن يكون دائم الحذر من السقوط في الأخطاء الإملائية أو اللغوية أو التعبيرية, حتى يكون نصه صحيحا خاليا من كل الشوائب, ولعل الأمر الأكثر إحراجا هو سقوط بعض الباحثين الصغار من طلبة الماجيستر وغيرهم في فخ الخطإ في إستخدام علامات الترقيم أثناء الكتابة, الأمر الذي يؤدي إلى الإخلال بمعنى النص, ودور علامات الترقيم هو تيسير عملية الإفهام من جانب الكاتب وعملية الفهم من جانب القارئ, فكما يعمل المحاضر على الإشارة بحركات يدوية وتغيير نبرة الصوت في بعض الأفكار, يعمل الكاتب على وضع إشارات وعلامات تساعد المتلقي على فهم النص. ولعل الأمر الذي دفعني للكتابة في الموضوع, هو مصادفتي لبعض الطلبة من شعبة اللغة العربية وآدابها لا قدرة لهم على إستخدام علامات الترقيم بشكل صحيح, ولازلت أذكر أني حضرت لندوة في موضوع "تحقيق التراث" مع طلبة الماستر, وكان الأستاذ منسق الماستر يحذر الطلبة من الوقوع في هذه الأخطاء, فحز الأمر في نفسي ودفعني للكتابة في الموضوع حتى أكون قد ساهمت بما يسر علي. ومن جانب آخر, نجد مجموعة من الكتب تتحدث في هذا الموضوع, ولعل بعض الأسماء منها هو كتاب "الإملاء والترقيم في الكتابة العربية" للأستاذ عبد العليم إبراهيم, وكتاب "الترقيم وعلاماته في اللغة العربية" للأستاذأحمد زكي, وكتاب "الكامل في النحو والصرف والإعراب" للأستاذ أحمد قبيش, حيث خصص محورا منه للحديث عن علامات الترقيم. ولقد جاءت هذه الأخيرة -علامات الترقيم- في اللغة العربية عن طريق التدرج, حيث ظهرت الكتابة العربية, ثم أضيف التنقيط إليها, ثم أضيف إليها الشكل, ثم ظهرت علامات الترقيم بعد ذلك, حتى يبسط النص العربي ويسهل فهمه. وتعرّف هذه الأخيرة بأنها رموز إصطلاحية معينة, توضع بين الجمل والكلمات, وتعرّف أيضا بأنها عملية وضع رموز مخصوصة أثناء الكتابة, لتعيين مواقع الفصل والوقف والإبتداء وأنواع النبرات الصوتية والأغراض الكلامية أثناء القراءة. ولما كان من السديد عدم الإكثار من العلامات خشية المضايقة, رآى الدارسون للغة حصر هذه العلامات في إحدى عشر علامة فقط, وهي : الفاصلة – الفاصلة المنقوطة –الوقفة – النقطتان – علامة الحذف – علامة الاستفهام – علامة الانفعال – علامة الحصر – الشناتر – الشرطة – علامة التبعية. ويمكننا توضيحها على الشكل الآتي : 1_ الفاصلة أو الشولة "," : وتستعمل هذه العلامة لفصل أجزاء الكلام من بعضه البعض, حتى يستطيع القارئ الوقوف عندها وقفة خفيفة, وغالبا ما يتم استخدامها من منطلق نفسي للكاتب, حيث تنبع من ذوقه التعبيري أثناء الكتابة, فيقرر متى يقف ومتى يستمر. ومواطن استعمالها لا تخرج عن الوضع بعد المنادى, مثل : "يا رجل, استمر في طلب العلم". وكذا الوضع بين المفردات المعطوفة التي تفيد التقسيم والتنويع, مثل : "الفنون الجميلة هي : الشعر, المسرح, الرسم, الموسيقى, الرسم, النحت." وأيضا توضع قبل ألفاظ البدل, مثل : "أدى استعمال الآلة إلى البطالة, بطالة اليد العاملة." وكذا بين الجمل القصيرة التامة المعنى, مثل : "الوطني محمود, والخائن مذموم." إلى جانب وضعها بعد حرف الجواب, مثل : "نعم, أنا أقرأ." 2_ الفاصلة المنقوطة " ; " : وتستعمل في مكان يتطلب سكوتا أطول من سكوت الفاصلة, وتوضع في الغالب عند الشرح أو بين جملة تامة وأخرى مثلها, وبينهما تشارك في المعنى, فيكون القصد من وضعها خلق إمكانية للتنفس بين الجمل وتجنب الخلط بينها, ومثال ذلك : "عليك أن تكون مديرا ممتازا لوقتك ; لأن الوقت هو الحياة التي عشناها ونعيشها وسنعيشها." 3_ النقطة أو الوقفة "." : وليس لها من وضع سوى تمام الجملة الكاملة ونهاية المعنى بلا تعجب أو إستفهام. ولا بد من وضعها عند نهاية كل فقرة من الفقرات, ومثال ذلك : "قال (ص) : من تواضع لله رفعه." 4_ علامة التوضيح أو الحكاية أو النقطتان " : " : وتوضع هذه العلامة في سياق التوضيح والتبيين, وبعد الكلام المنقول أو المحكي الذي يغبر عنه ب : "قال – سأل – أجاب – روى – ……", ومثال ذلك : "خطب السلطان في الناس فقال : إن نجاحكم هو نجاح الوطن". وتوضع بين الشيء وأنواعه وأقسامه, مثل : "القارات خمس : إفريقيا وآسيا وأروبا وأمريكا وأستراليا". 5_ علامة الحذف "……." : ويضعها الكاتب ليدل على أنه حذف كلاما لا ضرورة لإثباته ولا حاجة للإتيان به, فيكتفي بوضع علامة الحذف بغية توضيح الأمر للقارئ, كما توضع هذه العلامة في مكان الكلام الذي لم يعثر عليه, وذلك تنبيها على وجود النقص في الكلام المنقول. هذا إلى جانب وضعها مكان جمل يقبح ذكرها, فيرى الكاتب أن التغاضي عليها لازم, فيقوم بحذفها ووضع علامة الحذف مكانها, وذلك من مثل : "تملكني الحزن حينما سبني فلان وقال : ……., وأضاف …….." 6_ علامة الاستفهام "؟" : وتوضع بعد الجملة الإستفهامية, سواء أكانت أداة الإستفهام إسما أم حرفا, أو كانت الأداة مذكورة في الجملة أم محذوفة, ولعل أبسط مثال على ذلك هو : "هل أنت بخير؟" 7_ علامة الإنفعال أو التعجب " ! " : وتسمى أيضا بعلامة التأثر, لأنها توضع بين الجمل التي تعبر عن الإنفعالات النفسية كالتعجب والفرح والحزن والترجي والتذمر والتحسر والدعاء والدهشة والاستغاثة والتحبيذ والتأسف والمدح والإنذار وما شابه ذلك, مثل : "ما أجمل القمر !" – "طفح الكيل !" – "ويل لأعداء الإسلام !" – "رب اغفر لي !" – "واااااأسفاه على عمر مضى !" 8_ علامة الحصر أو القوسان "()" : ويوضع بينهما كل عبارة يراد حصرها أو شرحها أو لفت النظر إليها, وتكون هذه العبارة ليست من الأركان الأساسية للكلام, مثل : "هناك العديد من الشعراء الكبار (في السن طبعا) من يعترضون على الشكل العمودي للشعر العربي". أو قول القائل : "الفقر (على مرارته) أهون من مذلة السؤال." 9_ الشناتر أو علامة التنصيص "" : وتستخدم هذه العلامة في وضع الكلام المنقول حرفيا بينها, سواء طالت عبارته أم قصرت, مع ضرورة الالتزام بالنص بكامله وما فيه من علامات الترقيم, مثل : "حكى الأحنف بن قيس أنه قال : ما عادني أحد قط إلا أخذت في أمره بإحدى ثلاث خصال : إن كان أعلى مني عرفت له قدره, وإن كان دوني رفعت قدري عنه, وإن كان نظيري تفضلت عليه . 10_ علامة البدل أو الشرطة أو المعترضة "_" : وتسمى أيضا "الوصلة", وهي خط صغير يوضع عادة بين العدد والمعدود, مثل :"قضايا البحث العلمي في اللغة العربية أربع : أولا_ في الدرس اللغوي. ثانيا_ في الدرس الأدبي. ثالثا_ في الدرس النقدي. رابعا_ في التحقيق." كما توضع بين أول الجملة المعترضة وآخرها, نحو : "الصادق –وإن كان فقيرا- محبوب." وكذا رد القول في المحاورات المسرحية والقصصية إجتنابا للتكرار الممل, أو بين جزئي الكلمة المركبة لغويا عند إرادة فصلها, مثل : "حضرموت حضر – موت". 11_ علامة التبعية "=" : وتوضع في آخر الحاشية من الصفحة التي لم يتم فيها البحث, وتوضع مثلها في أول الحاشية من الصفحة التالية إشارة إلى أن البحث في هذه الصفحة تابع لما في الصفحة المتقدمة لعدم اتساعها. وخلاصة القول أن الكاتب الذي يحترم علامات الترقيم, يتمتع نصه بالصراحة والوضوح, والكاتب الحاذق هو من يقف بين حدي الإفراط والتفريط في وضع العلامات, فلا هو بمسرف في توزيعها فيظهر النص مفككا, ولا هو بشحيح في ذلك فيبدوا النص مملا, وبالتالي فإن لب الانسجام هو التوسط في وضع النقاط والفواصل وعلامات الحذف والتعجب والاستفهام و….. كما أن الطريقة المثلى في الكتابة هي العمل على وضوح الأفكار وتسلسلها بأسلوب معقول ومقبول.