"حلال"... فرانشيز لهوية المغاربة في بروكسيل يخبو المد العنصري في بروكسيل، بل إن أحياء بأكملها تحولت إلى لوحات مغربية، بأسماء المتاجر والأزقة والشوارع، كما أن بعض الأحياء خلت من سكان المدينة، بعد أن وجدوا أنفسهم محاصرين بكل هذا المد العربي، الذي يقوده المغاربة، أكبر جالية بالعاصمة بروكسيل. احتلال الأماكن والشوارع والأنشطة بهذه المدينة الأوربية، واحد من العناصر التي تلغي كل نقاش حول الهوية والاندماج، فالجيل الثالث من المغاربة صنع لنفسه موقعا في مركز المدينة، وجعل من "الحلال" فرانشيز يسيل لعاب الباحثين عن الهوية، وعن رائحة البلد، وإن افتراضيا ليس إلا. "كار ميدي"، ليست كنظيرتها "كار دي نور"، فالثانية تعد أحد معالم بروكسيل، العاصمة الإدارية للاتحاد الأوربي، أما الأولى فهي مجموعة من الشوارع والأحياء والرموز المغربية، كما تحمل أسماء عربية دليلا على أن الاندماج بلغ منتهاه بهذه المدينة، أحياء "مولنبيك" و"شكاربيك" ومحلات شارع "ريبوكوغ" مناطق ببصمات مغربية. بالقرب من كنائس بروكسيل توجد مقبرة يرقد فيها عشرات المغاربة الذين قاتلوا ضد النازية الألمانية من أجل استقلال وتحرير بلجيكا. المقبرة فضاء يحتضن عشرات الأرواح التي سقطت إبان الحرب العالمية الثانية، في سبيل حرية الآخرين، هي أيضا تسجل تاريخهم في بروكسيل، التي تتعايش فيها اليوم أربعة أجيال من المغاربة. لا يكتفي المغاربة هنا، بصناعة أحياء بأكملها يعيشون فيها ويتنقلون داخلها بعيدا عن نظرات اليمين المتطرف، الذي تحول إلى ملاذ للأوربيين في كل مكان، بل اخترعوا لغة خاصة بالجيل الرابع، يمتزج فيها اللاتيني بالعربي، "تي عايِّق" "لِيس تير"، وغيرها من الكلمات الفرنسية المغربية، تفيد معنى واحدا، أن مغاربة بروكسيل صنعوا لأنفسهم بلدا ولغة وهوية. للمغاربة في بروكسيل، وزن اجتماعي وسياسي قوي، فهم تحولوا من مجرد مهاجرين إلى فاعلين سياسيين وورقة ضغط لصالح الأحزاب الوحدوية في بلجيكا ضد التوجهات القومية للأحزاب الفلامانية، فهذا الوضع المتقدم يجعلهم إحدى الأوراق الرابحة في سبيل الحفاظ على وحدة بلجيكا، فالكثير منهم يسعف النظام السياسي في تأجيل الطموحات الفلامانية وقطع الطريق ضد تسيدها في العاصمة بروكسيل، ما يفسر إلى حد كبير وجود كثير من البلجيكيين، من اصول مغربية على رأس مقاطعات وبلديات وفي المؤسسات التشريعية. تشير أرقام صادرة عن الإدارة العامة للإحصائيات والمعلومات الاقتصادية، إلى أن انحسار نسبة سكان الفلامانيين في العاصمة بروكسيل، مقارنة بالمغاربة، يؤجل إلى حدود اليوم التوجهات الانفصالية ومشاريع الاستقلال التي تروج لها الأحزاب الفلامانية المتطرفة. وحسب الأرقام نفسها، فإن عدد المغاربة المجنسين، الذين يحق لهم التصويت بقوة القانون وتحت طائلة عقوبة مالية في حالة التخلف عن الإدلاء بالصوت الانتخابي، يحتلون الرتبة الثانية بعد الفرنسيين. يساعد الوضع المتقدم الذي يميز المغاربة في بروكسيل، على جعل الساسة هنا يراهنون على الانتماء الوحدوي للمغاربة، فهم الذين قاتلوا النازية من أجل استقلال البلاد، واستوطنوا بروكسيل منذ نهاية الأربعينات، وتحولوا إلى جزء من الهوية في بلجيكا، ويحاربون اليوم نزوعات انفصام الهوية.