مرة أخرى يطرح من جديد سؤال إلى أين تتجه(تسير) الهجرة؟ وعندما نتحدث عن الهجرة سنتحدث بالتأكيد عن واقع ومستقبل الهجرة المغربية بهولندا، التي دخلت في عقدها الخامس. والسؤال المطروح هنا غير مرتبط بظروف وسياقات معينة أكثر من كونه مطروحا بعد دورة زمنية متكاملة، امتدت على مدى أزيد من أربعين سنة من التواجد القانوني للجالية المغربية بهولندا، بكل ما تحمله من أحداث وسيرورات وتطورات متلاحقة بنجاحاتها وإخفاقاتها، بأفراحها وأحزانها. لقد تم إنتاج أطروحات عديدة، ونظريات متنوعة حول هذا الشأن– أي حول واقع ومستقبل الهجرة المغربية بهولندا – فمسالة إعادة الاعتبار للجالية المغربية بهولندا، سواء في بلد الإقامة والاستقرار أولا. أو في البلد الأصلي ثانيا، تعتبر في تقديرنا الخاص، مسالة ضرورية من أجل البحث الموضوعي في الأوضاع الراهنة للجالية المغربية بهولندا على جميع الأصعدة. عندما يقف البعض عند واقع المهاجرين بهولندا عامة، وعند واقع المهاجرين المغاربة خاصة، سواء في انحداراها (تراجع مكتسبات المهاجرين) أو في انحطاطها ( تنامي كراهية الأجانب) ويستغرق في نقدها ممارسة أو خطابا دون أن يلقى بنظره إلى الأطراف المعنية بالهجرة ومصيرها، فتلك هي الطامة الكبرى. الواقع أنه لا يمكن فهم واقع الهجرة المغربية إلا من خلال استحضار البنية الفكرية التي طغت على الفكر والعقل المغربي بهولندا. ومن استحضار الأسس التي قامت عليها هذه البينة الفكرية التي تبدو، وفي حالات كثيرة، أنها شاخت ومتجاوزة، وبالتالي فأنها غير قادرة على مواجهة تحديات الحداثة الفكرية السائدة داخل المجتمع الهولندي. إذا كان لا مفر من التوقف عند الأسباب العميقة والوقائع المندرجة في الواقع والبيئة اليومية للمهاجرين في المجتمع الذي يعيشون فيه (= المجتمع الهولندي)، فأن المطلوب التشديد على العوامل المضاعفة والسياقات( الظروف) المتفاقمة الناتجة عن تدخل التيار الوهابي الظلامي المتطرف، المكشوف مند عقد الثمانينيات القرن الماضي، في حياة المهاجرين المغاربة بهولندا. يضاف إلى ذلك دور ومسؤولية النظام المخزني، سواء عن طريق استلاب ثقافة وذاكرة المهاجرين الأصلية ، وبالتالي استلاب الهوية الأصلية للمهاجرين وتحويلها صوب الشرق، أو من خلال مواقفه السلبية من الهجرة. لهذا ينبغي، إذن، ألا نتماهى مع الكتابات والتفسيرات الدوغمائية التي تصدر بين الفينة وآخر عن العديد من المهتمين والباحثين في مجال الهجرة المغربية بهولندا، سواء كانوا مغاربة أو هولنديين، وإنما يجب علينا أن نتخطاها فنتعامل مع واقع الجالية المغربية بموضوعية. وفي نفس الاتجاه، أريد أن أقدم في هذه المقالة المتواضعة بعض الملاحظات والتعليقات الأساسية حول ما يقال عن أوضاع المهاجرين المغاربة بهولندا. وسأعتمد في هذا المقالة عن كتاب صدر في الآونة الأخيرة للبرلماني المغربي – الهولندي السيد احمد مركوش. بغية كشف حقائق عديدة تضمنها الكتاب، بعبارة أخرى عند التدقيق في التحليل السياسي الذي قدمه السيد احمد مركوش عن أوضاع المهاجرين المغاربة بهولندا، وحول العناصر الأساسية التي أدت إلى تدهور (تراجع) سمعة وشرف الجالية المغاربة بهولندا، وخاصة فئة الشباب، تبين لي انه (أي التحليل الذي قدمه السيد مركوش) مليئا بالتناقضات والمغالطات التاريخية. كما تبين لي أن الكتاب موجه توجيه معينا، وأقحمت فيه استنتاجات واعتبارات رسمية سياسية من جهة ومن جهة ثانية أقحمت فيه أفكار واقتراحات تتصل مباشرة بالقوى الرجعية والظلامية. نظرة قصيرة حول الكتاب:: أود في البداية أن أشير إلى أن الأمر الذي دفعني للكتابة في هذا الموضوع – أي موضوع الهوية والدين في حياة المهاجرين المغاربة بهولندا- هو صدور كتاب ” أحلامي الهولندية ” للبرلماني المغربي – الهولندي السيد أحمد مركوش خلال الأسابيع القليلة الماضية عن دار النشر كونتاكت(التواصل). الكتاب هو في مجمله عبارة عن السيرة الذاتية للكاتب، حيث يحكي من خلاله كيف هاجر في أواخر السبعينيات من القرن الماضي رفقة عائلته (ص 24) إلى هولندا، وهو مازال طفلا في عقده الأول (10 سنوات). بصيغة أخرى، يحكي كيف هاجر من قريته النائية بنواحي الناظور؛ وهي قرية بوغرفا، إلى واحدة من أعرق المدن الأوربية، وهي مدينة أمستردام (عاصمة هولندا)، حيث كانت هذه القرية الريفية المنسية تفتقر إلى ابسط مقومات العيش الكريم، وضروريات الحياة حسب الكاتب. كما تطرق بعد ذلك (الكاتب) إلى حياته المدرسية بعد التحاقه بهولندا وهو طفل أمي لا يعرف القراءة والكتابة، هذا من جهة من جهة أخرى، تناول الكاتب أيضا حياته المهنية، انطلاقا من اشتغاله في أحد الشركات التجارية لمدة ثلاث سنوات قبل أن يشتغل شرطيا بعد ذلك( ص 77)، ومن ثم دخل عالم السياسية، حيث أصبح بعد فترة وجيزة جدا من دخوله عالم السياسة، من أبرز الوجه السياسية المعروفة بهولندا، خاصة بعد تحمله مسؤولية تسيير احد اكبر المقاطعات بمدينة أمستردام، ودخوله فيما بعد الحياة البرلمانية عن حزب العمل. علاوة على ذلك، تناول الكاتب علاقاته الاجتماعية ومغامراته العاطفية. وفي هذا الصدد يروي الكاتب على سبيل المثال وليس الحصر كيف أنه لم يستطيع الزواج بفتاة مغربية من ” أصل عربي ” بعد قصة حب حقيقة جمعته بالفتاة، وذلك لكون أن عائلته (الأب بالخصوص) ترفض تزويجه من تلك الفتاة لكونها عربية، حيث كانت تعتبر العرب (“العرب المغاربة”) مختلفون عن عائلته كليا( الكاتب)، وذلك لكونهم أكثر تفتحا في نظر عائلة الكاتب كأنهم شعب آخر أضاف يقول الكاتب(ص 160). وتجدر الإشارة في هذا السياق أن ” العرب المغاربة ” غالب ما يقصد به سكان الرباط والدار البيضاء وسلا والقنيطرة وفاس ومكناس وغيرها من المدن الكبرى. ومن ثم تعرض الكاتب كذلك لحياته الزوجية، وخاصة لخلافاته الزوجية التي أدت به إلى محاكم الطلاق (ص 159). كما تناول الكاتب أيضا علاقته بالمواطنين المغاربة في مدينة أمستردام – وفي حي سلوترفات تحديدا- عندما كان يشتغل هناك شرطيا في أحد مراكز الشرطة، وتحدث أيضا عن علاقته الاجتماعية بعد أن أصبح رئيس أحد اكبر المقاطعات بمدينة أمستردام نفسها. وبإيجاز شديد، هذه هي بعض القضايا الشخصية التي تعرض لها السيد احمد مركوش في كتابه (يحتوى الكتاب على 200 صفحة من الحجم المتوسط)، وهي القضايا التي لا تعنينا كثيرا في هذا المقام، بقدر ما تعنينا أكثر المواقف والتصورات التي طرحها لمعالجة مجموعة من القضايا والإشكالات التي يعيشها المغاربة بهولندا، وخاصة بعد إحداث 11 ديسمبر. وخاصة مسالة التطرف والأجرام. وفي هذا المضمار تناول الكاتب وضعية الجالية المغربية بهولندا عموما، ووضعية الشباب خصوصا، وهي الوضعية التي أثارت (ومازالت) الكثير من الجدل السياسي والإعلامي والاجتماعي بهولندا، خلال الآونة الأخيرة. فهكذا، تطرق المؤلف، بشيء من التفصيل والتركيز، إلى أحد أبرز المواضع الشائكة في حياة المهاجرين المغاربة بهولندا؛ وهما موضوع الدين والتربية. حيث يريد المؤلف ايهامنا بأن ” كل” المصائب والمشاكل التي يعيشها المغاربة بهولندا نابعة أساسا من التربية التي يتلقاها الأطفال المغاربة، التي – أي التربية المغربية- تفتقر في نظر الكاتب إلى الحوار والتشجيع. وربما، انطلاقا من هذه الخلفية التي تحكمت في تفكير وتقديرات الكاتب تجاه القضايا العويصة التي تتخبط فيها الجالية المغربية بهولندا خلال العقد الأخير، قلنا ربما، نتيجة لهذا التفكير أحرزت إشكالية الدين والتربية لدى المغاربة، وخاصة التربية التقليدية، المتميزة بالعنف وسلطة الأب أولا، وسلطة الفقيه (الأمام) ثانيا، بأهمية فائقة لدى المؤلف. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى، حاول الكاتب في أطار دفاعه المستميت على الهوية الإسلامية للجالية المغربية بهولندا، التي يشكل فيها الأمازيغ الأغلبية الساحقة ( أكثر من 80%) التأكيد على ضرورة الاهتمام والاعتراف بالدين(الإسلام) لتفادي تكرار”الأخطاء” السابقة حسب اعتقاد الكاتب. يؤكد السيد مركوش أن عدم الاهتمام السياسي بالإسلام خلال العقود الثلاثة الماضية من تاريخ الهجرة كان خطأ فادحا، وبالتالي لا يجب تكراره نهائيا( ص 67). وهذا معناه أن الكاتب يريد أن يقول لنا بأن ” كل ” المشاكل التي نعيشها في الوقت الحاضر بهولندا هي نتيجة حتمية لتغيب وتهميش الإسلام خلال الفترات السابقة من تاريخ الهجرة المغربية بهولندا، وخاصة قبل إحداث 11 ديسمبر، حيث أورد يقول في هذه النقطة ما يلي ” أربعين سنة من الهجرة ( يقصد هنا الهجرة المغربية)، منها ثلاثين سنة لم نتحدث خلالها عن الإسلام “. وهذا الكلام غير صحيح بتاتا، كما سنرى بعد قليل. إن الخطاب الذي يقدمه هنا السيد مركوش هو في عمقه خطاب النفاق المطلق، يحاول من خلاله الكاتب ممارسة التمويه، عبر التضليل والإيحاء، وهذا خطأ فادحا من الكاتب، فالرجل السياسي في اعتقادنا، يجب أن يكون على بينة من معاني ومقاصد الكلمات التي يستعملها في تعبيره وخطابه السياسي والإعلامي. فإذا حاولنا استرجاع العقود الماضية من تاريخ الهجرة المغربية بهولندا؛ انطلاقا من عقد السبعينيات من القرن الماضي وصولا إلى الآن، وبشكل موضوعي وديمقراطي، نجد أن الإسلام كان حاضرا وبقوة في انشطة الجالية المغربية بهولندا، سواء من خلال تأسيس العديد من المساجد؛ (من أصل 450 مسجد بهولندا هناك حوالي 250 مسجد مغربي) أو عبر تأسيس العديد من المنظمات والمراكز الإسلامية، وبالتالي تم تنظيم وعقد العديد من الندوات والمؤتمرات الإسلامية، هذا إضافة إلى وجود العشرات من المدارس الإسلامية الابتدائية والثانوية، بل وتأسيس كذالك جامعة إسلامية بمدينة روتردام ، بل وأكثر من هذا هناك مؤسسات هولندية إسلامية تقدم إرشادات ونصائح للحكومة الهولندية في قضايا الإسلام والمسلمين ومنها مؤسسة ” الإسلام والمواطنة” التي يترأسها السيد محمد السيني. رغم كل هذا يحدثنا الكاتب عن تهميش( تغييب) الإسلام بهولندا، فلا ندري ماذا يقصد (يريد) الكاتب تحديدا بهذا الكلام ؟. وهذا الغموض يزداد حدة عندما نعرف، كما يعرف الجميع، أن النقاش السياسي بهولندا حول الإسلام بدأ مند فترة طويلة– أي قبل إحداث 11 ديسمبر – وليس بعد هذا الحدث المأساوي كما يقول الكاتب. ونشير في هذا الصدد أن السيد بولكستين/ Frits Bolkestein باشر مع بداية عقد التسعينيات من القرن الماضي مناقشة الإسلام بهولندا، حيث نشر في هذا الصدد العديد من المقالات الصحفية حول الإسلام والثقافة الإسلامية ، والسيد بولكستين كان آنذاك زعيم الحزب الليبرالي (1). وفي نفس الاتجاه أصدر السيد بولكستين سنة 1997 على سبيل المثال كتاب حول الإسلام والمسلمين(2). وطبعا، قبل هذا التاريخ بكثير اصدر الباحث والكاتب الهولندي السيد سوسن روتنا سنة 1988 كتاب تحت عنوان ” المسلمون في القضاء الهولندي”، كما نشرت العشرات من المقالات والأبحاث حول الموضوع. ومن جانب آخر، يحتوى كلام السيد مركوش عن تناقضات مكشوفة وواضحة، فمن ناحية نجده يدعو إلى جعل الدين مسالة شخصية/ فردية ( ص63 ) وفي نفس الوقت نجده يدعو إلى الاهتمام السياسي بالإسلام عبر الاعتراف به (الإسلام) كعنصر أساسي في حياة المهاجرين المغاربة، بل أكثر من ذلك يدعو إلى تدريس الإسلام كمادة اختيارية في التعليم الابتدائي الهولندي ( ص 106)، هذا برغم معرفته الجيدة بأن هولندا هي دولة ديمقراطية وعلمانية تفصل بشكل تام بين الدين والدولة. انطلاقا من هذه الحقائق، وبكل صراحة وصدق، لا ندري لماذا يريد الكاتب بالضبط إقحام الدين في الموضوع، هل يريد الكاتب تحويل هولندا إلى دولة إسلامية؟. كما أننا لا ندري لماذا يحث الكاتب على الجانب الديني في عملية معالجة القضايا الشائكة للجالية المغربية مستقبلا!!؟ (ص66/67). والجدير بالذكر هنا أن الكاتب يلتقي في هذه النقطة (الفكرة) بالذات مع بعض الجهات الإسلامية الساعية إلى تطبيق الشريعة في هولندا. وعدم إدراكنا ( الفهم) لهذا الاقتراح هو نتيجة اقتناعنا بعدم جدوى مثل هذه المقترحات، وعندما نقل هذا الكلام فإننا لا نصدر أحكاما عبثية مسبقة على هذا المقترح، وإنما، نستحضر العديد من التجارب المماثلة، والتي انتهت كلها بالفشل المبين؛ ومنها على سبيل المثال وليس الحصر، تجربة المغرب ومصر وتونس والجزائر وغيرها من الدول العربية والإسلامية التي اعتمدت عن الإسلام، سواء عن طريق الاعتراف الدستوري به كدين رسمي لتلك الدول، أو عن طريق تدريسه أيضا في المدارس العمومية، أو بصيغة آخر، توظيف الدين في السياسة. كما أن التجربة البلجيكية هي قريبة منا أيضا، حيث اعترف هذا البلد الأوربي بالإسلام رسميا سنة 1974 ، ولكن بالرغم من ذلك مازالت مشاكل المغاربة قائمة ومستمرة، بل تفاقمت أكثر ومنها مشكلة الإجرام والتطرف الديني في صفوف الشباب البلجيكي من أصل مغربي. انطلاقا مما سبق نرى أن طرح مثل هذه المقترحات والأفكار هي نوع من الهروب إلى الأمام ليس إلا. نضيف إلى ما سبق ذكره، أن الكاتب تطرق في ثنايا كتابه أيضا إلى عدة قضايا ومشاكل تخص وتعني الجالية المغربية بهولندا بشكل مباشر. ومنها على سبيل المثال وليس الحصر، مشكلة التعليم والاندماج والعنف المنزلي والاغتصاب والمساواة بين الرجل والمرأة. و كذلك مسالة كراهية اليهود والمثلين، حيث تشير احد الدراسات الحديثة أن 80% من الشباب المغربي بمدينة روتردام مثلا ضد المثليين(3). وعندما نقول أن السيد مركوش يريد أيهامنا بأن التربية هي أم المشاكل – أي أنها السبب الرئيسي في المشاكل التي يعيشها المواطنون المغاربة بهولندا- فهو يحمل بذلك ضمنيا المسؤولية ” الكاملة” للآباء المغاربة، فإننا لا ننفى هنا إطلاقا أهمية ودور التربية في الموضوع. وإنما نريد التأكيد فقط على أن لموضوع وضعية المغاربة جوانب ودوافع أخرى، وأهمها على الإطلاق، هي الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية(العنصرية + الباطلة) السائدة وطنيا ودوليا أيضا خلال العقد الأخير. هذا مع استحضار الجانب الثقافي والديني في الموضوع؛ نقصد هنا نوعية الثقافة السائدة لدى عموم المهاجرين المغاربة بهولندا، وخاصة المنحدرين من أصول أمازيغية. حيث يشكل هذا الجانب، في تقديرنا الخاص، عائقا حقيقيا في تطور وانفتاح المهاجرين المغاربة على المجتمع الهولندي، وبالتالي عدم استيعابه للمبادئ والقيم السائدة داخل المجتمع الهولندي، وعلى رأسها قيم الاختلاف والتسامح من جهة، وقيم الحرية والمساواة بين المرأة والرجل من جهة ثانية، مع إضافة قيم الديمقراطية والعلمانية (فصل الدين عن الدولة) من جهة ثالثة. ونحن عندما نركز على هذا الجانب- أي على الجانب الثقافي والديني في الموضوع- فإننا في العمق نركز على أمرين مهمين للغاية في عملية تصحيح مسار المهاجرين المغاربة بهولندا، إذا كنا نريد بالفعل تصحيح هذا المسار، وهي مسالة مهمة جدا في عملية الفهم الموضوعي للمشاكل التي يعيشها المهاجرين في هذا البلد. أولهما، هو نوعية الثقافة التي يحملها المهاجرين المغاربة بهولندا، التي هي في عمومها ثقافة تقليدية متخلفة، حيث مازالت تستمد قوتها وشرعيتها من الماضي البئيس، وهي كذلك ثقافة تتميز بالتشاؤم والرفض والنفاق الاجتماعي (4). وثانيها هي ضرورة الفصل بين الدين والثقافة- أي أن الدين شيء والثقافة شيء آخر ( هذا بالرغم من أن الدين يعتبر جزء من الثقافة وليس هوية في حد ذاته. هذا من ناحية ومن ناحية ثانية، يجب الفصل بين الدين والسياسة، حيث هناك على سبيل المثال العديد من الأمور والسلوكيات التي لا علاقة لها بالدين نهائيا، ولكنها تقدم على أساسا أنها واجب وجزء من الدين، نشير هنا إلى مسالة النقاب مثلا، أو إلى ما يسمى حاليا ب ” الزي الإسلامي” . وهناك أيضا مسائل سياسية لا علاقة لها بالدين، ولكنها تقدم أيضا على أنها جزء من الدين، وبالتالي فإنه لا يجوز دينيا القيام بذلك، ومنها على سبيل المثال المشاركة في الانتخابات. الهوية: صراحة، ما دفعني للكتابة في هذا الموضوع – أي موضوع الهوية- هو ما أورده الكاتب حول هوية الجالية المغربية بهولندا، التي حددها في الهوية الإسلامية (ص 64 /70). وبالرغم من سلبية هذا الطرح/ الموقف اللاديمقراطي من وجهة نظرنا الخاصة، يعتبر هذا الطرح تطورا ملموسا في خطاب النخبة المغربية بهولندا تجاه إشكالية الهوية الأصلية لمغاربة هولندا، حيث نلاحظ خلال العقد الأخير تحول وانتقال مهم في مواقف النخبة المغربية بهولندا تجاه الهوية الأمازيغية، ويتجلى هذا التحول ” الشبه الجدري” من الحديث عن الهوية العربية للجالية المغربية في العقود الماضية، وبالتالي اعتبار الجالية المغربية جزء من الأمة العربية والشعب العربي، ولغتهم (والخطير هنا هو اعتبار اللغة العربية هي لغة الأم) إلى الحديث عن الهوية الإسلامية، خاصة بعد إحداث 11 ديسمبر واغتيال كذلك تيو فان خوخ على يد مسلم مغربي أمازيغي هولندي متطرف(5). ومن المؤكد أن الآمر سينتهي في نهاية المطاف إلى الحديث عن الهوية الحقيقية للجالية المغاربة بهولندا، ألا وهي الهوية الأمازيغية التاريخية، وذلك باعتبارها حقيقة موضوعية واجتماعية قائمة بذاتها لا يمكن التغاضي عليها بسهولة. إلى جانب هذا المعطى، هناك موقف آخر يعتبر الأمازيغية جزء من الهوية الأصلية للمهاجرين المغاربة بهولندا، وهذا الموقف نجده بالخصوص عند اليساريين المغاربة بهولندا. ونشير في هذا السياق أن الإقصاء الممنهج للهوية الأمازيغية من طرف السلطات الهولندية من جهة والتنظيمات المغربية بهولندا من جهة ثانية، في البرامج والمشاريع الموجهة أساسا للجالية المغربية خلال العقود الماضية من تاريخ تواجد المغاربة بهولندا، ساهم بشكل كبير في تأزم وضعية المغاربة بهولندا، بل وفي إفراز أيضا ظاهرة التطرف والتعصب الديني بهولندا( طبعا هناك عوامل أخرى) في صفوف الجالية المغربية بشكل عام، وفي صفوف المغاربة المنحدرين من أصول ومناطقه أمازيغية بوجه خاص، والسؤال المطروح هنا هو لماذا الأمازيغ تحديدا وليس غيرهم من الجاليات الإسلامية بهولندا؟. ونتيجة لهذه الحقيقة– أي حقيقة تهميش وإقصاء الهوية الأمازيغية بهولندا- التي يتغاضى عنها الكثير من المهتمين والباحثين في شؤون الهجرة المغربية بهولندا، تماما كما تغاضى عنها السيد مركوش في كتابه المذكر أعلاه، فأن الحكومة الهولندية ساهمة، بوعي منها أو بدون وعي، في تعريب الجالية المغربية الأمازيغية في المراحل السابقة من تاريخ الهجرة المغربية في هذا البلد، وتساهم الآن في أسلمتها كذلك. وذلك عبر توفيرها (تقديمها) للدعم المالي للمساجد، وهو الدعم الذي يتم في أطار الأنشطة “الثقافية والاجتماعية” التي تنظمها المساجد، أو من خلال دعمها كذلك للمنظمات الإسلامية، أو عبر تأسيسها أيضا للإذاعة الإسلامية. وما دمنا بصدد الحديث عن هوية الجالية المغربية بهولندا، ولكون أن فئة عريضة من الناس، وكذلك المثقفون القوميون، وخاصة الإسلاميون، يعتبرون أن الهوية الإسلامية هي هوية المغاربة، فمن الضروري في اعتقادنا المتواضع، الإشارة هنا إلى بعض الأمور المتعلقة بهذه النقطة – أي علاقة الدين بالهوية – هل يمكن اعتبار مثلا الدين الإسلامي هو المحدد الرئيسي في الهوية الأصلية لمغاربة هولندا؟. طبعا للإجابة على هذا السؤال لا يحتاج المرء إلى إجراء أبحاث ودراسات طويلة ومعقدة، وإنما المسالة تحتاج إلى القليل من التفكير/ التمييز فقط، ففي نظري، لا يمكن اعتبار الإسلام هو المحدد الرئيسي الوحيد لهوية الشعب المغربي الأمازيغي، وذلك للأسباب التالية: أولا: الإسلام مرتبط أساسا بالفرد وليس بالشعب ( الجماعة) بمعنى آخر، الدين مسالة شخصية وليس مسالة جماعية، والقرآن الكريم واضح في هذا المجال { فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر}.نضيف إلى هذا أن القرآن جاء لكل الناس على اختلاف ألوانهم وأصولهم وأجناسهم، وهو بذلك يتجاوز حدود القوميات والهويات الذاتية المحلية للشعوب المختلفة. ثانيا: تتحدد هوية الشعوب أساسا من المحددات التالية: الأرض – التاريخ – اللغة والثقافة. فلا يمكن لنا منطقيا أن نتصور وجود شعب ما دون هذه المحددات الثابتة في الهوية المشتركة (الجماعية) لجماعة ما. فالهوية بهذا المعنى هي مجموعة من الخصائص الثقافية (العادات والتقاليد) واللغوية والتاريخية التي تميز ( خصائص) جماعة/شعب ما عن غيره من الجماعات. أما الدين – أي دين – فهو جزء من الثقافة وبالتالي فانه جزء من الهوية وليس هو الهوية بذاتها وصفتها. ومن أجل توضيح هذه الفكرة سنعطى مثال بسيط من حالة السيد ” رشيد المغربي” العامل في قناة الحياة القبرصية ( وهناك العديد من أمثال السيد رشيد المغربي) فهذا الشخص كان مسلم العقيدة قبل أن يعتنق المسيحية. فهل تغيرت هويته المغربية بمجرد اعتناقه للمسيحية ؟ وهل تخلى السيد رشيد عن لغته الأصلية ( الدارجة) بعد اعتناقه للمسيحية؟ وهل تخلى أيضا عن أكل الطعام المغربي(الكسكس والطازجين..) وشرب الشاي المغربي ؟. وما نقوله هنا عن السيد رشيد المغربي ينطبق تماما عن الشعب العربي، حيث أن هويته العربية لا تتحدد انطلاقا من الدين، مهما كان هذا الدين، وذلك نظرا لوجود ديانات متعددة داخل الشعب العربي، ومنها: الإسلام والمسحية واليهودية وغيرها من الديانات الأخرى. لكن المواطن العربي المسيحي أو اليهودي أو المسلم يقول أن هويته هي الهوية العربية، ولا يقول أطلاقا أن هويته هي الهوية الإسلامية أو المسيحية أو اليهودية. بعبارة أخرى، لا يحدد هويته انطلاقا من الدين الذي يعتنقه. وإنما يقول بأنه عربي انطلاقا من كونه يتحدث باللغة العربية، ولكونه أيضا ينتمي إلى بقعة جغرافية محددة تسمى بالوطن العربي، ولكون له أيضا مجموعة من العادات والتقاليد التي تميزه على غيره من البشر، ولكون له كذلك تاريخ خاص به، هذا هي العناصر التي تجعل الإنسان العربي مثلا يقول بأنه عربي وليس لكونه مسلما أو مسيحيا أو يهوديا أو شيء آخر. وهذا الأمر نلاحظه في الواقع اليومي بهولندا، فعندما تسأل طفلا أو شابا لبنانيا بهولندا مثلا ( أو مواطنا عراقيا أو تركيا) عن هويته الأصلية، يجبك دون تفكير أو تردد بأنه لبنانيا عربيا، ولا يقول لك مثلا انه مسلما لبنانيا أو مسلما عربيا أو مسيحيا لبنانيا، أو انه يهوديا عربيا، لا يقول لك ذلك بتاتا حتى تسأله بشكل مباشر عن الديانة التي يعتنقها، بعد ذلك فقط سيقول لك بأنه لبناني مسلم أو لبناني مسيحي أو لبناني يهودي أو شيء آخر. من الملاحظ أن المواطن العربي نفسه ( المواطن اللبناني في المثال السابق)، يضع دائم مسألة الدين في المرتبة الثانية، وهو ( الإنسان العربي) يميز جيدا بين الهوية والدين. وهذا حال جميع الناس في العالم ، أو على الأقل الأغلبية المطلقة منهم، فعندما تسأل مواطنا فرنسيا عن هويته، سيقول لك مباشرة بأنه فرنسي أوربي، ولا يقول لك بأنه مسيحي فرنسي. أما معشر الأمازيغ فإننا نجعل من الدين والهوية شيء واحد. فعندما تسأل طفلا (أو شابا) مغربيا أمازيغيا بهولندا على سبيل المثال عن هويته الأصلية، سيجيبك دون تردد أو تفكير بأنه مسلم، وعندما تسأله أيضا عن ديانته يقول لك أيضا بأنه مسلم، ولا يذكر لك الانتماء إلى المغرب حتى تسأله بشكل مباشر عن بلاده الأصلي، آنذاك فقط سيقول لك بأنه مغربي، وعندما نقل هنا المغرب فإننا نعنى ضمنيا الأرض واللغة والتاريخ والثقافة التي استبدلها معظم المغاربة الأمازيغ بالدين. المهم، وباختصار شديد، نعتبر أن أحد أبرز الأسباب التي أدت إلى تأزم وضعية المغاربة بهولندا بشكل عام، ووضعية الشباب المغربي بشكل خاص جدا، هي مسالة الهوية والانتماء، حيث يعيش معظم الشباب المغربي أزمة الهوية، الناتجة أساسا عن الاستلاب الفكرية والحضاري واللغوي الذي يعيشه الأمازيغ مند الغزو العربي الإسلامي لبلادنا. وهذا الاستلاب تعزز بشكل واسع جدا خلال العقود الأخيرة، عندما جعلت بعض التيارات الفكرية والدينية والسياسية فيما يسمى تعسفا ” بالوطن العربي” من الإسلام أيديولوجية مقدسة تلغي كل ما هو محلي لدى الإنسان الغير العربي. التطرف: ولحكاية التطرف بهولندا، خاصة في صفوف الجالية المغربية بهولندا، جوانب وجذور عديدة، حيث يتداخل فيه ما هو ذاتي بما هو موضوعي من جهة، ويتداخل فيه ما هو محلي/وطني (الداخلي) بما هو خارجي من جهة ثانية. ومنها كذلك ما هو ديني، وتاريخي وسياسي واجتماعي واقتصادي وتربوي ونفسي وثقافي. لكن، يتعلق الأمر في تصورنا المتواضع، أساسا بالجانب الثقافي، بمعنى آخر، يتعلق أساسا بنوعية الثقافة( الوعي) التي يحملها (يمتلكها) المهاجرين المغاربة بهولندا، وخاصة الجيل الأول والثاني. وهذا الوعي – أي الوعي السائد لدى عموما المهاجرين المغاربة بهولندا – يجعل هؤلاء المهاجرين القادمين من أعماق جبال الريف المنسي، أو من أعماق جبال الأطلس، لا يرون ذاتهم ألا من خلال ذلك العربي القادم من الشرق الأوسط،، ولا تتحقق سعادتهم الروحية والمعنوية أيضا ألا من خلال التقرب والاستشارة( حتى ولو كانت في أمور شخصية جدا) مع ذلك العربي القادم من أعماق الصحراء والحامل لثقافة الاستعلاء والرفض والعنف. إذن في أطار هذه التبعية؛ نقصد هنا التبعية الثقافية والدينية والحضارية التي يعيشها المغاربة عموما، والمهاجرين خصوصا، اجتاحت الحركة الوهابية في منتصف الثمانينات من القرن الماضي هولندا (ص 53/54 )، وذلك في أطار نشرها للفكر الوهابي المتطرف. وهذا الاجتياح ستكون له انعكاسات خطيرة فيما بعد، انعكاسات نعيشها الآن وندفع نحن الأمازيغ ثمنها الباهظ جدا. لهذا فإننا لا نستغرب، من كون أن جميع المساجد، وهي أربعة، المتهمة بالتطرف والتشدد الديني بهولندا هي مساجد مغربية، ولكن( وهذا هو الأساسي والمهم في الموضوع) يوجد على رأس هذه المساجد أئمة عرب جاءوا من الشرق الأوسط ( من سوريا ومصر تحديدا). والسؤال المطروح هنا هو: لماذا لا توجد مساجد تركية مثلا في قائمة الاتهام أو حتى المساجد المغربية التي يوجد على رأسها أئمة مغاربة؟. نضيف إلى هذه الحقيقة الساطعة، والتي لا يمكن التغاضي عليها، باعتبارها أحد أبرز الأسباب التي أدت إلى انتشار الفكر الديني المتشدد في أوساط الجالية المغربية بهولندا. نضيف إلى هذا، ان، منسق شبكة مجموعة أمستردام / Hofstadnetwerk المتطرفة التي كان أحد أعضائها البارزين هو منفذ عملية اغتيال المخرج الهولندي تيو فان خوخ ، هو شخص عربي سوري الجنسية (6). إلى جانب هذه الأمور هناك أيضا الدور السلبي للنظام المغربي،المتمثل أساسا في إقصاءه للهوية الأمازيغية من برامجه التعليمية والقانونية والإعلامية، وإشاعته في المقابل لخرافة الأصل والانتماء العربي للمغاربة عبر تبنيه ” للعروبة والإسلام” كأيديولوجية قومية عنصرية. هذا من جهة ومن جهة أخرى، هناك غياب تام للمخزن المغربي على مستوى الهجرة عموما، وفي هولندا خصوصا (مقارنة مع الأتراك مثلا)،وكل ما يمكن تسجيله في هذا الصدد هو أن حضور المخزن المغربي في حياة المهاجرين المغاربة بهولندا كان حضورا سلبيا للغاية، فبالإضافة إلى سعيه المستمر لعرقلة اندماج المغاربة داخل المجتمع الهولندي ( نشير هنا مثلا إلى خطاب الحسن الثاني في بداية الثمانينيات الداعي إلى عدم مشاركة الجالية في الانتخابات البلدية بهولندا) أو في استعماله للمساجد في صراعه مع القوى اليسارية بهولندا(7)، ومنها القوى الأمازيغية الديمقراطية المستقلة. التربية: طبعا، سوف لا نعالج هنا كل ما أورده الكاتب من الأفكار والاقتراحات والتصورات حول وضعية الجالية المغربية بهولندا، فهذا الأمر يطول فيه الكلام، بل أنه ليست غايتنا في هذا المقام، ولكننا نود الوقوف هنا، ولو بعجالة، إلى مسالة العلاقة بين التربية والدين. وفي هذا المضمار بالذات تطرح إشكالية العلاقة بين التربية والتطرف من ناحية، أو بصيغة آخر، هل للتربية دور في التطرف؟. وبالتالي علاقة الدين بالتطرف؟. ومن ناحية أخرى، تطرح إشكالية العلاقة بين الدين والتربية، حيث أن السؤال الجوهري المطروح هنا هو كالتالي: ما هو موقع الدين في التربية المغربية التقليدية ؟. نضيف إلى هذا كله، أن ثنائية ” التربية والدين ” تقودنا إلى طرح موضوع فلسفي آخر، أكثر عمقا واستفزازا، وهو موضوع العلاقة بين الأنا (المسلم) والأخر ( الغرب). والأنا في نظر الإنسان المسلم، بشكل عام، تعنى الإيمان والأفضل والأحسن { أحسن أمة خرجت للإنسان} نعم المسلمون أفضل أمة، ولكن في ماذا؟. لا شك أن هذه النظرة الاستعلائية والتفوقية هي نظرة عنصرية بامتياز( هذا بالرغم من أن التواضع من مبادئ وقيم الإسلام). وفي المقابل فإن الآخر(= الغرب) في نظر المسلمين هو ذلك الغرب الملحد / الكافر والفاسد أخلاقيا. ففي خضم هذه البنية الفكرية السائدة لدى معظم المهاجرين المغاربة يعيش الإنسان المغربي المسلم المهاجر (نقصد هنا المتدين) تناقضات وصراعات داخلية خطيرة، صراع بين ما يفرضه عليه ” الإسلام” من القيم والمواقف، أو على الأقل ما ينسب إلى الإسلام من المواقف والقيم، وبين ثقافة المجتمع الذي يعيش فيه، حيث إن السؤال المطروح هنا هو: كيف يمكن له أن يوفق بين متطلبات المجتمع الهولندي ومتطلبات ” الإسلام” ؟. فبينما تطالب الدولة الهولندية على سبيل المثال من الجالية الإسلامية بهولندا المشاركة والاندماج في الحياة العامة للمجتمع، وتخصص من أجل ذلك ميزانية ضخمة جدا، وذلك باعتبارها( الجالية الإسلامية) جزء من المجتمع الهولندي المتسامح إلى أقصى درجات التسامح، نجد أن العديد من أئمة الظلام يسبحون ضد التيار – أي يرفضون الاندماج، ويقدمون له تأويلات متعددة ومختلفة(8)، والرفض هنا هو رفض ديني وليس سياسي ، فكيف يستطيع المسلم ان يوفق بين الأمرين؟. وهناك تناقض وصراع بين خطاب ديمقراطي عقلاني تقدمي يدعو إلى المساواة الكاملة بين المرأة والرجل، باعتبارها (المرأة) جزء من المجتمع وعنصرا مهما في التطور والتنمية، وبين خطاب إسلامي متخلف استبدادي يرفض مصافحة المرأة (نقصد هنا مصافحة اليد) والاختلاط مع الرجال (ص 38) ، خطاب مازال يناقش زواج الطفلة، هل يجوز أو لا يجوز؟ وذلك على قاعدة وخلفية أن الرسول الأعظم تزوج السيدة عائشة وهي في السادسة من عمرها ونكحها في التاسعة من عمرها. هكذا، مازلنا لم ننتهي بعد من مشكلة النكاح (الإشباع الجنسي) والحجاب ونواقض الوضوء ….!!!. ففي نظر الكاتب تعتبر مسألة التربية، كما قلنا سابقا، من بين أبرز الأسباب التي أدت ومازالت تودي إلى تزايد وتفاقم مشاكل الجالية المغربية بهولندا، حيث لا تتيح التربية المغربية التقليدية المجال الكافي للطفل (والشاب) لطرح تساؤلاته وانتقاداته(ص 57)، هذا مع تأكيد وتركيز الآباء على أهمية الدين لأطفالهم ( ص103). وفي هذا الصدد أكد الكاتب بدوره على أهمية الدين في حياة مغاربة هولندا، هذا من جهة ومن جهة أخرى أكد على أهمية معرفة الهولنديين لثقافة المغاربة(الإسلام)، حيث قال أن معرفة الهولنديين لثقافة المغاربة هي ضئيلة جدا إلى درجة أنهم لا يميزون ( أي الهولنديين) بين اسم الحسن والحسيين (ص 93). وهذه مغالطة تاريخية، إذا ما نظرنا إلى علاقة هولندا بالإسلام أولا. فهولندا استعمرت أكبر دولة إسلامية في العالم أثناء القرن الماضي، وهي اندونيسيا، ثم أن وجود المسلمين في هذا البلاد يعود إلى بداية العشرينيات من القرن الماضي، كما أن ترجمة القرآن الكريم إلى اللغة الهولندية وبناء المساجد كان في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي. أو إذا ما نظرنا إلى علاقة هولندا بالمغرب فإنها تمتد إلى القرن السادس عشر(9) وليس إلى عقد الستينيات من القرن الماضي ثانيا. ومن هذا المنطلق لا يمكن لنا القول أن الهولنديين لا يعرفون الثقافة المغربية/ الإسلام، الهم إذا كان الكاتب يقصد هنا معرفة جزئيات وتفاصيل الإسلام المتعلقة مثلا بالوضوء والزكاة والحج والصوم والنكاح وغيرها من الأمور التي لا يعرفها حتى معظم المغاربة/ المسلمون أنفسهم. نحن نعتقد أن مشاكل المغاربة لا تكمن أبدا في عدم إدخال الدين الإسلامي إلى التعليم العمومي الرسمي، أو في عدم الاعتراف الرسمي بالإسلام، وإنما تكمن في ثلاث أمور أساسية في نظرنا، أولها، هو الاختراق والاجتياح الواسع للتيار الإسلامي الوهابي القادم من الشرق الأوسط للجالية المغربية بهولندا، وخاصة للمساجد والتنظيمات المغربية الإسلامية. وثانيها تكمن في البنية الفكرية السائدة لدى المهاجرين المغاربة أنفسهم. وفي هذا السياق يجب علينا الاختيار بين البقاء في هولندا أو الرحيل عنها، وبالتالي يجب علينا احترام قوانينها ومبادئها والانخراط الايجابي في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفنية لهذا المجتمع، باعتبارنا جزء منه، أو الرحيل عنها ( = هولندا) لمن لا يريد الاعتراف بقوانينها وقيمها الحضارية. وثالثها هو ضرورة استحضار البعد الأمازيغي في وضع أية مشاريع موجهة للجالية المغربية بهولندا. لكن قبل هذا وذلك، على الجالية المغربية بهولندا ان تعترف باخطائها الجسيمة، وبالتالي الاعتراف بجزء من مسؤولياتها تجاه المشاكل التي تعيشها. وهذا يعنى ضرورة القيام بالمراجعة الشاملة، وخصوصا في علاقتها مع هولندا أولا. والسؤال المطروح هنا هو، هل نحن مواطنون في هذه الدولة أم لا؟. وإذا كان الجواب بنعم فما هو دورنا ومسؤوليتنا تجاه هذه الدولة؟، وإذا كان الجواب بلا – أي إننا لسن مواطنون في هذا البلد – فإلى متى سنظل هنا؟. ونعتقد أيضا أن إعادة النظر في علاقة الجالية المغربية؛ ونقصد هنا المساجد والتنظيمات الإسلامية، مع الشرق الأوسط (سواء كانت دول أو تنظيمات) مسألة ضرورة، بل وحتمية، إذا ما أردنا مواجهة ظاهرة التطرف الديني في صفوف المغاربة بهولندا. هذا من جهة ومن جهة ثانية، نرى أنه من الضروري استعمال اللغة الهولندية، واللغة الأمازيغية في المساجد. شخصيا لم أفهم على سبيل المثال لماذا يتم توظيف أئمة عرب في المساجد المغربية. كما يجب أيضا إعادة النظر في علاقتنا ( المهاجرين) مع الدولة الأصلية. الدين: إضافة إلى ما سبق ارتأينا التطرق إلى إشكالية الدين، ففي واقع الأمر يعتبر تركيز الكاتب على العنصر الديني في معالجته لقضايا الجالية المغربية بهولندا عن الغباء السياسي، وهو نوع من الهروب من مواجهة المشاكل الحقيقة للجالية المغربية بهولندا، هذا من جهة ومن جهة أخرى، يقدم الكاتب من خلال تركيزه على الجانب الديني تهمة ” رسمية” (مباشرة) للجالية الإسلامية بهولندا، وللجالية المغربية بالخصوص، حيث يريد الكاتب من خلال تركيزه على الدين أن يقول لنا أن سبب المصائب والمشاكل التي نعيشها بهولندا، وعلى رأسها مسالة الإجرام والتطرف، نابعة من المسلمين أنفسهم، وبحكم جدلية الدين والتربية لدى المسلمون، فإن الدين لعب دورا رئيسا ومهما في حياة المهاجرين المغاربة بهولندا، وبالتالي فان الدين مسئول إلى حد ما عن المشاكل التي يعيشها المغاربة بهولندا، سواء من خلال نوعية التربية التي يتلقها الأطفال المغاربة أو من خلال الاختراق الوهابي للجالية المغربية ، كما أسلفنا القول سابقا. ففي هذا الكلام جزء كبير من الصواب، خاصة فيما يتعلق بظاهرة تطرف الشباب المغربي بهولندا، لكن الكاتب لم ينفذ إلى صلب الموضوع بما فيه الكافية، حيث أن الحقيقة تكمن في النفاذ إلى صلب الموضوع، فلماذا يتم الحديث عن المغاربة كلما تم الحديث عن الإسلام والمسلمين في هولندا؟ ولماذا يكون المغاربة دائم الحضور، بل أنهم المبادرون ، كلما تعلق الأمر بالأحداث الجارية في الشرق الأوسط، ولا نجد مثلا الأتراك باعتبارهم مسلمون أيضا أو نجد العرب أنفسهم ؟. ولماذا نجد كذلك ان جميع المساجد؛ وهي أربعة مساجد، المتهمة بالتطرف والتشدد بهولندا هي مساجد مغربية وعلى رأسها أئمة من الشرق؟. يبدو أن الكاتب وقع في خلط كبير وخطير بين الإسلام كدين الهي مقدس يدعو إلى مجموعة من القيم النبيلة، وبين الإسلام السياسي، أو بصيغة آخر الإسلام الذي تحول إلى أيديولوجية قومية عنصرية متطرفة ترفض كل ما هو ليس عربي / إسلامي، وتعتبر الغرب كافرا وملحدا، هكذا. ما لم يتطرق إليه الكاتب، الذي ركز على مسالة الدين والتربية، كما قلنا، هو دور وتأثيرات الدين في التربية، وخاصة الإسلام الأيديولوجي الذي يعتبر الغرب كافرا، فعلى سبيل المثال يجلس الشباب المغربي يستمع إلى خطبة الإمام في أحد مساجد لاهاي أو أمستردام أو غيرها من مساجد هولندا حول الشواذ الجنسي وكيف ينظر إليه الإسلام بينما أن المجتمع الذي يعيش فيه، وهو المجتمع الهولندي يعترف بالشواذ، فهنا يدخل معظم الشباب في صراع داخلي عنيف بين عقيدته التي لا تحترم مثل هذه السلوكيات وبين مجتمع متسامح معها. انطلاقا من التناقضات والصراعات المعرفية التي يعيشها الإنسان المغربي المسلم بهولندا، الذي يعيش بين أحضان الحداثة الفكرية الموجودة في الغرب وبين التأويل الأيديولوجي للنصوص القرآنية، وبناء على ما سبق أيضا، يكمن القول بأن المعضلة الحقيقية تكمن في بعض النصوص القرآنية التي يتم تأويلها وفق مصالح وأهداف معينة للحركات الإسلامية المتطرفة، وهي نصوص متجاوزة زمنيا. ومن هنا فان المقولة الشاسعة حول صلاحية القرآن لكل زمان ومكان غير صحيحة في اعتقادنا، وبالتالي يجب على علماء الأمة الإسلامية إعادة النظر في هذه المسألة. وهذا لا ينفى حقيقة ” بأن القران يخاطب أهل كل زمام ومكان يفرض علينا اكتساب فهم متجدد للقران بتجدد الأحوال في كل عصر” (10). بعض الهوامش: 1: Geert Wilders Tovenaarsleerling ,Meindert Fennema- Uitgeverij Bert Bakker 201 2: Moslims in de polder,Frits Bolkestein,Amsterdam 1997 3: Hoezo mislukt? De nuchtere feiten over de integratie in Nederland, Frans Verhagen –Nieuw Amsterdam Uitgevers 4: انظر في هذا الصدد الحوار الذي أجرته مجلة المشعل مع علي لهروشي ، العدد الجمعة 9 ماي 2008. 5: Strijdsters van Allah- Radicale moslima's en het Hofstadnetwerk ,Janny Groen en Annieke Kranenberg – de Volkskrant Meulenhoff- 2006 6: انظر المرجع السابق – 5 - 7:Van migratie naar burgerschap: twintig jaar Komitee Marokkaanse Arbeiders in Nederland , Ineke van der Valk – Instituut voor publiek en politiek- Amsterdam 1996 8: انظر كتاب ” المسلمون في الغرب بين تناقضات الواقع وتحديات المستقبل” للسيد التجاني بولعوالي، إصدارات مركز الحضارة العربية القاهرة- مصر سنة 2006 ،الطبعة الأولى. 9:Abdelkader Benali & Herman Obdeijn , Marokko door Nederlandse ogen 1605-2005 -Uitgeverij de Arbelderspers, Amsterdam- Antwerpen 10: انظر محمد عابد الجابري ” مواقف إضاءات وشهادات ” من ملفات الذاكرة، الطبعة الأولى 2008 – دار النشر المغربية اديما. (*) فاعل أمازيغي