أخيرا رضخ برلمانيو الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني، الذي يقود الحكومة الحالية، لضغط اليمين، الذي تمكن من تشكيل جبهة من أحزاب يسارية و وطنية، لاستصدار موقف من مجلس النواب، ضد المغرب، في أحداث الشغب التي عرفتها مدينة العيون، حيث حصل توافق بين الاشتراكيين و الحزب الشعبي، على صيغة، تعبر عن «الانشغال» تجاه «الأخبار الواردة» حول العيون بخصوص انتهاكات لحقوق الإنسان، كما تطالب، هده الصيغة، المغرب، بالسماح للمنظمات الحقوقية و للصحافة بالعمل في الصحراء. و رغم أن الاشتراكيين كانوا قد رفضوا الصيغة الأولى، التي كانت أكثر حدة، إلا أن الموقف الذي صدر يحمل موقفا منحازا و غير أخلاقي، لأنه يستند أولا على «الأخبار» المنشورة، و هي تلك الدعاية الكاذبة التي تروجها وسائل الإعلام الاسبانية، و التي رفضت وزيرة الخارجية الإسبانية، ترينيداد خيمينس، في البداية، تصديقها، في انتظار تحريات من منظمات مستقلة، و هدا ما حصل بالفعل، حيث أن منظمة هيومن واتش و كذلك منظمة العفو الدولية، أصدرتا تقريرين يعترفان، إلى حد كبير بالرواية المغربية للأحداث. ومعنى ذلك أن منظمات حقوقية دولية زارت العيون. أما الجانب اللاأخلاقي الثاني في موقف النواب الاسبان، فهو المتعلق بالمطالبة بحرية تحرك المنظمات الحقوقية و الصحافيين، و هنا لابد أن ندين موقفا عنصريا خطيرا تتضمنه الصيغة المتوافق عليها، إذ توجد في المغرب منظمات حقوقية ذات مصداقية عالية، لم تساند رواية البوليساريو، كما أن أغلب وسائل الإعلام المغربية تتواجد في العيون، بالإضافة إلى لوموند و لوفيغارو، الفرنسيتين، التي مكث مراسلاهما مدة في العيون للتحقيق في الأحداث، و نشرا تقارير تكذب ما ادعته الصحافة الإسبانية حول «الإبادة» و «التطهير العرقي»، في الصحراء، هذا ناهيك عن تواجد مراسلي الجريدتين الإسبانيتين «البايس و «الموندو» في العيون. إذن لا يمكن وصف موقف النواب الاسبان، إلا بأنه يدخل ضمن الدعاية المعادية للمغرب، و لا يشرف مجلسا من المفترض انه يمثل الطبقة السياسية لبلد «ديمقراطي». فهل يكذب البرلمان الإسباني منظماتنا الحقوقية و صحافتنا؟ هل يكذب الصحافة الفرنسية؟ هل يكذب المنظمات الحقوقية الدولية؟ هل يريد فقط أن نعترف «بمصداقية» الصحافة الإسبانية و النشطاء «الحقوقيين» الاسبان؟ في الحقيقة إننا أمام مزايدات تحضيرية للانتخابات، يشكل العداء للمغرب أهم محاورها، و اذا كان هذا البعد التكتيكي، يفسر ما حصل في البرلمان الإسباني، فإن البعد الإستراتيجي، يظل حاضرا كذلك، حيث أن خطة إضعاف بلدنا، توحد كل القوى السياسية، في إطار التخطيط الذي تقوم به المخابرات و الجيش، و هو الذي يفسر الحملات المنظمة و المنسقة على مختلف المستويات. و يستحوذ الحزب الشعبي الإسباني على الموقع الأول في هذه الصورة، و هو كما نعلم، امتداد للتنظيم الذي شكله الديكتاتور فرانكو، و الذي غير اسمه للتمويه على منشئه الأصلي ، في إطار الفترة الانتقالية نحو الديمقراطية في هدا البلد. كمحاولة لتجميل الوجه القبيح لتنظيم سياسي لا علاقة له بأية ثقافة ديمقراطية. فالحزب الشعبي، ليس كمثيله من الأحزاب اليمينية في عدد من البلدان الأوروبية، وليد صيرورة ليبرالية، ساهم في بنائها عبر نضاله ضد الإقطاعية أو أي نظام ديكتاتوري، بل إنه بقية من بقايا نظام ديكتاتوري، وقد نجح في التحايل على الرأي العام، ليقدم نفسه كتنظيم مثل التنظيمات اليمينية الأوروبية. فنحن أمام حزب كان زعيمه، الجنرال فرانكو، حليف الفاشية الإيطالية و النازية الألمانية، و لذلك كان معزولا في أوروبا، التي لا يمكنها أن تنسى انه عندما كان يسقط مئات الآلاف من ضحايا الحرب التي خاضها هتلر، بتحالف مع رفيقه موسوليني، كان النظام الديكتاتوري في اسبانيا متواطئا مع هذه الجرائم ضد الإنسانية التي تم اقترافها آنذاك. وهو لم يقبل اللعبة «الديمقراطية» إلا لأنها كانت مفروضة عليه، من طرف أوروبا. وتزداد شراسة هذا الحزب في خطابه ضد المغرب عندما يكون في المعارضة، لإحراج الحكومة الاشتراكية، التي تجد نفسها موزعة بين خدمة مصالح بلدها، التي تربطها مع بلدنا، و بين الاستجابة للخطاب اليميني، الذي يلقى تجاوبا واسعا في المجتمع الإسباني، مما يشكل تهديدا انتخابيا مستمرا للحزب الاشتراكي العمالي الإسباني.