على عكس الوعد الذي قطعته الجزائر على نفسها أمام المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة للصحراء، خلال زيارته المغاربية الأخيرة، والقاضي بعدم تبني "موقف معرقل". أخلفت الجارة الشرقية الوعد، ونقضت العهد مرة أخرى. فقد اتضحت بشكل علني معالم استراتيجيتها الجديدة، الرامية إلى خلق البلبلة، وتغيير مسار تسوية ملف الصحراء المغربية، وإدخاله في متاهات جديدة، باعتمادها مسلكا يجعل من حقوق الإنسان ومما تسميه استغلال ونهب خيرات الصحراء ومن محاولة إضافة قضية حقوق الإنسان ضمن اختصاصات البعثة الأممية في الصحراء محاور رئيسية في تحركاتها الديبلوماسية، لفرض تقرير المصير ومعاكسة اقتناع المجتمع الدولي بالحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية الذي يعد أفضل سبيل للحفاظ على التوازنات الجيو- سياسية الكبرى وعلى الاستقرار الإقليمي. فقد خانت العبارات الديبلوماسية سفيرها بالأمم المتحدة ليعلن في نيويورك، و بملء فيه، قال أن الأحداث التي شهدتها أكادير "جريمة دولة"• ومباشرة بعد ذلك، وبدون وجل أعلن مسؤولون في البوليساريو عن أسفهم لغياب اشتباكات تفضي إلى وقوع ما أسموه "شهداء"• ونفس التعابير سيتم تداولها قبيل تسلم الانفصالية أمينة حيضر جائزة "مؤسسة كيندي" الدولية، ليعقبها الأسف لعدم وجود ضحايا. بمعنى آخر، كانت رزنامة الجزائر والبوليساريو مثقلة بمناورات لخلق بلبلة داخل التراب المغربي تؤدي إلى اشتباكات تخلف سقوط قتلى، وبالتالي تمنح الجائزة حمولة أخرى، وتدفع في اتجاه التشهير بالمغرب والقيام بحملة ضده. المحاور الثلاثة، المشكلة للاستراتيجية الجزائرية، أكدت بما لا يدع مجالا للشك، إصرار النظام الجزائري على رفض أي تقدم ملموس في مسلسل المفاوضات، ونيته المبيتة لنسف جهود المنتظم الدولي لجعل المحطة القادمة فرصة حقيقية للدخول إلى مشاورات جادة ومعمقة، على أرضية ما اعتبره مجلس الأمن مبادرة مغربية وحيدة جدية للتوصل إلى حل سياسي. وهي محاور تبقى، في المحصلة النهائية، واهية، ومردود عليها. ففيما يتعلق بما أسمته الجزائر والبوليساريو نهب خيرات الصحراء في إشارة إلى مناجم بوكراع والثروة السمكية، يمكن القول دون مواربة، وبشهادة الخبراء الأجانب، أن مصير مناجم بوكراع، ومنذ سنوات خلت، كان الإغلاق بالنظر إلى انعدام مردوديتها. وقد تم الإبقاء على نشاطها، رغم ذلك، لأهداف اجتماعية صرفة لكونها تشغل آلاف العمال، وبالتالي تفتح أبواب الرزق لعشرات الآلاف من الأسر بالأقاليم الجنوبية للمملكة. والأمر نفسه ينطبق على الثروة السمكية التي تعتبر مصدر رزق ساكنة الأقاليم ذاتها. وقد وفرت الحكومة المغربية بنية تحتية للنهوض بكل القطاعات، كلفت استثمارات هائلة لإنشاء الموانئ والطرق ومختلف المرافق الضرورة تفوق بسبع مرات ما تنتجه هذه الأقاليم الصحراوية. وإمعانا في السير في الاتجاه المعاكس لقناعات جميع الملاحظين الموضوعيين، الذين يقرون بأن مخطط الحكم الذاتي, في إطار سيادة المملكة، الذي قدمه المغرب سنة 2007، يشكل الحل الوحيد الملائم لتسوية نهائية لمشكل الصحراء، تفننت الجزائر في إبداع هامش جديد للمناورة، يتعلق بالضرب على وتر حقوق الانسان،مقدمة صورة كاذبة لما يحبل به الواقع المغربي. فقد تناست الجزائر التطورات التي شهدها المغرب في هذا المجال، بشهادة المجتمع الدولي، وما ينوي القيام به للمضي قدما على هذا الدرب، الذي ما زال طويلا ينتظر المغاربة في كل منعطف من منعطفاته لبنات جديدة. وتجاهلت الجارة الشرقية أنها آخر من يمكنه اعطاؤ دروس في هذا المضمار بالنظر إلى ما يجري، ليس فقط وسط بلادها، بل أيضا في اقصى الجنوب الغربي، على ارض تندوف، التي تصل منها تقارير جهاز المخابرات المزروع وسط المحتجزين وغيرهم. تقارير تؤكد ان الأشخاص الذين يخضعون للنفوذ قسرا وكرها يشعرون بقلق وإحباط، زاد في اتساع دائرة المنشقين الراغبين في المقترح المقدم من قبل المغرب، ومتشبثين بالموقف ذاته الذي عبر عنه الرئيس الأسبق بن بلة، وسعيد السعدي، وحسين أيت أحمد, وعبد القادر عواد، ولويزا حانون والعديد من الشخصيات السياسية الجزائرية. فلتحدثنا الجزائر، أولا، عن ما يتعرض له المحتجزون يوميا من تعذيب وحشي، ومن مسلسل متواصل لفصل الصغار عن أسرهم ومن إبعاد للآباء عن أزواجهم وفلذات أكبادهم من اجل ضمان "الولاء"، قبل أن تحشر انفها في قضية حقوق الإنسان التي تبقى قضية مغربية - مغربية لن يسمح المغرب والمغاربة لاحد بتوظيفها لأغراض دنيئة يعرف الجميع مراميها. إنها المحاور الثلاث للاستراتيجية الجزائرية. وقد سبق للسيد بيتر فان فالسوم، المبعوث الشخصي السابق للأمين العام للأمم المتحدة للصحراء، في حديثه ليومية "إن إر سي هونديلسبلاد" الهولندية،أن كشف عنها حين أكد أن الجزائر ليس لها من هدف وراء السعي لاعطاء تفسير معين لتقرير المصير سوى إطالة أمد مسلسل المفاوضات حول الصحراء ما أمكن، مشددا على أن خيار استقلال الصحراء غير واقعي. بل ذهب فالسوم حد نصيحة الجزائر بأن من مصلحتها أن تنأى بنفسها عن سياسة "البحث عن المأزق" واغتنام الفرصة التي يتيحها المقترح المغربي للتخلي النهائي عن موقف الجمود وعدم التجاوب، والمشاركة،بدل ذلك، بشجاعة، في مفاوضات جادة، بحسن نية. فالدعاية، على أية حال، سياسة أضحت، في ظل المتغيرات العالمية، "صنفا" ديبلوماسيا متجاوزا، لكونه يعتمد التغليط الذي يصطدم دوما، في حالة ملف الصحراء، بحقيقة الروابط التاريخية والقانونية التي تجمع المغرب وأقاليمه الجنوبية. وفي انتظار موعد استئناف المفاوضات، وما قد يفاجئنا به بوتفليقة من نبش في ماضي المقترحات البالية، ومن ابتكار لأساليب العرقلة، سيواصل المغرب التزامه بهدوء ومسؤولية وحزم، وذلك من أجل التوصل إلى حل سياسي قائم على الحكم الذاتي ولا شيء غير الحكم الذاتي في إطار من الاحترام الكامل للوحدة الترابية والسيادة الوطنية للمملكة"، إيمانا منه بحقوقه، وذلك دون اكتراث للمناورات التسويفية أومحاولات العرقلة.