المشاركة العسكرية الأممية والتي تعود لسنة 1960 (تاريخ إرسال المرحوم محمد الخامس أول تجريدة عسكرية إلى الزايير) تدخل في إطار إرادة المغرب في تحقيق السلم والتضامن العالمي. أو إذا صح التعبير، فإن هذه المشاركة يفرضها الدور الذي يلعبه المغرب في المنظومة الأممية.وتاريخ المساهمات المغربية في عمليات حفظ السلام،والمساعدة على إعمار المناطق المتضررة من الحروب،يوضح بجلاء هذا النزوع نحو السلم. ورغم حضور القوات المغربية ضمن العديد من بعثات حفظ السلام الأممية في بعض بؤر التوتر الإفريقية،فإن الأهداف التي تحكمت في هذه المشاركة كانت إنسانية محضة،ودخل في صميم الواجب العسكري الذي نذرت القوات المسلحة الملكية نفسها للدفاع عنه. وفي هذا الإطار،قامت منظمة الأممالمتحدة، أمس الجمعة،خلال حفل احتضنه مقر المنظمة،بتكريم أفراد قوات القبعات الزرق الذين لقوا مصرعهم في سبيل السلام،ومن بينهم مغربي برتبة رقيب ،المرحوم محمد تيكتيك الذي عمل ضمن بعثة الأممالمتحدة في ساحل العاج،والذي لقي حتفه يوم 26 مارس 2009. وسلم نائب الأمين العام للأمم المتحدة،المكلف بإدارة حفظ السلام ،آلان لوروي،خلال هذا الحفل المنظم بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للقبعات الزرق,للسيد محمد لوليشكي،السفير الممثل الدائم للمغرب لدى منظمة الأممالمتحدة ،ميدالية " داغ هامرسكيلد" التي منحت للمرحوم محمد تيكتيك بعد وفاته . وحيى السيد لوروي مساهمة المغرب في عمليات حفظ السلم،مشيدا بالتزام جلالة الملك محمد السادس لفائدة السلم،وبمهنية الجنود المغاربة. وفي رسالة تم تلاوتها بهذه المناسبة،قال الأمين العام لمنظمة الأممالمتحدة،السيد بان كي مون " في هذا اليوم العالمي للقبعات الزرق التابعين لمنظمة الأممالمتحدة،ننوه بتضحيات هؤلاء الرجال والنساء الذين فقدوا أرواحهم حينما كانوا بصدد الخدمة تحت راية الأممالمتحدة ". وأضاف أن اليوم العالمي عرف هذه السنة خسائر ثقيلة،مذكرا بمصرع 121 من أفراد القبعات الزرق خلال تأديتهم لمهامهم بين شهري يناير 2009 وفبراير 2010،من بينهم 96 إثر الزلزال الذي ضرب هايتي. وقد جرى هذا الحفل بحضور السفراء والملحقين العسكريين للعديد من الدول ،من بينهم العقيد أحمد العمري،المستشار العسكري بالبعثة الدائمة للمغرب لدى منظمة الأممالمتحدة. وينتشر حاليا أزيد من 124 ألف من عناصر القبعات الزرق،من بينهم 100 ألف جندي وشرطي ينحدرون من 115 بلدا،في إطار 16 عملية عبر العالم. وتتمثل مهامهم في ضمان أمن السكان المدنيين وتأطير العمليات الانتخابية،وإعادة اللاجئين والمرحلين ،وتأمين الحماية للقوافل الإنسانية ,أو المشاركة في دعم السلام والمصالحة في العالم. وتم إقرار اليوم العالمي للقبعات الزرق في سنة 2002 من طرف الجمعية العامة لمنظمة الأممالمتحدة بغية تكريم الرجال والنساء الذين يخدمون المنظمة وقيمها. ويحيل تاريخ 29 ماي على ذكرى أول بعثة لحفظ السلام في 1948،قادتها منظمة الأممالمتحدة المكلف بمراقبة الهدنة في فلسطين. هذا وقد حظيت دائما عناصر القوات المسلحة الملكية باحترام وتقدير دوليين كبيرين بحكم مساهماتها في عمليات حفظ السلام تحت إشراف الأممالمتحدة في عدد من مناطق النزاع في العالم. وقد وشح مسؤولون عن بعثة الأممالمتحدة بالكوت ديفوار مؤخرا أفراد تجريدة القوات المسلحة الملكية بهذا البلد, بوسام الهيئة الأممية, لانخراطهم في خدمة السلم بهذا البلد, الذي مزقته أزمة سياسية وعسكرية طويلة الأمد. في نفس السياق،المتتبعين يعتبرون أن المشاركة العسكرية المغربية في المجال الدولي يمكن أن تدخل في خانة احترام الواجبات التي تقتضيها المواثيق الدولية.. كما أن العمل العسكري الدولي سيجعل المغرب يكتسب تجربة مهمة من خلال الاحتكاك مع التجارب الدولية في مجال تحريك الجيوش إلى مناطق عمليات جديدة لحفظ السلام، وبالتالي ترسيخ مكانة المغرب كقوة عسكرية خاصة في القارة الإفريقية التي تستحوذ على أغلب عمليات حفظ السلام التي شارك فيها المغاربة. الأستاذ بن يونس المرزوقي،أستاذ بكلية الحقوق وجدة،وجوابا على أسئلة "الوطن الآن"صرح ب" أنه لفهم أسباب المشاركة العسكرية الدولية للمغرب، ينبغي أن نأخذ بعين الاعتبار عوامل متعددة تدفع المغرب إلى اتخاذ هذا القرار. فمن ناحية أولى، يمكن أن تدخل في إطار احترام الواجبات التي تقتضيها المواثيق الدولية، كما أني أعتقد أن السياسة المغربية في هذا المجال تهدف إلى إثبات حسن نية المغرب في تعامله مع الأممالمتحدة بالذات. وهذه المسألة لا يمكن إلا أن تكون في صالح المغرب، مادام أنه يظهر بمظهر الدولة المنضبطة للقرارات والتوصيات الدولية، وأن هذه المشاركة تعطيه فرصا إضافية لربط علاقات وثيقة مع الأمانة العامة للأمم المتحدة ومختلف هيئاتها العسكرية، ومع الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن. كل ذلك ينعكس على صورة المغرب أمام أعضاء الجمعية العامة. ومن ناحية ثانية فإنه من الواضح أن العمل العسكري الدولي سيجعل المغرب يكتسب تجربة مهمة من خلال الاحتكاك مع التجارب الدولية في هذا المجال.". كما اعتبر الأستاذ مرزوقي أن المشاركة المغربية ضمن هذه القوات هي لوحدها هدفا استراتيجيا.وأضاف بأن "المشاركة الدولية للمغرب مرتبطة كذلك بأسباب داخلية، منها أن المغرب يُمكن أن يربح صداقة الكثير من الدول، سواء الدول العظمى التي كان إلى جانبه أو الدول الأخرى المساهمة أو التي ساهم في حل مشاكلها. وفي هذا ربح كبير لقضية الوحدة الترابية المغربية. فلا يُمكن للمغرب إلا أن يكون في طليعة الدول التي تمد يدها إلى المنتظم الدولي، وبالذات في كل المبادرات العسكرية للأمم المتحدة، حتى يعوض غيابه عن منظمة الوحدة الإفريقية التي غادرها، وبالتالي غادر التواجد في صلب الأحداث التي كانت تشرف عليها هذه المنظمة سابقا أو الاتحاد الإفريقي حاليا.".