مخاض عسير في الرابوني سيحول مخيمات اللجوء إلى شيكاغو لحمادة يبدو أن إعلام الجبهة قد أنقلب ضدها وانجرف في التيار الهائج للمعارضة، إذ تحولت احد المنابر الإعلامية الانفصالية، التي كانت بالأمس القريب، اللسان الآمر بأمرها والناهي بنهيها، والداعم لسياسيتها، والمتستر على جرائمها، إلى لسان جاهر بفساد حالها، وقرب أجلها، والمنتقد اللاذع لنتائج مؤتمرها، تحول خطير داخل الكيان الإعلامي للقيادة الحالية- البالية، سيفتح الباب على مصراعيه ليحول المعارضين إلى ثوار ضد قيادة تعرت في أسابيعها الأولى من مؤتمرها المسخرة، لينطبق عليها المثل المغربي " سبع أيام ديال المشماش دغيا اتفوت"، ترى ماذا جد داخل المخيمات وكواليس القيادة، حول إعلامها من بوق للدعاية الصاخب لضمان ديمومتها على حساب كرامة الصحراويين، إلى بوق لقلب نظام الجمهورية المقلوب أصلا وفقا للشرعية القانونية الدولية؟ إنه من دواعي العجب أن يغير هذا المنبر خطه التحريري لصالح المعارضة، فجأة، و بسرعة قياسية، فيضم صوته لصوت موقع خط الشهيد الذي اعتدنا معاكسته الشرسة للجبهة ويعلم الكل أسبابها ودوافعها، فبعد أن كان هذا الموقع، الأكثر تتبعا من طرف الصحراويين والمتتبعين للملف الصحراء، يطبل للمؤتمر ولقادته حتى قبل شهور منانعقاده، نجده اليوم ينتقد نتائجه المحبطة، و يصف تشكيلته الحكومية بالقديمة -الجديدة، حيث علق ساخرا على انتقاء عبد القادر الطالب عمر بصفته وزيرا "دائما" لما يسمى بالوزارة الأولى، لأعضاء التشكيلة القيادية " أنه لم يأت بالجديد غير جعل ساكنة المخيمات تستقبل السنة الجديدة بقيادة قديمة أكل عليها الدهر وشرب، "حكومة"متجددة بالتناوب على " الحقائب الوزارية"، واصفا المؤتمر ب" مؤتمر تدوير الكراسي". فالرجل اجتهد وأبدع في تدوير كراسي زملائه الوزراء واستعصى عليه تدوير كرسيه لأنه كان جالسا عليه، حتى يقدم للصحراويين التغيير والإصلاح الذي طالبت به المعارضة، كهدية ذات مغزى بمناسبة حلول السنة الجديدة، ليضيف إلى صفة الوزير التي يلتصق بها صفة "بابا نويل" المخيمات بامتياز، تغيير أعدم حلم الصحراويين، وحطم آمالهم و أطمر ما يسمونه بالقضية الوطنية في رمال تيفاريتي، ولا استغراب في ذلك طالما السيد "الزعيم حدي هون " عاد من رحلة الفرجة والاستجمام بتيفاريتي خاوي الوفاض من مؤتمر صمم على المقاس، لا جديد فيه غير ترقية حاشيته بتحويل كتابات الدولة إلى وزارات جديدة ضمن حكومة جمهوريته اللاقانوية، مزينا صدريته بأربع ميداليات ذهبية في صنف رئيس الدولة، والأمين العام للجبهة، والقائد الأعلى للقوات المسلحة، والقاضي الأول للبلاد كآخر ابتكارات المؤتمر. وانتقد الموقع أيضا في مقال آخر، كيف تعامل المستفيدون من تدوير الكراسي مع توصيات "فخامة الرئيس" وصاحب نعمتهم، فالرجل أبدع في وصف الأزمة في المخيمات والخصاص في المساعدات الدولية، التي قال أنها تضررت بالأزمة العالمية التي طرقت خزائن الدول الداعمة، ونصح بسياسة التقشف و ترشيد النفقات في الأربع السنوات القادمة، وأوضح الموقع بسخرية كيف التزم أعضاء "الحكومية الدائمة" بالحكامة الجيدة التي أوصى بها مفتي الخيام، محمد عبد العزيز، حين أغدقوا في الكرم والبذخ على ولائم الفوز بنحر الإبل وإحياء الليالي الملاح. بناء عليه يمكن التنبؤ بالحصيلة النهائية التي لن يتجرأ على تقديمها محمد لمين احمد وزير المالية و بوحبيني يحي بوحبيني المكلف بالهلال الأحمر في حكومة النهب، في المؤتمر الشعبي الرابع عشر إن كتب له الانعقاد، لأنها ستكون مخجلة للغاية، فأرقامها ستختزل أربع سنوات من التجويع والتعذيب لمن طالب برفع حصص المؤن، وارتفاع عدد المنخرطين من الشباب اليائس، الباحث عن لقمة عيش، في عصابات التهريب في المخدرات والسلاح والرهائن، والتي يصب ريعها في جيوب القادة، وارتفاع ثمن الحليب المجفف والعدس والشاي وغيره، الذي سيعاد بيعه من طرف زوجات القادة الثريات لمن يستحقونه مجانا، وسترفع القيادة شعار نهاية السبعينات الشهير" تزاوجوا، تناسلوا كي تأكلوا"، كي تملأ خيام اللاجئين الفارين من سوط الجوع والعطش، ليصبح شعار المؤتمر " الدولة الصحراوية هي الحل" الذي راهنت عليه القيادة ليس أكثر من مخيمات تجمع بين النقيضين: بطش شيكاغو و مجاعة إثيوبيا. لقد انتشل موقع المستقبل الصحراوي مشعل الثورة من شباب الثورة الصحراوية، وأخذ يروج لشعار الربيع العربي" ارحل" بأيام قلائل من نهاية المؤتمر، تلك الكلمة التي أدخلها شباب الثورة الصحراوية إلى المخيمات، بعد أن حول المؤتمر المنسوخ عن سابقيه، أحلامهم إلى غضب جامح، أخذ في نفض غبار الهوان من على رؤوس المستضعفين والمهمشين وبعض الراكعين تحث كرسي فرعون الرابوني، فعلى غير العادة كان الصمت والسكون سيدا الاستقبال الذي حظا به ملك ملوك الخيام و البراري غير المتوج، وهو عائد من التفاريتي مظفرا بفوز ساحق في الأصوات ممنوح وفق الطلب، بعد ان هزم ظله في قاعة التصويت بتفاريتي، ولم يكن في استقبال موكبه "المبجل" غير كلمة "ارحل" كتبت بالبند العريض فوق الطريق المعبد الوحيد المؤدي إلى قصره الأصفر بالرابوني، وأمام مقر الكتابة العامة بالحافظ حيث عوض شباب الثورة شعارات الإصلاح والتغيير بجملة شاملة مانعة" ارحل .. من أجل القضية" كتبت على جدارية من الحجم الكبير رصت أمام المقر. وطبعا كان رد القيادة أعنف وأخرق من أن يتستر عليها إعلامها "النزيه جدا"، فنزل بكل ثقله على انتقاد ما تعرض له مخيم الاعتصام الذي كان يقيمه شباب الثورة الصحراوية أمام مقر الكتابة العامة بالحافظ منذ أكثر من شهر، حيث ذكر الموقع أن الشباب الغاضب تعرضوا لهجوم مباغت على الساعة الثانية صباحا من يوم الأحد المنصرم، من قبل فرقة مكونة من 50 شخصا ينتمون لما يسمى بالدرك الوطني، و تم تقييد أفراد المجموعة المعتصمة في المكان وتحطيم خيامهم وإغلاق هواتفهم المحمولة واقتيادهم إلى وجهة مجهولة، بحضور مجموعة من العساكر وقائد الناحية العسكرية الخامسة، وتمت العملية، كما وصفها بالحرف رئيس تحرير المنبر المنقلب على قائده الهمام، "على شاكلة سيناريوهات الموساد الإسرائيلية .. فتسقط الرؤوس الصغرى بينما تبقى الرؤوس الكبيرة بعيدة عن كل شبهة.. يذهب الرئيس إلى جنوب أفريقيا فيحدث فراغ قانوني .. تنجر عن ذلك فوضى وتناحر بين زعماء إقليم "الرابوني" الشرقي والغربي يكون ضحيتها تفكيك مخيم الشباب المعتصم، و وسط البلبة لا احد ينظر للصورة بكل أبعادها المهم أن القائد الهمام لم يكن موجودا حينها فحدثت الكارثة ". وبما أن الحق يعلى ولا يعلى عليه، فإن هذا المنبر الذي تفنن في انتقاد أحداث إكديم مزيك والدعاية الكاذبة، و تزوير الحقائق وتلفيق التهم المجانية بانتهاكات المغرب لحقوق الإنسان، تبرأ منها ببث قضائي دولي أنصفه و ورط الإعلام الأجنبي المأجور لمساندة خصوم الوحدة الترابية، يهدينا اليوم دون قصد اعترافا صريحا هو أن المملكة تحترم القوانين الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان أكثر بكثير من بعض المنظمات الساهرة على تطبيقها، وأكثر بكثير من بعض دول الجوار، ويزكي حنكتها في امتصاص تداعيات أزمة الصحراء، فالموقع ذكر أن معتصمي مخيم الحافظ تم اقتيادهم لجهة مجهول ودون تقديمهم للمحاكمة أو توجه لهم تهمة، ويضيف رئيس تحرير المنبر في مقال آخر أنه"..وفي عز الربيع العربي تحاول القيادة أن تغير مجرى النهر وتغرد خارج السرب الذي قال الرئيس نفسه أننا كنا نغرد فيه وحدنا قبل الجميع منذ 1973، إن نصر القيادة وهي تصارع طواحين الهواء وتنشر فضيلة القمع الممنهج هو إعادة لسيرة عظماء سجن الرشيد العتيد من تحت غبار لحمادة إلى وجه ارض الرابوني العتيق". اعتراف صريح يجعل من شهد زورا ضد المغرب في أحداث إكديم إزيك، أنه بريء مما نسب إليه براءة الذئب من دم يوسف عليه السلام، فالمغرب قدم المتسببين فيها أحداثه الدامية، إلى محاكمة عادلة، ولم يسميهم خلال هذه الأحداث الدامية في خرجاته الرسمية بالإنفصالين أو الإرهابيين، وإنما أسماهم أشخاص خارجين على القانون، حتى ينعمهم بحقهم في وطنية يتنكرون لها، رغم أن هذا هؤلاء المندسين والمغرر بهم استغلوا مخيما للمطالب الاجتماعية، كانت أولى المجموعات التي وضعت خيامها به، تستنجد بملك البلاد لوثوقهم من عدله وليس العكس، ولم يحملوا شعار الربيع العربي، بل حملوا صور ملكهم على صدورهم و فوق رؤوسهم، فاستغلت الضفة الأخرى الحدث، لكن بأيادي وتخطيط من تسميهم مؤتمري الأراضي المحتلة، فنهبوا وأحرقوا و ذبحوا شهداء الخدمة الوطنية ونكلوا بجثتهم الطاهرة، بطريقة مرضية شاذة فاقت بشاعة المجازر النازية، وفي المقابل حولهم هذا الموقع إلى أبطال ما يسمى بالقضية الوطنية وظل ينشر صورهم إلى اليوم ويطالب بإطلاق صراحهم. لكن المفارقة الغريبة الذي تضع هذا المنبر موضع سؤال من صحوة ضميره لصالح المستضعفين والمطالبين بالتغيير وإنهاء معاناة اللاجئين، هي تجاهله التمام لاعتصام ولد سلمى في المنفى طال سنة، واعتصام شباب التغيير الذي يقودهم بلبل المخيمات الناجم علال في الرابوني دام خمسة أشهر ومازال، وهرولت للدفاع عن اعتصام شباب الثورة الصحراوية بالكاد أقفل شهرا، مع احترامنا لشباب الثورة الذي نقلت جريدتنا صوته بكل حياد، وطالبت بالإنصات إلى مطالبه، حين كان يطلق على نفس شباب حركة 5 مارس، شهادة أخرى يمنك استخلاصها، في حق الإعلام المغربي الذي لا يفرق بين الصحراويين اللاجئين و يدعم إنصافهم وإيصال صوتهم لانتشالهم من مطب من وثقوا فيهم وطمسوا هويتهم. والمثير للجدل أيضا أن إعلام الجبهة الذي ينتقدها اليوم وأكنه يكتشفها لأول مرة، تجاهل تفكيك مخيم اعتصام الناجم بالرابوني المتكرر، و أمام صمود الناجم ورفاقه، تم اعتقاله قبل أسبوعين وتهديده واعتقال والديه في الأيام الأولى للمؤتمر، ولم نسمع عن هذا الخبر من هذا المنبر ولم ينزل بنفس الثقل كي يدافع عن هؤلاء الصحراويين الذي يعيشون بين ظهرانيهم، وكأن قضيتهم لا تعنيهم رغم أن لهم نفس القضية ونفس مطالب شباب الثورة الصحراوية خاصة تلك المتعلقة بالإطاحة برؤوس الفساد وإنصاف اللاجئين. مفارقة غريبة في تفاعل وتعامل إعلام الجبهة مع حدثين مماثلين وقعا في نفس الرقعة الترابية لا تفصل بينهما سوى بعضة أميال، لا يمكن وصفها إلا بمعادلة النقيض، لعل في الأمر حلقة تائهة بين كواليس القيادة تسدل على تحليل الوضع المعقد والمتوتر جدا هناك في المخيمات طيفا من الضبابية، الواضح منه أن فخامة الرئيس يعيش آخر برتوكولاته الرئاسية ، وقريبا جدا سيغادر قصره الأصفر وفق الطقوس الصاخبة لما يسمى بمديرية التشريفات، عل صخب الوداع ينبه الفرعون من سباته، ليكتشف أنه غادر الحلم الذي عاشه طيلة 36 سنة. لكن هل يستحق فرعن لحمادة التحنيط حتى يبقى عبرة لمن خان أبناء هذا الوطن وطمس هويتهم و أعق بوالديه وتنكر للبلد الذي استقبل جده الأول الفار من قبائل الفقرة بالجزائر بتهمة القتل العمد، و طبق فيه القصاص في طنطان بمشورة شيوخ الرقيبات حتى لا تهدر دماء أبناء العمومة من أجل الثأر و تسقي الرمال الجزائرية حيث تتواجد قبائل الفقرة الجزائرية، والغريب أن عائلته هناك لم تطلب بفدية موته لأنها أيدت قرار قائد طنطان آنذك و أبناء عمومتهم شيوخ الرقيبات الصحراويين. أمام هذا المخاض العسير التي تعيشه الرابوني يقف كل لبيب يتساءل كيف عاد إعلام الجبهة إلى جادة صوابه يمارس نبل الرسالة الإعلامية، ويهتف بإنصاف" الشعب" و سقوط الديكتاتور، فهل هي صحوة ضمير متأخرة جدا، أم أمر نافد من مستتر قيادي يهيئ قضيتهم الوطنية الوهمية لشوط آخر، ودائما بإسم المستضعفين الصحراويين؟