في حادث مأساوي غير مسبوق، عاشت مدينة وجدة على واقعة حريق مهول التهم ما يسمى بسوق مليلة نسبة إلى البضائع الاسبانية التي اشتهر التجار بببعها وتداولها . كما انشغل الرأي العام المحلي بهذا الحريق الذي انطلقت أولى شراراته على الساعة الواحدة صباحا من يوم الجمعة 26 غشت 2011، لتتم السيطرة عليه إلى حوالي الرابعة من نفس اليوم . في محاولة عدت من أطول التدخلات التي قام بها جنود الوقاية المدنية للسيطرة عليه وإطفائه . لكن الذي يهمنا ليس حريق هذا السوق الشهير بوجدة، فقد سبقه حريق بالسعيدية، وآخر بتاوريرت ما زالت تبعاته ترخي بظلالها و تورق المتضررين وتشغل المسؤولين ... بل ما وقع من اصطدامات وانحرافات وسرقات واعتداءات رهيبة كانت أطراف السوق -والنيران تلتهمه - مسرحا لها . فقد شكل هذا الحريق صدمة في نفوس أصحاب المحلات والتجار والمتسوقين على حد سواء، بل ولدى جميع الوجديين الذين جبلوا على التضامن والتعاضد في الأيام العصيبة، وعلى تقديم يد العون للآخر في حالات الطوارئ والكوارث، وهو ما حدث فعلا عندما أقدم النظام الجزائر ي على طرد أكثر من 45 ألف مغربي من الجزائر في ظروف صعبة ومهينة سنة 1975، فوجدوا في الوجديين الصدر الرحب واليد المبسوطة، بل أن هناك من استقر مؤقتا في الساحة الذي تحولت إلى هذا السوق، والتي كانت في السابق مقبرة تضم رفات شهداء 16 غشت ، فحولها المجلس البلدي الاستقلالي آنداك لساحة مقفرة ثم إلى سوق " مليلية " !!! كما أن تسجيل حالات السرقة والنهب والسلب زادت من هذه الهزة الصادمة، وهنا لا بد من أن نشيد بمجهودات السلطات و قوات الأمن التي تصدت بحزم للصوص، وتمكنت من إيقاف أكثر من 50 لصا وهم في حالة تلبس . لقد تناسلت العديد من التساؤلات المزعجة دفعة واحدة، بحثا عن أجوبة شافية حول ما حل بهذه السوق ... ، فمنها ما هو تدبيري وتنظيمي وأمني لموقع السوق، و يتعلق الأمر بمرحلة ما قبل الحريق، ومنها ما يندرج في مسؤولية أصحاب الدكاكين والذين جلهم لم يكن على دراية بما يسمى بثقافة الاحتياط والترقب من نائبات الدهر والتأمين، والانتقال من نسيج تجاري واقتصادي ما زالت تسيطر عليه تجارة التهريب والغير المهيكلة CoMERCE INFORMEL إلى تجارة مهيكلة ومنظمة ، وهذا ما كان يفترض على المسؤولين خاصة المجالس البلدية ومن منطق المسؤولية وتدبير الشأن العام، من إعادة وتقييم بناء المشاريع الإجتماعية خاصة ذات الصلة بالتجارة والأسواق والإدماج الاجتماعي ، حتى تكون في انسجام وارتباط بمدى نجاعة إقامة الأسواق وانعكاسها على الحركة التجارية والتنمية الاجتماعية . ومنها ما يتعلق بمدى نجاعة تدخلات أفراد وجنود الوقاية المدنية ومكافحة الحرائق ... خاصة وأن وجدة ما زالت تعتمد على ثكنة من إرث الاستعمار الفرنسي، كانت مخصصة لساكنة وسقف بشري لا يتعدى 50 ألف نسمة ، إلى غير ذلك من تفصيلات التساؤلات والتي قد تركب عليها جهات أخرى - بدون شك - لاستغلالها لأغراض انتخابية وسياسية ودينية وفوضوية . ومن أجل النفاد إلى عمق إلى ما خلفه هذا الحريق، وما وقع من انفلات أمني وسرقات اسهدفت حتى المحلات التي لم تصلها ألهبة النيران ، ولإطلاع الرأي العام على ما وقع ، وانطلاق من مسؤولية كل طرف : أصحاب المحلات ، المجلس البلدي كمؤسسة منتخبة ممثلة للشعب ، من هذه الساعة لا بد من مبادرة ورؤية ومخططات واضحة لتنظيم الأسواق والحركة التجارية بصفة قانونية ومنضبطة ومحسوبة ومسؤولة حتى لا تتكرر المأساة . الاسبوع