بنهاشم: فساد نصف قرن يستحيل إصلاحه في سنتين لم يجد حفيظ بنهاشم، المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج، وسيلة للحديث عن وضعية السجون المغربية اليوم، سوى التذكير بحادث طريف وقع له مباشرة بعد تعيينه مندوبا عاما قبل حوالي ثلاث سنوات، بعد أن قرر الرجل القيام بزيارة مفاجئة إلى أحد السجون، وحينما كان يتجول في البهو عاين باعة السجائر يمارسون نشاطهم المحظور بطريقة واضحة ودون خوف من مدير السجن أو حراسه، ليجد نفسه فجأة وسط سوق حقيقي لبيع السجائر وليس سجنا لتأديب مقترفي الجرائم. ضرب بنهاشم المثال بهذا الحادث حتى يعطي صورة واضحة عن الوضعية التي وجد عليها السجون، وهي وضعية تسيب وانفلات وفساد دام قرابة خمسين سنة. يلاحظ وجود حالة من «فوضى» داخل بعض السجون، ساهم فيها حراس ومسؤولو بعض المديرين الذين يسمحون بإدخال بعض الممنوعات إلى السجون، بما تفسرون ذلك؟ بالعكس هناك انضباط داخل السجون، واكتشاف مخدرات داخل السجون يدخل في إطار الاستراتيجية التي نتبعها من اجل ضبط الأمور. ماهي خطوط هذه الاستراتيجية؟ أعددنا آلية عمل جديدة، إذ شكلنا فرقا خاصة يرأسها مدير امن السجون، مهمتها القيام بعمليات تفتيش مفاجئة للسجون، وقد قمنا بتفتيش سجن مراكش منذ حوالي أسبوعين، واكتشفنا وجود كميات من السجائر والهواتف المحمولة وبعض الممنوعات، وفتحنا تحقيقا مع رئيس المعقل ومجموعة من الحراس قبل أن نحيل الملف على القضاء. وفي إطار هذا العمل التفتيشي الذي نرمي من ورائه إلى ضبط الأمور بعثنا اللجنة نفسها إلى سجن سلا حيث اكتشفت بعض المسائل غير قانونية. هل تكليف هذه الفرق بمهمة يتم بناء على تجميع معطيات قبلية أم بشكل عشوائي؟ غالبا ما نحصل على معلومات عن وجود خروقات من قبل، سواء من مدير أمن السجون والعاملين تحت إمرته، أو من اتصالات هاتفية من بعض السجناء أو أقربائهم، وشخصيا تلقيت مكالمات هاتفية من سجناء أكدوا وجود اختلالات وقفنا عليها بالفعل، وبالأمس تلقيت مكالمة هاتفية من سجين بالناظور قال لي إنه يعاني مشاكل كبيرة في القلب فطلبت إحضاره على الرباط، وفحصه طبيب وتأكدنا من صحة كلامه، وسنعمد إلى إجراء عملية جراحية له ستكلف خزينة المندوبية 16 مليون سنتيم. ماهي المهمة التي أنيطت بلجنة التفتيش السرية التي زارت سجن سلا؟ لقد توصلنا بمعلومات عن معاملة سجينين بطريقة متميزة، وكلفت رئيس اللجنة بالانتقال إلى السجن سالف الذكر، وقد اتسمت المهمة بالسرية التامة، ذلك أنني طلبت من الرئيس، قبيل ساعات على تنفيذ المهمة، الانتقال رفقة فريق التفتيش إلى سجن سلا، دون أن أحدد طبيعة المهمة، ولما وصل الفريق إلى السجن طلبت منهم أن يتوجهوا إلى غرف بعينها، فعاينوا بعض الخروقات والامتيازات في السكن بالنسبة لباروني مخدرات، وقد تم ضبط أربعة هواتف محمولة لديهم، والتي يمكن أن يستعملها في الاتصال بأفراد شبكاتهم الموجودين بالخارج. المندوبية أحدثت جهاز تفتيش مركزي خاص بها مطعم بموظفين من ذوي الكفاءات وكذا عناصر التفتيش ووضع تحت مسؤولية مدير أمن السجون الذي يشتغل رفقة وكيل الملك ومستشار في الديوان الخاص بي، الجهاز ينتقل بشكل سري وحتى العاملين به لا يعلمون طبيعة المهمة التي ابلغها إلى رئيس الجهاز فقط، ويتنقلون في ساعات مبكرة حتى يتم ضبط الأشياء بشكل تلبسي. مرت الآن ثلاث سنوات على تعيينكم مندوبا عاما، هل يمكن أن تكشف لنا استراتيجية عملكم طيلة هذه السنوات الثلاث؟ لقد كان الهدف الأول من تعييني هو رفع مردودية ومستوى المندوبية العامة للسجون التي لم يكن لها وجود قبل ثلاث سنوات، إذ كانت مديرية تابعة لوزارة العدل، فصاحب الجلالة نصره الله، وبعد هروب قنيطرة الشهير، ارتأى جلالته أن يعطي لعمل المندوبية استقلالية حتى يمنحها حرية التصرف وحتى لا تعرقلها أي وزارة أو مصلحة تابعة لها إداريا، ذلك أنه كان قبل استقلالها، يمكن للمسؤول أن يتخذ قرارات مهمة لكن قد تعرقل وتصبح غير قابلة للتنفيذ في الوقت المناسب بسبب عدم وجود الوزير التابعة له أو رغبته في دراسة أكبر لها، ما قد يفوت الفرصة على الإصلاح أو يعطله لسنوات. الآن القرار بيدنا لوحدنا والهدف هو تطبيق القانون والمساطر الجاري بها العمل ووفقا للتوجيهات الملكية، إذ أن جلالته عندما عينني حثني على الحرص على تطبيق القانون واحترام حقوق الإنسان والكرامة الإنسابية. لوحظ تسيب واضح خاصة في سجن سلا، ما الذي أوصل هذا السجن إلى وضع خطير تحول فيه الحراس إلى رهائن لدى مسجونين؟ سأتكلم بكل وضوح لقد كان هناك تسيب، ذلك أن المجموعة المتابعة في إطار قانون الإرهاب كانت كلما قامت بإضراب أو تحركت أو هددت باعتصامات تتخلى لها الإدارة عن بعض صلاحيتها وتمنحها بعض الامتيازات، إلى حد وصلت فيه الأمور إلى أن أصبح هؤلاء السجناء يتحكمون في السجن، إذ أصبحوا يطبخون بأنفسهم ويقومون بالخلوات الشرعية بشكل غير قانوني ويصولون ويجولون. ما هي مسؤولية الإدارة ومن قبلها مندوبية السجون وإعادة الإدماج؟ التنازلات كانت منذ سنين وإذا عدت لاستجواب وزير العدل عبد الواحد الراضي فقد قال إن أمور السجن قد فلتت من يد أيدي الوزارة، لقد ساهمت التنازلات المقدمة لهؤلاء السجناء في كل هذا الذي حدث. هل وقفتم على هذه التنازلات؟ وقفنا عليها، غير أن الأمور كانت انفلتت من أيدينا، وقد ذهبت قبل التدخل، إلى سجن سلا رفقة الصبار والرميد وآخرين وأخبروهم أن ما يقومون به مخالف للقانون، عير أنهم كانوا يعتزمون التحكم في سجن سلا ومن هناك تنقيل العدوى إلى سجون أخرى مثل القنيطرة وفاس وأكادير والدار البيضاء. ألم ترتكبوا أخطاء من خلال تجميع هؤلاء السجناء؟ كانت هناك أخطاء، وأنا أعترف بهذا، لكنني وجدت هذه الأخطاء من قبل، لأنه لم تكن سوى محكمة واحدة تنظر في قضايا الإرهاب، وبالتالي كان لزاما أن يتم جمع المتهمين، المتابعين في إطار الاعتقال الاحتياطي في سجن سلا، حتى يكونوا قريبين من المحكمة، فالقانون يفرض أن يبقى المتهم في سجن قريب من المحكمة التي يحاكم بها إلى أن يصبح الحكم نهائيا (درجة أولى وثانية والمجلس الأعلى). ما الذي قمتم به لإعادة الأمور إلى طبيعتها؟ لقد تم الآن تفريق 240 سجينا، الذي كانوا وراء أحداث سجن سلا، على سجن سلا2 (سجن جديد) وسجن مكناس2 (سجن جديد)، وقد وضعوا في غرف لا تشمل أكثر من اثنين من المتهمين، وإن كانوا يلتقون في الفسحة، لكن ذلك ليس مثل اللقاءات التي تتم بينهم حينما كانوا متجمعين ليل نهار في سجن سلا . ألم يصدر عنهم رد فعل؟ حاولوا لكننا ضبطنا الأمور، ونتعامل مع السجناء بشكل متساو، فالسجناء عندي سواسية ويجب أن يحظوا بالمعاملة نفسها. فلا يمكن أن نعامل سجينا حوكم في إطار قانون الإرهاب بطريقة أحسن من سجن اعتقل من أجل بضعة غرامات من المخدرات، فإذا كان مثل هؤلاء السجناء يعتبرون أنفسهم سياسيين فأنا أرى أنهم سجناء مثل غيرهم ويجب أن يعاملوا مثل مع باقي السجناء، نوفر لهم الأكل والتطبيب والنظافة لكن أن يفرضوا شروطهم على الإدارة فهذه مسألة غير مقبولة. فسجناء سلا رفضوا أن يعاملوا مثل باقي السجناء، فكان لزاما علينا التدخل، وهذه مسألة طبيعية ووقعت مرات كثيرة في المغرب وتقع حتى في الولاياتالمتحدةالامريكية بشكل مروع، لكن في المغرب لا تسجل حالات وفاة. لقد كان حادث سلا مرحلة فاصلة ما بين الانضباط والتسيب. أين يظهر الانضباط اليوم ونحن نشاهد حالات ضبط مخدرات وتواطؤ موظفين فيها؟ منذ أن عينت على رأس المندوبية العامة وأنا أحاول إرجاع الأمور إلى طبيعتها العادية، من خلال العمل على إيقاف والتصدي لعمليات الهروب التي نجحنا في إيقافها، فقد بنينا في سجن القنيطرة حائطا تحت الأرض كما قمنا بتشبيك النوافذ، كما حفزنا الموظفين من خلال تغيير القانون الأساسي، إذ حذفنا السلالم الدنيا (من1 إلى 5) كما فرضنا الحصول على اشهادة البكالوريا للعمل بالمندوبية العامة، باستثناء بعض الحالات التي يسمح لي القانون فيها بأن أشغل بعض الأشخاص دون التوفر على هذه الشهادة، فقد احتاج إلى طباخ وكهربائي أو يمكن أن أدخل ابن موظف توفي نتيجة حادث أو شيء من هذا القبيل، كما ضاعفنا الراتب وبدأنا نحتسب الساعات الإضافية، ووحدنا الرتب. هل أحسستم بنتيجة في ظل استمرار نزيف الملفات التي يتورط فيها بعض الحراس أو مدرو السجون؟ هناك نتيجة فحالة السجن اليوم ليست هي حالة السجن عندما تحملت المسؤولية، وأخبركم بواقعة حدثت لي شخصيا حينما قمت بعد ايام قليلة على زيارة أحد السجون بشكل مفاجئ، وحينما تجولت داخله عاينت باعة للسجائر يمارسون نشاطهم المحظور بكل حرية، وكأن الأمر يتعلق بسوق وليس سجن، اليوم الأمور اختلفت وأصبحنا نقوم بزيارات مفاجئة على أمل العثور على مخدرات أو أشياء ممنوعة. ألم تفكروا بعد التسيب الذي شهده سجن سلا في تسليح الحراس؟ السلاح موجود لكن ممنوع حمله داخل المعقل، مخافة أن يتعرض حارس للاستفزاز ، لكن السلاح موجود خارج المعقل فهناك موظفون، في الأبراج والسطوح، يحملون مسدسات وبنادفق وآليات كهربائية التي تعمد إلى شل حركة السجين. وقد شكلنا لهذا الغرض فرق تدخل مكونة تكوينا رياضيا وتقنيا يسمح لها بإخماد كل حالات العصيان التي تقع في السجون. وسيصبح لدى كل مدير إقليمي فريق مكون من 15 شخصا. ما هي مهمتها؟ هي التدخل في حال وقوع مشاكل في السجن دون الحاجة إلى الاتصال بالشرطة أو جهاز أمني آخر، والذي سوف لن يتدخل إلا في حال ما إذا كان المشكل كبيرا. كثر الحديث عن مسألة امتيازات السكن أو ما يسمى بغرف خمس نجوم داخل السجون، ما الذي قمتهم به في هذا الصدد من أجل ضبط الامور ومعاملة السجناء بالتساوي ؟ اليوم نحن نعامل السجناء بشكل متساو، وانتهى زمن الامتيازات. اعتنيتم بالموارد البشرية والبنية التحتية لكن الملاحظ أن وضع السجين ازداد سوءا، ويلمس هذا من خلال حالات العود التي عرفت ارتفاعا كبيرا؟ عندا عينت على رأس المندوبية كانت منحة الطعام الخاصة بكل سجين لا تتعدى خمس دراهم تتضمن الفطور والغداء والعشاء، وفي السنة الأولى رفعتها إلى 14 درهم وفي السنة الثانية 15 درهم والآن أسعى لأن تصل إلى 20 درهم وهي القيمة المعمولة بها في مجموعة من السجون العالمية مثل فرنسا... لكن هناك مشكل إعادة الإدماج الذي يظهر من خلال ارتفاع حالات العود؟ هناك خطا شائع يربط حالات العود مع إعادة الإدماج، فيجب أن تكون هناك قابلية للتعلم حتى يتسنى تعليم شخص ما. ومع غياب هذه القابلية فقد بنينا سجونا بمواصفات تكوينية كبيرة مثل مركز التربوي لابن سليمان الذي يتوفر على مؤهللت كبيرة، كما أننا نعيد بناء سجن عكاشة وخصصنا له مبلغ سبعة ملايير سنتيم، وقد شيدنا به مستشفى لإعادة علاج المدمين وأتمنى أن تشارك في وزارة الصحة في تجهيزه وتزويده ببعض الأطباء والممرضين ، لان أساس مشكل العود هو الإدمان ولو نجحنا في دفع شخص للكف عن تدخين الحشيش أو تناول حبات القرقوبي فأكيد انه سيدمج من جديد. وإعادة الإدماج مرتبط كذلك بمشكلة السوابق القضائية، وقد أرسلت رسالة إلى وزارة العدل أؤكد فيها ضرورة إعادة الاعتبار إلى السجين في حال ما كان يستحقها من خلاله انضباطه في السجن أو على الأكثر أن يعود إليه الاعتبار في سنتين وليس خمس سنوات.