هل من سبيل يا ترى لخلق منظومة أمنية تكون في مستوى التحديات القادمة ..؟ تحقيق: محمد فلالي رمضان بنسعدون عين بني مطهر. في واحدة من أدق و أخطر العمليات الإرهابية التي ضربت العمق المغربي بتفجير مقهى أركانة السياحي بمراكش بحر الأسبوع الماضي ، أثبت من خلالها بعض المحسوبين على الأجهزة الأمنية و الاستخباراتية المغربية عن عجزهم التام و فشلهم الذر يع في تقفي خطى الإرهابيين و الترصد لهم باعتماد إستراتيجية الضربات الإستباقية قبل حدوث الفاجعة .. إرهابيون لم يطئوا التراب المغربي عبر مناطيد أو سفن فضائية ، فواقع الحال يثبت غير ذلك فهؤلاء مما لا يدع مجالا للشك ،قد تسللوا إلى أرض الوطن عبر الحدود المغربية البحرية أو البرية .. الطرح الأخير أغلب الظن هو الوارد وفقا للمعطيات المتوفرة حتى اللحظة .. و بكل روية و طمأنينة يبدو أن الفاعل تخلص من حمولته التي وضعت بداخل المقهى بدقة بعد أن برح المكان الذي كان غاصا بالسياح ، و بالفعل نفذ عمليته الإجرامية بواسطة جهاز التحكم عن بعد بحسب آخر التحقيقات و الأبحاث التي توصلت إليها وزارة الداخلية ليتبخر الإرهابي في الطبيعة ..و لم تستطع الأجهزة الأمنية حتى الآن من وضع يدها عليه .. أجهزة جندت قواها فشغلت نفسها بتقفي حراك الشارع المغربي السلمي في الآن ذاته نسيت أن عيون الإرهاب كانت شاخصة نحو المغرب وقتئذ.. و في ذروة الاحتقان الشعبي الذي تشهده أكثر من عاصمة عربية والذي ألقى بظلاله على المشهد السياسي المغربي الذي يعيش مخاضا عسيرا باتجاه الإصلاحات الجديدة كي يحافظ على مكانته المرموقة على هرم الدول العربية التي لا تزال في طور تبني الديمقراطية الناشئة ، اغتنمت الأيادي الآثمة الفرصة وعلى حين غرة من الأمن المغربي الذي نزل بكل ثقله إلى الشارع مستنفرا كل أجهزته فيما لم يلق بالا إلى مخططات المتآمرين على الوحدة الترابية من خارج الحدود .. و لعل الكشف عن أسلحة بمنطقة أمغالا في أعقاب أحداث مخيمات "أكديم إزيك" بعيون الصحراء المغربية يوحي في أكثر من دلالة بأن الإرهاب بأجندته العديد من الأوراق يلعبها وفقا لأزمنة و أمكنة محددة ..من جهة لإضفاء طابع العبثية و العنف و كذا بالشارع المغربي و في أعقاب جنوح هذا الأخير للتظاهر السلمي بما يحافظ على النظام العام ومن جهة أخرى لضرب الاستثناء المغربي الذي ينعم بخاصيتي الأمن و الاستقرار عن باقي دول شمال إفريقيا و منطقة المغرب العربي و التي تشهد مدنها أوضاعا أمنية متوترة .. و يصف متتبعون أن العملية الإرهابية التي استهدفت مقهى أركانة بالضربة الموجعة للأجهزة المعنية التي لم ترتق نظمها بعد إلى مستوى قوة المنظمات الإجرامية و الإرهابية ، و على الرغم من إحداث شعبة الشرطة العلمية بكل من مديريات الشرطة و الدرك وهي تقنية جديدة اعتمدها المغرب بشكل عملي إلا بعد أحداث 16 ماي 2003 التي هزت العاصمة الاقتصادية مخلفة 41 قتيل و أزيد من 100 جريح ، لا زالت المنظومة الأمنية يشوبها الكثير من الضعف و الهشاشة بحسب مراقبين ، في وقت أن المغرب كان قد إنخرط بشكل فعلي ضمن الحملة العالمية ضد الإرهاب ما يستدعي تطوير الأجهزة الأمنية على النحو الذي يساير حجم المنظومة الأمنية لدى الدول الأوروبية و الغربية .. 4 سنوات فقط يستعيد فيها المغرب أنفاسه حتى هزت العملية الإرهابية للمدعو (عبد الفتاح الرايدي) نادي الإنترنيت بالدار البيضاء ليلة 11 مارس 2007 و بالرغم من أن العملية هذه لم تخلف ضحايا كثر فهي نعتت بالعشوائية بفعل الارتباك الذي انتاب عناصر الخلية إلى جانب ضعف التنسيق بينها قبل التنفيذ كما أن المواد النفجيرية التي اعتمدت لم تكن مكوناتها بتلك القوة و الخطورة ما قلص من عدد الضحايا و حجم الخسائر المادية و لم يلبث المغرب أن يستعيد أنفاسه من جديد على مدار 4 سنوات أخرى حتى خرت أسقف مقهى أركانة بمدينة مراكش السياحية جراء عمل إرهابي آخر أودى بحياة نحو 16 قتيلا و العديد من الجرحى أغلبهم من السياح الأجانب ..
*المغرب ليس حديث العهد بالإستهداف من العمليات الإرهابية. قد نكون مغالين إذا اعتقدنا أن المغرب تعرض للتو لهكذا عمليات إرهابية أو كان بمنأى عن أي عمل إجرامي من هذا القبيل ، فمنذ الأمس كانت الحدود الشرقية للمملكة بوابة للإرهاب في أعقاب إحباط و تفكيك شبكة الشبيبة الإسلامية في منتصف ثمانينيات القرن المنصرم بمنطقة بني ادرار بوجدة ،أين تمكنت الأجهزة الأمنية آنذاك من وضع يدها على أسلحة أوتوماتيكية تتمثل في بنادق و مسدسات علاوة على قنابل يدوية جرى تسريبها من جبهة البوليساريو الإرهابة من تندوف عبر الجزائر، كان مشروع المجموعة الإرهابية ينطوي على ضرب أهداف حساسة واغتيال شخصيات نافذة بالمملكة كمقر وزارة الداخلية ، البرلمان ، وكذا القصر و بعض الجنرالات .. لم يكد يكتمل عقد من الزمن حتى باغث إرهابيون من أصول جزائرية الأمن المغربي في ضرب مواقع سياحية حساسة بكل من فندق أطلس أسني بمراكش و فاس من العام 1994 .. كان الممر آمنا لتسلل الإرهابيين للعمق المغربي عبر البحر المتوسط و تحديدا من البوابة الشمالية طنجة لتوغل مجموعة "استيفن أيت يدر" التراب المغربي و هي مدججة بأسلحة أوتوماتيكية جد متطورة فضلا عن مخازن لأسلحة أخرى ضبطت بمنطقة أكنول فيما لاذ بالفرار بعض عناصر الشبكة عبر الشريط الحدودي المغربي /الجزائري..العناصر الإرهابية الموقوفة بكلا الخليتين المتمثلتين في الشبيبة الإسلامية و مجموعة "استيفن أيت يدر" كانت قد اعترفت بتلقيها لتدريبات و تربصات عسكرية على أرض الجزائر و بتمويل منها لتنفيذ تلك العمليات بالتراب المغربي .. *تحالف القاعدة و البولساريو الإرهابيين لضرب أمن و استقرار المغرب: كان لتقاطع مصالح كلا التنظيمين الإرهابيين الدافع الأساسي لضرب العمق المغربي بما يخدم أجندة مرتزقة البوليساريو التي جرى غسل أدمغة عناصرها بمختبرات طرابلس الليبية و قصر المرادية كان الغرض من ذلك إنهاك المقدرات الاقتصادية و السياحية بالمغرب و إرباك نظامه السياسي بشأن إحباط أي طموح يسعى من خلاله المغرب لقيادة منطقة المغرب العربي و كذا الضفة الجنوبية من المتوسط هذا من جانب و من جانب آخر ، فأهداف تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي الذي يتخد من الشمال الشرقي للجزائر خاصة منطقة القبائل معاقل له ، لن تشذ عن السياق العام لمشروع القاعدة العالمي المتمحور حول تحرير الأراضي الإسلامية من التواجد الصليبي و استعادة أخرى هي الآن تحت السيادة الغربية كالأندلس ، سبتة و مليلية وجبل طارق و غيرها فضلا عن ضرب المصالح الغربية وكذا الرعايا الأجانب بالدول العربية .. و على مرمى حجر من الحدود الجنوبية المغربية ، كانت الجارة موريتانيا و لا تزال مسرحا لأحداث إرهابية أودت بحياة عدد من السياح الفرنسيين فضلا عن مقتل جنود موريتانيين خلال هجوم مسلح على ثكنات عسكرية في أحداث متفرقة فيما جرى إعدام رهينة فرنسي و اختطاف سائحين إسبانيين و لا زال تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي يحتفظ ب 5 رهائن فرنسيين .. و رقة حاول من خلالها التنظيم الإسلامي الراديكالي إرغام حكومة ساركوزي على فك الحصار على الحجاب الإسلامي و إخراج القوات الفرنسية من أفغانستان .. و قد ساهم تواجد عصابة البوليساريو بمنطقة تندوف بالجزائر و مليشيات الطوارق بشمال مالي في إعطاء الدفعة القوية لنشاط تنظيم القاعدة على الجبهتين الشرقية و الجنوبية من المغرب و بالتالي ارتفعت وتيرة الاتجار في الأسلحة و المخدرات و التهجير البشري من دول الصحراء و الساحل و إفريقيا الغربية أين تتواجد القواعد الأمريكية لمحاربة إخطبوط الإرهاب حماية للمصالح النفطية الغربية بالقارة السمراء ، فكان أن تحول تنظيم القاعدة بالمغرب الإسلامي إلى مخلب قط بيد البوليساريو في سياق استيراتيجية دعما لما يسمى بحركات التحرر المزعومة بالمنطقة كمتمردي الطوارق الذين تتناغم أهدافهم مع التنظيمات الأصولية المسلحة .. معادلة تندرج في إطار سياسة تقاطع المصالح بين تنظيم القاعدة و قوى التمرد بمنطقة المغرب العربي و جنوب الصحراء و الساحل بالرغم من التضارب و الاختلاف في بعض جوانب الأيديولوجية .. * أحداث أركانة الأخيرة قد تكون نتيجة اختراقات للأجهزة الأمنية المغربية في ظل غياب فرضية الضربات الاستباقية : إن عوامل التشنج التي تشهدها العلاقات بين دول المغرب العربي خاصة المغرب و الجزائر كان قد دق آخر المسامير بنعش أي مسعى نحو تفعيل مشروع الاتحاد المغاربي بتبني ودعم عصابة البوليساريو من قبل ساسة الجزائر مما خلق أجواء انعدام الثقة بين الدولتين من أجل الانخراط في التنسيق الأمني لمحاربة الإرهاب خاصة بعد إقصاء المغرب في اللقاء الأخير الذي انعقد بالجزائر و الذي ضم إلى جانب تونس و ليبيا دول جنوب الصحراء و الساحل حول التأسيس لمنظومة أمنية بالمنطقة لمحاربة الإرهاب .. كما أن الأزمة الاقتصادية وكذا السياسية التي تشهدها دول بالمنطقة ساهمت و بشكل كبير في تناسل قوى التمرد إلى جانب تنظيم القاعدة الذي ينشط و سط هكذا مناخ و بيئة مضطربين .. و يبدو أن الحزام الأمني الشديد الطوق الذي أقامه الاتحاد الأوروبي بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر على امتداد سواحل الضفة الشمالية من المتوسط إلى جانب الإجراءات الاحترازية الأمنية الكبيرة بمختلف المطارات ومحطات القطارات ومترو الأنفاق بالقارة العجوز و ما رافق ذلك من توسيع لشبكة كاميرات المراقبة و أجهزة الكشف بالأشعة ساهم إلى حد ما في التقليص من الضربات الإرهابية بأوروبا استطاعت بفضله الأجهزة الأمنية الغربية أن تكبح جماح أي اختراقات إرهابية لنظمها كانت من توقيع القاعدة ، من ذلك حادثة فشل عملية تفجير الطائرة الأمريكية بمطار" دترويت " العام الماضي والتي كانت تقل ما لا يقل عن350 مسافر فضلا عن حامل الحزام الناسف النيجيري "عمر الفاروق" بعد عجز هذا الأخير عن تنفيذ العملية بنجاح .. ناهيك عن ضبط مركبات و آليات تحوي متفجرات ببلدان غربية مثل فرنسا أمريكا و كندا.. على النقيض من ذلك و على الرغم من حصوله على مساعدات مادية مهمة من دول الاتحاد الأوروبي من أجل محاربة الإرهاب لم تستطع بعض الأجهزة الأمنية المغربية من فرض إجراءاتها الوقائية بصرامة بمختلف نقط الحراسة على امتداد الشريط الحدودي المتاخم للجزائر و موريتانيا و كذا الموانئ الشمالية بكل من الناظور و طنجة على وجه الخصوص ،التي تشهد بين الفينة و الأخرى أنشطة مشبوهة لمافيا الهجرة السرية و المخدرات بالرغم من الخلية التي أحدثها الملك محمد السادس في السنوات القليلة الماضية لمحاربة الهجرة السرية و تهريب المخدرات .. الأمر الذي قد يفضي أحيانا إلى حدوث اختراقات إرهابية للأجهزة الأمنية بالعمق المغربي .. كان من تداعيات ذلك تنفيذ عمليات إرهابية بمدن سياحية كان آخرها العملية الإرهابية التي هزت عاصمة النخيل علاوة عن اختراق طائرات أوروبية نفاثة للمجال الجوي المغربي ، لا بل الهبوط بمناطق من شمال بلادنا يطرح أكثر من تساؤل حول إمكانية استغلال الإرهاب الدولي مثل هذه الإستراتيجية لنقل و ترحيل إرهابيين أو أسلحة من و إلى المغرب عبر المجال الجوي .. *المقاربة الأمنية لا تعني بالضرورة الكم العددي الكبير لعناصر الأجهزة الأمنية بل المواطنة و الكفاءة و الخبرة : ليس العيب في تجنيد العدد الكافي من قوى الأمن و المخابرات و كذا الجيش و الجمارك و لكن العيب في إدماج عناصر أمنية غير متشبعة بروح المواطنة و القيم الأخلاقية و تفتقد لمواصفات الكفاءة و الخبرة و التكوين الراقي، ناهيك عن انعدام مديريات ( للأمن الخاص /DETECTIVE PRIVE ( ببلادنا لإضفاء طابع التنافسية بين الأجهزة المختلفة في ميدان البحث و التحري ، شروط ومعايير إذا ما توفرت تجعلنا في غنى عن استقدام خبراء و أخصائيين أجانب في مجال الشرطة العلمية و التقنية و ) علم النفس الإجرامي / PSYCHO-THERAPIE ( وغيرها بغرض الانخراط الفعلي في مواجهة أعداء الخارج الذين يتكالبون و يتآمرون على وحدتنا الترابية فلا يمكن بأي حال من الأحوال التصدي للتحديات و التهديدات و الاختراقات إلا بخلق منظومة أمنية لها من الحقوق ما يكفي لتكون في مستوى القيام بواجباتها من ذلك تحسين الأوضاع المعيشية لقوى الأجهزة الأمنية برمتها من جيش ، مخابرات ، درك ، جمارك ، شرطة و قوات مساعدة .. و في حال إخلال بالمهام و المسؤوليات الملقاة على عاتق أي عنصر من هؤلاء يمكن حينها معاقبته طبقا للقوانين الجاري بها العمل .. لأن ضعف رجل الأمن مهما كانت بزته أو رتبته أمام الإغراءات المالية من رشاوى و إتاوات وهدايا مقابل التساهل و التواطؤ في تخريب اقتصاد البلاد و النيل من استقرارها و أمنها يعد تقاعسا في دفع الأذى عن الوحدة الترابية و يدخل في سياق الخيانة العظمى لهذا الوطن..