عندما يلج أحد منا المقابر بموت صديق، أو أحد من الأقرباء، يلاحظ بعمق أنه لا يوجد أي تقديس للمقبرة من طرف المجتمع، وأن المقبرة هي فضاء للتسول و البؤس الاجتماعي، وتعاطي المخدرات.. و لاحظ كذلك ضعف البنية التجهيزية و التحتية للمقابر.. فالطرق في غالبية مقابر المسلمين غير معبدة و ضيقة ،و أشغال الإصلاح التي عمت بعض المقابر منها الكثير من لم يستكمل بعد، والسيارات والدراجات ليس لها أمكنة مخصصة ، ويعي أيضا من يلج المقابر، غياب التدبير الأمني داخل المقابر، و يتساءل عن علاقة الأمن الوطني بالمقابر. منا من شاهد العشق يمارس في المقابر، ومنا من أبصر شرب الخمور، و منا من يعتبرها مكانا مناسبا للتأمل و القطيع مع المجتمع، وهناك من يعتبرها فضاء اقتصاديا موفرا لبعض دراهم لقمة العيش، ومنا من لم يثر انتباهه سوى ابتزاز العاملين في المقابر لتأدية خدمة معينة لزوار المقبرة، لكن كلنا سوف نتساءل عن البعد النفسي و الإجتماعي لظاهرة الفقر و البؤس في المقابر المغربية.. من هم المتسولون و العاملون في المقابر ؟ وما هي أوضاعهم النفسية و الإجتماعية ؟ وهل توجد إمكانية إضفاء البعد التنموي على الديناميكية الخدماتية في المقابر ؟ تتكلف غالبا فئة الشباب بعملية سقي القبور و طليها ب الجير وحفرها مقابل ثمن لا يتجاوز 3 دراهم للذمة ،فيما يتكلف ممن يتجاوز سنهم الخمسين سنة بتلاوة بعض الآيات القرآنية ترحما على الميت في حدود 5 دراهم، و تقبل نسبة كبيرة من الأطفال على المقابر خاصة يوم الجمعة بحيث يتوافد كم استثنائي من الزوار، و التي تختار التسول باستخدام الأسلوب الاستعطافي اتجاه أقرباء الميت.. وهناك من النساء والرجال من يبيعون السجائر و الخبز و الحلويات، والكثير الكثير من المتسولين المعاقين جسديا من ذي الوجوه المترددة يوميا على المقبرة.. تنتمي الفئة المشتغلة و المتسولة في المقابر إلى أسر جد محدودة الدخل، و متفككة، و غير مستوفية لأدنى شروط الحياة... خدمات تؤدى بدءا من التوسل إلى الإبتزاز، دون إطار تنظيمي، و مقاربة أمنية يقننان العمل داخل المقابر .. و يسهران على خلق التنمية فيها بتوفير فرص شغل .. وأيضا دون الأخذ بعين الإعتبار الكرامة . تبقى المسؤولية ملقاة على وزارة الأوقاف، و الجماعات المحلية، و الإدارة العامة للأمن الوطني، و الدولة بالإرساء لاستراتيجية توافقية و تكاملية من أجل مقابر مقدسة ، تنموية،وآمنة.