الصديق كبوري / مناضل من بوعرفة توطئة : بحلول شهر شتنبر 2012 ستدخل المعركة النضالية لساكنة بوعرفة و المتمثلة في المقاطعة الجماعية لأداء ثمن فواتير الماء سنتها السابعة ، عرفت التجربة خلال هذه السنوات فترات من المد والجزر، لكن الأهم أنها أصبحت تعتبر من العلامات المضيئة في الحركة الاحتجاجية المغربية، وتجربة من بين التجارب الرائدة، بحكم الصدى والإشعاع الذي تركته على المستوى الوطني والدولي. في هذه المقال سأحاول التعريف بالتجربة النضالية لبوعرفة الصامدة في مجال الدفاع عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وبشكل خاص في مجال الدفاع عن الحق في الماء، على أمل أن أساهم في التعريف التأريخ لهذه التجربة، حتى لا تضيع في زحمة الإحداث. إن التجربة النضالية لساكنة بوعرفة تعد من التجارب المتميزة على المستوى الوطني بحكم الاهتمام الذي لقيته، والتأثير الذي لعبته وطنيا، والذي كان ملهما لمناطق عديدة من المغرب: بوعنان بني تدجيت تازة بني بوعياش- مراكشجرادة تاوريرت سلاالرباط... الخ فما هو السياق التاريخي لنضالات ساكنة بوعرفة من أجل الحق في الماء؟ وما هي مطالب الساكنة ؟ وماذا تحقق في الملف المطلبي ؟ وما الذي لم يتحقق ؟ وما هي نقط القوة ونقط الضعف في التجربة ؟ وما هي الآفاق الممكنة لهذه التجربة النضالية ؟ سأحاول الإجابة عن هذه الأسئلة تباعا بكل موضوعية وتجرد، بعيدا عن التهويل والتضخيم ، أو التقزيم والانتقاص، سندي في ذلك كوني تحملت مسؤولية التنسيق طيلة 05 سنوات، مما مكنني من حضور كل الحوارات، والمشاركة في جميع النضالات، والمساهمة في كل القرارات. وأتمنى طبعا أن تكون هذه الأرضية مستفزة ومحفزة على النقاش الهادئ، بين مختلف الفاعلين والمهتمين، بدون مزايدات أو اتهامات مجانية لهذا الطرف أو ذاك، وبالالتزام بأخلاق الحوار الهادف والمسؤول. أولا: السياق التاريخي لنضالات ساكنة بوعرفة من أجل الحق في الماء للأمانة التاريخية، فإن نضالات ساكنة بوعرفة من أجل الحق في الماء، ليست وليدة العشرية الأخيرة، وإنما هي قديمة، فقد نظم السكان عدة أشكال نضالية قبل 2006 – سنة بداية المقاطعة – للاحتجاج على ندرة المياه، وغلاء الفواتير، وسوء توزيع الماء، وضعف الخدمات... إلا أن النضال المنظم بخصوص الحق في الماء لم يبدأ حتى شتنبر 2006 . فماذا وقع بالضبط سنة 2006؟ لقد عرفت سنة 2006 موجات متتالية من الزيادات في أسعار المواد الأساسية - بحكم ارتباط وتبعية النظام الاقتصادي المغربي للنظامي الرأسمالي ومن المواد التي شملتها الزيادات في الأسعار نذكر: ( الزيت والدقيق والخضر والأسماك والزبدة ومواد البناء والأدوية والماء والكهرباء...) وإذا أردنا الحديث بلغة الأرقام، فإن الزيادات في ثمن الكهرباء كانت بنسبة 07 في المائة، أما بالنسبة للماء فقد ثم خفض الشطر الاجتماعي ليصبح هو 18 مترا مكعبا بدل 24 مترا مكعبا، وهذه الخطوة مست بشكل كبير القدرة الشرائية للمواطنين، مما أدى إلى ميلاد تنسيقيات مناهضة الغلاء على المستوى الوطني في المدن الكبرى والقرى والمداشر الصغيرة ، حتى نيف عددها المائة في فترة أوجها وعنفوانها . وكان أول رد فعلي على هذه الإجراءات الحكومية اللاشعبية، وخاصة الزيادة في سعر الماء، تنظيم العديد من الاحتجاجات في المغرب للتنديد بالزيادات في الأسعار، ومطالبة الحكومة بالتراجع الفوري عنها، والاحتجاج على ضرب القدرة الشرائية للطبقات المسحوقة، وكانت هذه الإشكال النضالية تنظم أمام وكالات المكتب الوطني للماء الصالح للشرب، والوكالات المستقلة، ووكالات التدبير المفوض . أما في مدينة بوعرفة، ففي شهر شتنبر 2006، توصل المواطنون بالفاتورة الثالثة، وكانت المبالغ باهظة بالنسبة لفئة عريضة من السكان، مما أثار السخط والتذمر، خاصة أن استلام الفواتير تزامن مع مناسبات متعددة( العطلة المدرسية الدخول المدرسي- شهر رمضان)، فنظمت الاحتجاجات تلو الاحتجاجات أمام الوكالة التجارية للمكتب الوطني للماء الصالح للشرب ببوعرفة، وحتى نكون موضوعيين ومنصفين، فإن هذه الاحتجاجات شاركت فيها جميع الشرائح الاجتماعية، خاصة المنتمية للأحياء الشعبية، كحي الطوبة، والواد، وغيرهما من الأحياء ذات الكثافة السكانية، وكانت هذه الاحتجاجات تنظم بكل انضباط ومسؤولية، ولو أنها لم تكن تنظم تحت مسؤولية أي تنظيم حزبي أو نقابي أو جمعوي، وهذا لا يعني طبعا بأن التنظيمات كانت غائبة، إذ كان يشارك مناضلوها في الاحتجاجات كأشخاص فقط. وفي نهاية شهر أكتوبر 2006، وبمبادرة من فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ببوعرفة، تأسست التنسيقية المحلية لمناهضة الغلاء والدفاع عن الخدمات العمومية، وتضم بالإضافية إلى الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، الكونفدرالية الديموقراطية للشغل، جمعية المجازين المعطلين، الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين، وجمعية محاربة الفقر والدفاع عن الحق في الشغل. وحددت التنسيقية من بين أهدافها النضال ضد غلاء الأسعار، والدفاع عن الخدمات العمومية من صحة وتعليم وسكن وعيش كريم، وهذا ما جعلها تتبنى معركة مقاطعة الفواتير باعتبارها شكلا أرقى من النضالات التي ابتدعتها الجماهير الشعبية ببوعرفة. ثانيا: الملف المطلبي للتنسيقية بخصوص الحق في الماء بعد أن تبنت التنسيقية المحلية لمناهضة غلاء الأسعار والدفاع عن الخدمات العمومية ببوعرفة ملف الماء، دخلت في أشكال نضالية متنوعة، فأصبحت في وقت وجيز رقما وازنا في المعادلة، وبالتالي فقد أصبحت تستدعى للحوارات لاعتبارين أساسين: - تمثيليتها لفئة عريضة من ساكنة بوعرفة قررت خيار مقاطعة أداء الفواتير كإجابة على استهتار المكتب الوطني للماء الصالح للشرب بمطالب الساكنة. - كون التنسيقية تمتلك القدرة الاقتراحية وليس فقط مجرد طرح المطالب. لهذين الاعتبارين، أصبحت التنسيقية تستدعى للحوارات، وتستشار في كل القضايا المرتبطة بمشكل الماء، رغم أن البعض للأسف كان أصلا ضد الجلوس على طاولة التفاوض مع التنسيقية المحلية لمناهضة الغلاء والدفاع عن الخدمات العمومية بخلفيات سياسوية ضيقة، وإن كانت تغلف بمصوغات قانونية، من قبيل أن التنسيقية غير قانونية، وبعض مكوناتها لا تتوفر على الوصل القانوني. من هذا المنطلق صاغت التنسيقية المحلية لمناهضة غلاء الأسعار والدفاع عن الخدمات العمومية ملفا مطلبيا دقيقا، مقرونا بمقترحات عملية، وقد اعتمدت التنسيقية في صياغة هذا الملف المطلبي على المقاربة التشاركية، إذ تمت استشارة قواعد المكونات الخمس للتسيقية أولا، وعموم الجماهير الشعبية ببوعرفة عبر التجمعات الواسعة واللقاءات التواصلية ثانيا، وكانت حصيلة هذه المقارية التشاركية ملفا مطلبيا يضم 23 نقطة، أوردها على الشكل التالي: 1- المطالبة بإعادة الشطر الاجتماعي إلى 24 مترا مكعبا بدل 18 مترا مكعبا. 2- التراجع عن جميع الزيادات في ثمن الماء باعتبار أن الماء حق وليس سلعة. 3- توفير المياه بالجودة والمعايير المتعارف عليها من طرف منظمة الصحة العالمية، وجلب الماء من منطقة السمارة على اعتبار أن ماء الشرب ببوعرفة يتوفر على كمية كبيرة من المعادن وخاصة المنغنزيوم. 4- إلغاء جميع الفواتير التي تراكمت على المواطنين . 5- تحسين الخدمات من قبل المكتب الوطني للماء الصالح للشرب. 6- تغيير مقر الوكالة التجارية لكونه ضيق ولا يسع حتى لعدد قليل من المواطنين. 7- إنشاء مديرية إقليمية للمكتب الوطني للماء الصالح للشرب ببوعرفة. 8- توفير تجهيزات الربط، وتعويض المشترك في حالة غيابها لدى المكتب الوطني للماء الصالح للشرب، أو شرائها من ماله الخاص . 9- توفير حراس دائمين لخزانات المياه لتفادي أي كوارث محتملة، خاصة أن الخزانات توجد في مناطق غير آمنة. 10-إصلاح الطرق العمومية بعد كل عملية ربط أو إصلاح بشبكة الماء الصالح للشرب. 11- تخفيض ثمن الربط والاشتراك بنسبة 50 في المائة أسوة بالعالم القروي. 12- إرجاع كل العدادات التي تم نزعها على إثر نضالات الساكنة وانخراطها في معركة المقاطعة. 13- المطالبة باحترام العقدة المبرمة بين الجماعة والمكتب الوطني للماء الصالح للشرب، وتوضيح مضامينها، ومضامين دفتر التحملات للساكنة. 14-احترام دفتر التحملات، وخاصة النقطة المتعلقة بجلب الماء من منطقة السمارة بتيكري شمال بوعرفة. 15- الزيادة في الموارد البشرية، وإعطاء الأسبقية في التشغيل لأبناء المنطقة. 16- توفير السقايات العمومية في الأحياء السكنية الشعبية( محطة القطار حي الخيام العين الزرقاء...) 17- توفير الماء بجميع الأحياء بدون انقطاع، وإيجاد حلول جذرية بالنسبة لبعض الأحياء كحي الطوبة، والجبل، والواد والتجهيز... 18- تصحيح الوضع القانوني بالنسبة لجماعة بني كيل في علاقتها مع المكتب الوطني للماء الصالح للشرب، وتسديد المكتب الوطني للماء الصالح للشرب لجميع مستحقات الجماعة من الضريبة على القيمة المضافة ابتداء من 1992 تاريخ إحداث الجماعة. 19- تعميم شبكة التطهير السائل على جميع أحياء بوعرفة، خاصة أن الأحياء التي تتوفر على شبكة الوادي الحار، تم ربطها لما كان المجلس يقوم بتدبير الماء. 20- مساهمة المكتب الوطني للماء الصالح للشرب في التنمية والنهوض بالمجالات الثقافية والرياضية والفنية بالمدينة. 21- مساهمة المكتب الوطني للماء الصالح للشرب في إنشاء المساحات الخضراء بالمدينة، والتكفل بعنايتها والتعهد بها. 22- التوقيع على محاضر مشتركة إلزامية بالنسبة لكل الأطراف. ثالثا: ماذا تحقق في الملف المطلبي، وماهي النقط العالقة؟ في نظري الشخصي المتواضع، فإن المطالب ذات البعد المحلي، تمت الاستجابة لها، أو أعطيت وعود للاستجابة لها، في حين بقيت القضايا ذات البعد الوطني معلقة؛ لأنها تتطلب قرارات ومراسيم من طرف الجهات المختصة على الصعيد المركزي. وبخصوص المكاسب، فإنني أميز بين نوعين منها: - المكاسب الديموقراطية المكاسب المادية أ – المكاسب الديموقراطية: من بين المكاسب الديموقراطية التي تحققت على إثر نضالات ساكنة بوعرفة من أجل الحق في الماء، يمكن أن أشير إلى المكاسب التالية: * انتشار ثقافة الاحتجاج بمدينة بوعرفة، وبالإقليم ككل، كبديل عن ثقافة اليأس والاستكانة والخوف، وقد تتبع الرأي العام كيف كانت تنظم في فترة المد والزخم النضالي الممتدة من 2006 وإلى غاية 2011 ببوعرفة، وعلى امتداد إقليم فجيج، أشكال احتجاجية يومية للمطالبة ببعض الحقوق الاقتصادية والاجتماعية: الماء- الكهرباء- الشغل –السكن الصحة... * الاعتراف بتنسيقية مناهضة غلاء الأسعار والدفاع عن الخدمات العمومية كمخاطب أساسي، والجلوس على مائدة التفاوض مع عدة محاورين، كالمجالس المنتخبة، والسلطات المحلية، وإدارة المكتب الوطني للماء الصالح للشرب مركزيا، وجهويا، وإقليميا. * البعد الإشعاعي للتجربة النضالية لبوعرفة، وحضورها في ملتقيات وطنية ودولية، وأخص بالذكر: -الأيام التي نظمها المرصد الدولي لحقوق الإنسان بنابولي بإيطاليا سنة 2009 حول حقوق الإنسان في البلدان المغاربية. - الحضور في حفل الإنسانية بباريس سنة 2010 - الحضور في الجامعة الربيعية الثالثة لجمعية أطاك بالبيضاء سنة 2008 - المشاركة والمساهمة في التأطير في الجامعة الربيعية الرابعة لجمعية أطاك بشفشاون سنة 2009 - الحضور في الملتقيات الوطنية الأربع لتنسيقيات مناهضة الغلاء، واللقاء التشاوري بعد فشل الملتقى الرابع. - المشاركة في المنتدى الاجتماعي المغاربي ببوزنيقة سنة 2007 -المساهمة في الندوة التي نظمت بمقر ف. د. ش. بطنجة 2009 - المشاركة في الجامعة الثانية للجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالهرهورة - المشاركة في الجامعة الثالثة للجمعية المغربية المغربية لحقوق الإنسان التي نظمت بأرزو في أبريل 2011، تحت شعار" لا لتسليع الماء.. لا لانتهاك الحق في الماء". - المشاركة في الندوة التي نظمت حول واقع وآفاق تنسيقيات مناهضة الغلاء والدفاع عن الخدمات العمومية بتاوريرت سنة 2007 - المساهمة في الندوة حول التنسيقيات التي نظمت بوجدة سنة 2011 طبعا، هناك أنشطة كثيرة لا يسع المجال لذكرها كلها، كانت التجربة النضالية ببوعرفة حاضرة فيها، بالإضافة إلى الدعوات العديدة التي وجهت للتنسيقية قصد عرض التجربة من طرف جمعيات غير حكومية بالداخل والخارج، دون أن ننسى طبعا إعجاب الصندوق الدولي لحقوق الإنسان الذي ترأسه المفوضية السابقة لحقوق الإنسان ماري روبنسون بالتجربة ، ودون أن ننسى الحضور الوازن للتجربة على مستوى الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب والالكتروني دوليا ووطنيا وجهويا ومحليا . ب- المكاسب المادية لا أحد باستطاعته أن ينكر أنه بفضل نضالات ساكنة بوعرفة حول الحق في الماء، تحققت عدة مكاسب ملموسة، لها ارتباط بملف الماء، وبحقوق اقتصادية واجتماعية أخرى، وأذكر في هدا المجال: - التزام المكتب الوطني للماء الصالح للشرب بالتنازل عن جميع الفواتير المتراكمة على المشتركين من شهر يونيو 2006 والى غاية شهر يناير 2010، والشروع في لقاءات تواصلية مع المجلس البلدي لتوضيح طريقة الاستخلاص. - بناء خزان جديد في الجهة الشرقية لحي الجبل بتكلفة قدرها 150 مليون سنتيم لحل مسالة الانقطاع المتكررة بهذا الحي، وإضافة أنبوب جديد بتكلفة 110 ملايين سنتيم للزيادة في الصبيب. - قيام مكتب خاص بالدراسات، بدراسة مشكل حي الجبل، وقد أوصى بضرورة إحداث شبكة خاصة بالحي مستقلة عن شبكة المدينة للماء الصالح للشرب. - إحداث مديرية إقليمية للمكتب الوطني للماء الصالح للشرب مقرها ببوعرفة. - إحداث سقايات عمومية ببعض الأحياء الشعبية، مثل حي الخيام، ومحطة القطار، وإعفاء الساكنة من شراء الماء رغم إصرار المكتب في بادىء الأمر على أداء المواطنين ثمن استهلاكهم. - الصيانة المستمرة لقنوات الصرف الصحي بعد تفويت الأمر إلى شركة خاصة تدعى شركة النور - تعميم شبكة الوادي الحار على جميع أحياء بوعرفة بتكلفة قدرها ما يزيد عن 02 ملياري سنتيم، بمساهة المكتب الوطني للماء الصالح للشرب، وجهات أخرى،على إثر الزيارة الملكية. هذه باختصار بعض المكاسب الملموسة، والمحسوسة التي تحققت على أرض الواقع بعد مسيرة نضالية حافلة، امتزج فيها الاحتجاج بالتفاو . وكما قلت سالفا، فإن أغلب النقط ذات البعد المحلي، قد تحققت، بينما بقيت النقط ذات البعد الوطني عالقة، نظرا لإكراهات ذكرتها سلفا. رابعا: قراءة نقدية في التجربة النضالية لساكنة بوعرفة من أجل الحق في الماء. في هذا المحور، سأحاول تقييم التجربة النضالية لساكنة بوعرفة من أجل الحق في الماء، مبرزا نقط القوة ونقط الضعف، السلبيات والايجابيات، وسأقدم العناصر كرؤوس أقلام، تجنبا للإطالة على القارئ. وتجدر الإشارة إلى أن هذا التقييم، هو تقييم من داخل التجربة، لكوني شخصيا تحملت مسؤولية التنسيق في إطار التجربة النضالية من أجل الحق في الماء، منذ تأسيس التنسيقية المحلية لمناهضة غلاء الأسعار والدفاع عن الخدمات العمومية، وإلى غاية اعتقالي بتاريخ 26 يونيو 2011. أ – نقط القوة: - وحدة الساكنة والتزامها بقرار المقاطعة رغم محاولات التشويش التي ساهمت فيها جهات متعددة، وبخصوص نسبة المقاطعة فقد كانت في بداية المعركة 80 في المائة، وتطورت في ما بعد بفضل التعبئة لتصل إلى 100 في المائة. - اعتبار تجربة بوعرفة من التجارب الرائدة ضد النيوليبرالية المتوحشة. - تحقيق الجماهير الشعبية ببوعرفة وكافة الإقليم لمكتسبات عديدة في مجال الشغل، والصحة، والسكن، وغير ذلك؛ على اعتبار أن نضالات التنسيقية كانت تسند وتقوي عدة حركات مطلبية. - إشعاع التجربة النضالية وطنيا ودوليا؛ إلى درجة أن إسم بوعرفة أصبح يقرن بالاحتجاج والنضال. ب- نقط الضعف : في ما يخص سلبيات هذه التجربة، فهي عديدة أيضا، لكنني سأركز على بعض السلبيات التي أراها أساسية، ومنها: - تفشي ظاهرة التبذير لدى أغلب المواطنين، وهذا يحرم مواطنين آخرين من هذه المادة الحيوية، وهذه الظاهرة السلبية لها ارتباط بضعف التوعية والتحسيس. - بروز عدة مشاكل بين الموطنين أنفسهم، متعلقة بالكراء، والانتقالات، وبيع المنازل؛ مما أصبح يطرح مشكلة من سيؤدي الفواتير السابقة. - خلق عراقيل عديدة من طرف المكتب الوطني للماء الصالح للشرب بالنسبة للمواطنين الراغبين في الاشتراك لأول مرة في شبكة الماء الصالح للشرب وشبكة التطهير. - ضعف جودة الماء، اذ يصل أحيانا للمواطنين معكرا، ومحتويا على جزيئات كثيرة، وهذا ما يعتبر سلوكا انتقاميا وعقابيا ضد المواطنين من طرف المكتب الوطني للماء الصالح للشرب، مما جعل أغلب الأسر الميسورة ببوعرفة تقتني أجهزة تصفية الماء يصل ثمنها إلى أكثر من 3000 درهم. - الفشل في ما يخص تأسيس لجان الأحياء، للقيام بدور الوسيط بين التنسيقية المحلية لمناهضة غلاء الأسعار والدفاع عن الخدمات العمومية، والجماهير الشعبية في الأحياء. - ضعف التوثيق والمواكبة الإعلامية لمختلف المعارك النضالية. - محاولات تسييس التجربة من طرف البعض، والقفز على كونها مجرد حركة للدفاع عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية مرتبطة بما هو معيشي، وأنا هنا لست ضد أن يكون للتنسيقية مواقف سياسية، ولكنني ضد المس باستقلالية التنسيقية. - اتكالية الغالبية العظمى من الجماهير الشعبية، وضعف مشاركتها خاصة في اللقاءات التكوينية... الخ خامسا : آفاق معركة مقاطعة فواتير الماء أحبذ شخصيا أن اقسم التجربة النضالية لساكنة بوعرفة من أجل الحق في الماء إلى مرحلتين أساسيتين: - مرحلة ما قبل 18 ماي 2011، وهي مرحلة عرفت زخما نضاليا كبيرا، وحققت فيها الجماهير الشعبية مكاسب ملموسة بفضل النضالات والحوارات. - مرحلة ما بعد 18 ماي 2011، والتي تستمر من التاريخ المذكور، وإلى غاية كتابة هذه الأسطر، وهي مرحلة تتسم بالتراجع الكبير، بسبب القمع والاعتقالات التي أعقبت الأربعاء الأسود 18 ماي 2011. وعليه، فإن تاريخ 18 ماي 2011، هو تاريخ مفصلي في التجربة النضالية لساكنة مدينة بوعرفة، على اعتبار أنه منذ ذلك التاريخ والكل يترقب وينتظر، فقد غابت المبادرة من كل الأطراف، مما جعل الملف يدخل في مرحلة صعبة. الآن، أصبحت تتشكل ملامح ثلاثة سيناريوهات: - السيناريو الأو : إجبار الساكنة على أداء جميع الفواتير التي تراكمت طيلة ستة سنوات كاملة، وإن اقتضى الأمر جدولة هذه الديون، أو استعمال العنف، وهذا يطرح صعوبة التنفيذ، لأن كل الساكنة منخرطة في مقاطعة أداء الفواتير، باستثناء الإدارات . - السيناريو الثاني: تنازل المكتب الوطني للماء الصالح للشرب عن جميع الديون، ونهج سياسة مسح الطاولة، وهذا يقتضي إرجاع العدادات إلى صفر متر مكعب، وهذا الحل ليس صعب المنال بالنسبة لمؤسسة كالمكتب الوطني للماء الصالح للشرب؛ بحكم ما يجنيه المكتب من أرباح من خلال تزويده مختلف مناطق المغرب بالماء الشروب، واستثماره في دول إفريقية. - السيناريو الثالث: هو ترك الأمور تسير على ما هي عليه، وهذا السيناريو في نظري سيزيد في تعقيد المشكل بالنسبة للساكنة: كراء انتقال بيع بناء جديد... الخ. إن كل هذه السيناريوهات ممكنة، وهذا ما يستوضح مع الأيام القادمة، لكن يبقى الحل الأسلم في تقديري الشخصي لحل هذا الملف، هو جلوس كل المعنيين على طاولة الحوار، بما فيهم المكتب الوطني للماء الصالح للشرب، المجالس المنتخبة، السلطات المحلية، الأحزاب السياسية، وجمعيات المجتمع المدني؛ لأن الكل معني ومسؤول بإيجاد الحلول.
خاتمة : هذه هي وجهة نظري حول التجربة النضالية لساكنة بوعرفة حول الحق في الماء، فضلت المساهمة بها في الظرف بالذات، للإجابة عن الأسئلة العديدة التي أصبحت تطرح في الساحة، وأنا لا أدعي بأن قراءتي للتجربة هي القراءة الوحيدة الممكنة، وإنما هي مجرد قراءة من بين قراءات متعددة، ووجهة نظر من بين وجهات نظر مختلفة، ما أحوجنا ليعبر أصحابها عنها، على اعتبار أن كل الآراء تعتبر ضرورية ومفيدة، إن عبر عنها أصحابها في الفضاءات المناسبة، و في إطار النقاش المفتوح والديموقراطي البعيد عن الكولسة، ونقاشات المقاهي، والمقرات الرطبة، والأمكنة المظلمة. وككلمة أخيرة فأنني أجزم بان كل مطالب الساكنة بخصوص الحق في الماء تعد مطالب مشروعة . كما أن النضال بكل الطرق الممكنة لتحقيقها يعد ممارسة مشروعة أيضا . * انظر مقالنا: قراءة في تجربة التنسيقية المحلية لمناهضة غلاء الأسعار ببوعرفة ، مجلة مغرب آخر ممكن، عدد 2، منشورات أطاك سنة 2008 الصفحة 14.